ما سر الأندلس وعشقنا لكل ما هو أندلسي؟ لماذا نحسها قطعة غائبة من أرواحنا رغم أننا لم نحيا يوماً من أيامِ أن كانت بين أيدينا؟ لماذا إذا ذكرت الأندلس رجف القلب شوقاً وعشقاً وألماً لسيرتها؟
على طول الرواية كنت أفرح وأحزن وأتلوع على ما أقرأ وكأن البلد المروي عنه هو بلدي. كان لهذه الرواية قدر من السحر وروعة الوصف وتماسك الحبكة وتشويق الأحداث ما جعلني أقرأها بقلبي قبل عيني. فقد صحّحت لي ما كنت مخطئة بظنه قبلاً وفتحت عينيً على حقائق غابت أو غيّبت عن ذهني فأدت إلى سوء فهمٍ صاحبه ضعف الهمة للاطلاع على الحقيقة.
على عكس ما يقول البعض عن أنك إذا قرأت ثلاثية غرناطة فلا داعي لتقرأ هذه أقول: بل العكس تماماً. من قرأ تلك فعليه أن يقرأ هذه لأن الثلاثية كانت مرتكزة في جلّها على الشخوص لا على التاريخ، وكان في أحداث تاريخ الثلاثية تعديلات وشطحات ولم يكن الحال كذلك في البشرات. كما أن الطابع الإسلامي والملتزم كان غالباً على هذه دون الثلاثية التي التزمت نوعاً من الحياد.
صحيح أن كاتب البشرات قد ألهمته الثلاثية ليكتب روايته، إلا أن البشرات في رأيي قد تفوقت على الثلاثية ليس بخطوات وإنما بأمياااال، نظراً لحسن الرواية وفصاحة اللغة ونصاعة الأسلوب وخلوها مما قد يتحفظ حوله القارئ، وتركيزها على التاريخ وبناء الأحداث حوله، لا على الشخوص وتعديل التاريخ بناء على متطلباتها كما فعلت رضوى رحمها الله.
كان هدف الرواية الأول كما عبر عنه الكاتب هو إثبات أن الأندلس لم تسقط بسهولة ولم يتخل عنها أبناءها دون تضحيات وبسالات وبطولات. فكان من براعة الكاتب أن عرض التاريخ وثورات أهل الأندلس ومقاومتهم بشكل يبعث على فخرنا بهم ويشكل نوعاً من العزاء لنا كوننا أدركنا أنها لم تضع منا دون نضال حميم.
ركزت الرواية على الفظاعات التي ارتكبتها إسبانيا بحق المسلمين وعلى محاكم التفتيش والتعذيب والاضطهاد وقتل الروح الإسلامية التي صوّر لنا كيف أن بذورها أبت إلا أن تعيش في صدور من تبقى، فكانت البذرة باعثاً للمقاومة والتضحية فالموت في سبيل رب وقضية ووطن.
كما ركز على جانب الخيانة وكيف أنها قد تقتل أمة بأكملها، فبين خيانة ملك المغرب من أجل السلطة، و خيانة وزير قائد الثورة بدافع الغيرة، وخيانة أفراد طمعاً بملك زائل لم يطالوه أو تفادياً لعقاب قد طالهم في النهاية، ضاعت ثورة الأندلس وضاع عزّ أهلها وتشردوا وضاع كل أمل بعودتها.
ابتدت الرواية بثورة الأندلس، ومضت الأحداث صعوداً ونزولاً إلى أن انتهت بوأد هذه الثورة بأسلوب صور هذا السقوط بشكل يترك في القلب غصة وفي العين دمعة، إلا أن الكاتب استطاع ببراعته أن يزيح اليأس والحزن الذين صاحبا أحداث النهاية ويدبّ الأمل من جديد في نفوسنا مع آخر سطر منها.
كانت الرواية ممتازة وتستحق كل نجمات التقييم وأنصح بها الجميع، بخاصة من يهتم بالتاريخ ولكنه لا يستسيغ قرائته جامداً.