يُمكن للقصص أن تُقدّم العزاء بشأن المُعاناة، و تمنح الكلمات
كي نُسمّيها تجربتنا. يُمكن للقصص أن تُنبّئنا بماهيتنا و
ماهية تلك الساعات الرملية التي ننتقل داخلها، و تقترح
طرقًا لتخيّل مُستقبل قد يُسهم، دون الدعوة إلى نهاياتٍ
سعيدة مُريحة، في منحِنا طُرقًا كي نبقى أحياء، معًا، على
هذه الأرض المُنتهكة.
فصّل ألبرتو مانغويل في "مدينة الكلمات" عدة أمور تتعلق
خاصة باللُغة و الهوية الفردية و الاجتماعية ضاربًا الأمثلة حينًا
و مرتكزًا على ملاحم و أساطير مِن الأدب العالمي أحيانًا أخرى..
أهميّة اللغة في المجتمعات و تأثيرها على الفرد .. اختلاف و
اللغة المُستخدمة يُغيّر ردة فعل المُتلقي .. ما جعل
السياسين و رجال الدين و غيرهم يحوّرونها حسب رغباتهم ليخلقوا ما
يُسمى بالبروباغاندا .
رؤية ألبرتو مانغويل للوطن لفتت انتباهي بشدة ..
حين نُعلن الولاءَ لمكانٍ ما، نبدو أنّنا نتحرّك بعيدًا عنه نحو
صورةٍ نوستالجية لِما نؤمِن بأنّ هذا المكان كان عليه أو
سيصيرُه يومًا ما.
تُضمِر الجنسيات ، و الإثنيات، و الروابط القبيلة و الدينيّة
تعريفات جُغرافيّة و سياسية مِن نمطٍ ما؛ و مع ذلك، بسبب
طبيعتنا الهائِمة مِن جانب، و بفِعل تقلُّبات التاريخ مِن جانب
آخر، تُصبح جُغرافيتُنا أقلّ تجذُّرًا من الحيّز الفيزيائِي مِنها في
حيّز وهمي.
الوطنُ مكانٌ تخيُّلي دومًا .
* * *
كيفَ نُحدّد المُجتمع الذي نقُول أنّنا ننتمِي إليه و الذي يُحدّدنا
بدوره؟ ما هي هذه الساعة الرملية التي ننتقِل بداخلها و
التي يتغيّر شكلها و طبيعتها باستمرَار؟ كيف يُمكنُنا تخيُّل
أنفسنا في مكانٍ ندعوه وطنًا ؟ و من نحن، سكانه ،
مُستقرّون أم عابرون ؟
يُمكن إيجاد إجابات مِن نوعٍ ما، أو أسئلة أفضلَ طرحًا، في
قصص مُحدّدة (...) و مع ذلك، تعجز القصص، حتّى أفضلها و
أصدقها على إنقاذنا مِن حماقاتنا. لا يُمكن للقصص أن تحمِينا
مِن المُعاناة و الزّلَل، مِن جشعنا الانتحاري. الأمر الوحيد الذي
بإمكانها فِعله هو أنّها أحيانًا، تُنبئُنا عن هذه الحماقة و ذلك
الجشع، و تذكرنا بأن نكون يقظين حيال تكنولوجياتنا المُتكاملة
على نحو مُتسارع.