أن تقرأ للعظيم دوستويفسكي يعني أن تصاب بالدهشة..مابيدي لا يمكن أن أصنفه كتاب عادي أستطيع أسميه منحوتة أدبية رائعة..
في الكتاب يحاول دوستويفسكي أن يحاصرنا نحن القراء في الإقناع بأن الذل هو من طبيعة حياتنا ونحن نتعرض له بشكل يومي ودائم كما أنه يصور لنا من جانب آخر حياة الفقر وكمية البؤس وأنواع الإهانة الذي تعترض حياة البشر إضافة إلى القدر المحتوم الذي كُتب على الإنسان..
من الشخصيات التي أوجعوا قلبي وتألمت جداً لأجلهم:
إيفان بتروفيتش..الشاب النبيل الذي تجرع أنواع الذل وهو يدبر أمور حبيبته لعلاقتها بحبيبها الآخر ابن الأمير الساذج "أليوشا " وكمية الإهانة التي تتعرضها " ناتاشا " وهي توافق على بُعد حبيبها ليتزوج كاتيا التي اختارها والده لأطماعه وغرضه في هدف المال كون أن كاتيا هي ابنة رجل ذات نفوذ عالي لا أستطيع أن أتخيل كيف أن " ناتاشا " أحبت ذلك الطفل الساذج الذي يسير طواعية وراء أبيه إذ لا يوجد هناك أية مقارنة بين إيفان و بين إليوشا ..
أما هيلين أو كما أطلق عليها نللي..هي الفتاة البائسة التي أنهكها الفقر والجوع والمرض أيما إنهاك إذ تسرد سيرة حياتها على إيفان الذي أنقذها من حياتها البشعة في قبو " بوبنوفا " في البداية لم تتعامل هيلين مع من أنقذها بلطف بل كانت تعامله بحدة كونها عاشت في تجربة مريرة وقاسية فكان ردها متوقع أن يأتي بحدة وفضاضة حتى اعتادت عليه بعد فترة وتحدثت له عن سيرتها المؤلمة عن أمها التي ماتت مقهورة من مهانة والدها الظالم الذي تجلت شخصيته أبشع معاني القسوة واللا إنسانية من فساد وجشع إلى امتهانه في ذل ومهانة الآخرين..إلى جانب جدها الذي لعن أمها بسبب هروبها مع زوج سرقها وسبب لها المتاعب من فقر وجوع إلى موتها في قبو قذر..
ما آلمني أكثر هو حينما كانت هيلين تنازع الموت اعترفت لِ إيفان بأن الأمير هو والدها وهو من كان سبباً في هلاك والدتها فما كان منها إلا أن ترد لإيفان بهذا الرد:
( إنني قرأت الأنجيل منذ مدة قصيرة، وفيه يقول المسيح: " اغفروا حتى لأعدائكم "، قل له: إنني قرأت هذا الكلام، ومع ذلك لم أغفر له، وأن الكلمات الأخيرة التي نطقت بها أمي قبل أن تموت، قبل أن تعجز عن الكلام هي: " إنني ألعنه ". وقل له: إنني ألعنه أنا أيضاً، لا من أجلي، بل من أجل أمي. اذكر له كيف ماتت أمي، وقصّ عليه كيف بقيت وحدي مع بوبنوفا. أخبره بأنك أنت رأيتني عند بوبنوفا، أنبئه بكل شيء، وقل له: إنني آثرت أن أبقى عند بوبنوفا على أن أذهب إليه )... يا الله أبكتني جداً
رواية تسبر في أعماق النفس البشرية لا يمكنك أن تقرأ هذا الكتاب إلا وأن تكون حاضراً بعقلك وقلبك رواية تستحق القراءة