أول رواية اقرأها للكاتب. أنهيتها في أسبوع بالظبط مباشرة بعد شراءها. مستوى اللغة العربية أبهرني و أخافني بعض الشيء .. خفت أنني لن أفهمها أو على الأقل ستكون رواية ثقيلة على قلبي كما قالت صديقتي التي اشريت منها الكتاب و لم تنهِه لذلك السبب.
طوال الرواية لم أستطع طرد سؤال واحد ملحّ جدًا كان يدور في ذهني و لا يلبث أن يهدأ إلحاحه حتى يتقافز من جديد. هذا السؤال كان: "لماذا؟"
لماذا قد يكتب أحد رواية عن عالم البرزخ؟ لماذا ما يزيد عن ٤٠٠ صفحة خيالات و تخيّلات في عالم البرزخ؟ لماذا الريش و المكتبة و الطائر و الشجر .. لماذا هذه الأشياء بالذات؟ ما علاقة اسم الرواية بالمضمون الذي تتوقع أن يكون عن جهنم لأول وهلة ثم لا يكون كذلك؟ و لماذا كل شيء فيه تسع عشرة شيئًا؛ الطوابق و الريشات و الشجر؟ هل يجوز لنا أصلًا أن نكتب عن الغيب؟
في البداية اتخذت إكمال الرواية تحدٍ لي .. لأفهم هدف الكاتب منه في النهاية، فكنت أقرأ بنهمٍ و غيظ. و من ثم بدأت أستمتع بالأحداث .. فأصبحت أقرأ باهتمام؛ كنت لازلت لم أجد إجابة على سؤالي في ذلك الحين، و لكنني كنت أستمتع بما يدور من حوارات و نقاشات غنيّة بين البطل و بقية الشخصيات. و قرابة النهاية لم أتمالك نفسي أكثر من ذلك، فبدأت أتصفح مقاطع مراجعات القرّاء للرواية على الإنترنت، و المقابلات المسجّلة للكاتب في بعض القنوات أبحث طوال الوقت عن إجابة أو مؤشر أو أي شيء. إستولى عليّ هذا السؤال فعلًا و قد أيقنتُ أن كاتبًا بهذا المستوى اللغوي و الثقافي البارز من كتاباته لن يكتب شيئًا لا هدف له و لا مغزى وراءه.
لا أدري حتى الآن. و لكن الرواية تشي بقدرٍ عالٍ من الثقافة و المعرفة، و هي ممتعة بعد الربع الأول تقريبًا الذي يملؤه الصمت و السكون و بعض الكآبة. و أغاظني كثيرًا إبهامها، من أول التخليص القصير على الغلاف الخلفي للكتاب حتى السرد - كل شيء مبهم جدًا! لا أفهم الرموز، لا أفهم الأحداث .. هل يتخيّل البطل الآن أم هي حقيقة؟ لماذا يكثر قول "و كأنني سمعت فلانًا يقول .." أو "و كأنني رأيت .." هل رأى أم لم يرى؟ أنت لا تدري حقًا. لا تفهم شيئًا لأن الكاتب يكتب كما لو أنه يكتب لنفسه. لا يهتم بإفهام القارئ أي شيء إلا في لحظات الوضوح النادرة. بعد ربع الرواية تقريبًا تكتشف أنك في البرزخ، و ربما هو أقل من ذلك و لكنه على كل حال بدا لي زمنًا طويلًا لطول فترة الحيرة التي وضعني فيها.
عندي الكثير الكثير لأقوله. و قد فرّغته في نصف ساعة من الثرثرة المسجّلة لصديقتي و في ملاحظات طويلة سجّلتها كتابةً على هاتفي. و لا يسعني أن أكتب كل شيءٍ هنا بطبيعة الحال. و لكن كما قلت و باختصار، هي رواية ممتعة لغويًا و ثقافيًا، محيّرة، فريدة من نوعها (ولا يشترط أن يكون هذا مديحًا)، مثيرة للاهتمام، ذات طابع ديني لطيف في بعض اللقطات (مثلًا كثرة الإشارة للحياة الدنيا بالـ"فانية" و غير ذلك).
بالتأكيد لدي استعدادٌ كبير لقراءة رواية أخرى من روايات أيمن العتوم.