كتاب أم رواية؟
هذا هو السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه من البداية..
فالرواية مسموح فيها للكاتب أن يطلق العنان لخياله أنى شاء، لكن عندما يكون مذكورا في بداية الرواية أن جميع شخصياتها بإنسها وجنها حقيقية، وأن جميع أحداثها كذلك مستوحاة ولها أصل من أحداث حقيقية، وعندما يكون موضوعها مشتبكا مع وقائع تاريخية ودينية فارقة ومثيرة للجدل، هنا يكون على الكاتب أن يتوخى الحذر، وأن يتبع الأسس العلمية والموضوعية اللازمة لتناول هذه المواضيع الشائكة، ولا يصير بالإمكان التعامل مع روايته بوصفها إبداعه ورؤيته الخاصة التي من حقه تضمينها ما شاء كيفما إتفق، وهذه تحديدا نقطة خلافي مع الكاتب هنا.
بداية أسجل إعجابي بمجهود الكاتب الشاب الواضح في البحث، وانتقائه لمواضيعه الهامة، واجتهاده حتى لو جانبه الصواب.
لكن تبقى مشكلتي الرئيسية مع المنهج الذي اتبعه، فما هكذا تورد الإبل.
أعجبتني الرواية في بدايتها لتناولها لأحداث لا أعرف عن خلفياتها الكثير، مثل قصة الملك النمرود بتشعباتها وتفاصيلها سواء المثبت منها تاريخياً أو المستنتج نظرياً من ربط الوقائع ببعضها وتخيل السيناريوهات المحتملة، وأعجبني تفصيل الكاتب لكيفية وصوله لمعلوماته واستنتاجاته وتصوراته في الملحق الخاص بالفصل، وهو المنهج الذي سيتبعه في باقي الكتاب/الرواية بتفصيل أولاً، ثم يختفي التأصيل وتقل التفاصيل تباعاً وتكاد تتلاشى مخلة بالمنهج والمنطق مع تقدم الكاتب في الرواية وتشعب مواضيعها التي يصير محورها الجان والشياطين واليهودية والصهيونية والماسونية والمسيخ الدجال وأتباعه وتحكمهم في حركة التاريخ، واستغراقه في نظرية المؤامرة واتباعه لهواه في في سرد الوقائع التاريخية والدينية وتفسير المواقف وتحليلها، فتضل بوصلته ويتخبط في رؤاه المرتبكة التي يرغب في فرضها على القاريء غير المطلع باعتبارها الحقيقة المطلقة التي يقدمها في هيئة كبسولة شافية وافية يفترض فيها أنها تعفي القارئ من البحث والتمحيص في مواضيع خلافية جدلية مثل وفاة الرسول والفتنة الكبرى والتشيع وبروتوكولات حكماء صهيون وحقيقة المسيخ الدجال وصولاً إلى ثورات الربيع العربي المأسوف عليها،وغيرها من المحطات المؤثرة في التاريخ التي لا يفوت الكاتب أيا منها إلا ويدلي بدلوه فيها كباحث كلي القدرة شامل الرؤية لا يشق له غبار في أي ميدان يطرقه!
بلغت أزمتي مع الكتاب ذروتها عندما بدأ في تناول مواضيع لدى خلفية لا بأس بها عنها وفوجئت بجرأته في طرح رؤاه الشخصية وافتراضاته المرسلة والنظريات غير المثبتة التي يتبناها أو يتمناها كمسلمات وحقائق لا يتطرق إليها الشك، فيصير من المعلوم بالضرورة مثلا أن الرسول قتله اليهود، وأن الصحابة لم يقتلوا بعضهم في وقائع الفتنة الكبرى وإنما قتلهم اليهود والشياطين وأتباعهم، وهم كذلك أصل التشيع - الذي يفترض أنه بدأ مع الطائفة الزيدية متجاهلا كل ما قبلها- وأن يزيد بن معاوية -قاتله الله! - من أولياء الله الصالحين والشيعة هم الذين شوهوا سيرته النقية، وغيرها من المصائب التي ينسبها كلها لليهود أوللشياطين أو للجن الأزرق كأننا لم نجن على أنفسنا ولم يكن أي دور - غير الغفلة- في كل الفواجع التي ألمت بنا على مدار التاريخ.
كذلك ذكره لفرضية أن المسيخ الدجال هو سامري بني إسرائيل على أنها حقيقة مؤكدة، وهي فرضية لها شيء من الوجاهة وعليها كثير من الانتقادات، وإن كان حري به أن ينسبها لصاحبها محمد عيسى داوود ويذكر الأدلة التي أوردها عليها للتأمل فيها، بدلاً من أن يذكرها مجهلة ومرسلة كما فعل.
بالإضافة لفرضيات من قبيل أن الماسونية العالمية اغتالت بوب مارلي وتو باك ومايكل جاكسون - لدورهم الخطير في فضح مخططاتهم - إلى آخر هذا الهراء الذي استمده الكاتب من سلسلة القادمون الوثائقية - دون ذكر المصدر بالطبع- وتعامل معه على أنه حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!
ناهيك عن وصلات هجاء الديمقراطية ومديح الاستبداد ونظريات الكاتب اللوذعية عن نظم الحكم والثورات، وحلوله التي يتصورها عبقرية للمعضلات المستعصية -صراع الإخوان والعسكر مثلاً!- والكمبيوتر والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي اخترعها أعوان المسيح الدجال خصيصاً لتمهيد الأرض لقدومه، والكثير والكثير مما لا يتسع المقام والوقت والجهد لذكره وتفنيده.
الخلاصة في رأيي أن الكتاب يستحق القراءة لكن بحذر شديد مع عدم أخذ أي من أطروحاته كمسلمات، فلو خرج القاريء منه برؤوس مواضيع وتحمس في البحث عنها والتقصي حولها والتمعن فيها سعياً للوصول للحقيقة وتكوين رأي عقلاني متزن مبني على أسس موضوعية ومنطقية فخير وبركة، أما لو خرج منه منبهرا ومقتنعا بكل ما فيه من معلومات ونظريات وخزعبلات بحجة أن كل ما أورده الكاتب له مصادر موجودة على الإنترنت - كأن كل هراء العالم ليس موجوداً على الإنترنت - فهنا يكون ضرره أكبر من نفعه، وعليه العوض ومنه العوض في دماغ القراء إللي باظت!