لم تخلوا قراءتي لكتاب «بين الدين و العلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء» للكاتب الأمريكي أندرو وايت ديكسون ترجمة إسماعيل مظهر، من صعوبات. بل الكتاب من تخصصه يصعب لى القارئ العادي إتمامه كاملا، بكون الإسهاب الحاصل في الكتاب بالغ جدا، لأن في مجمله جرد تاريخي دقيق لكل من خاض في علاقة الدين والعلم، هذه الثنائية التي لم تسلم من الجدل ليس في القرون الوسطى فقط بل حتى يومنا هذا.
يمكن القول أن أجمل ما في الكتاب هي مقدمته المعنونة بالعداء بين اللاهوت والعلم لا بين الدين والعلم "العلم موضوعي والدين ذاتي" هته المقدمة الزاخرة بمعلومات قيمة واستنتاجات مفيدة لمترجم الكتاب إسماعيل مظهر، والتي حاول من خلالها إبراز هل ثمة عداءٌ بين الدين بنصوصه الثابتة والعلم بتطوره المستمر؟ وهو ما سيتجلى في باقي فصول الكتاب الثلاث.
فالكاتب الأمريكي أندرو ديكسون وايت يستعرض من خلال كتابه «بين الدين و العلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى» ثلاث قضايا علمية كبرى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء، هذه القضايا أحدثت داخل البلاط الكنسي في القرون الوسطى ضجَّات تاريخيَّة، هزت سلطة وعرش الكنيسة أنذاك، حتى وصلت باتهام أصحابها بالهرطقة والحكم عليهم بالموت. وأعتبر أن هذه القضايا كانت هي تمهيد للثورة الفكرية في عصر الأنوار.
يعرض لنا ديكسون وايت في الفصل الأول من الكتاب النظريات العلمية في علم الفلك والكون، و طرح تساؤلات حول الأرض هل هي مركز الكون أم لا؟! وهل الارض تدور حول الشمس أم الشمس هي التي تدور حول الأرض؟! في الوقت الذي كان السائد فيه حسب المعتقدات الكنسية أن الأرض هي مركز الكون، وأن الشمس والنجوم وكل الأمور مسخرة لتخدم مركز الكون، وأن الله خلقها في ستة ايام، وجعل الشمس تحوم حول الأرض بيحث أنها تغرب خلف جبل حسب الاعتقاد الكنسي ورأي آخر يقول بأنها تختفي في حفرة تحت الأرض... إلا أن إثباتات علمية من نظرية كوبيرنيك وغاليلو من بعده خالف الاعتقاد الكنسي باعتبار أن الأرض هي مركز الكون بل الأرض هي التي تدور حول الشمس وأن الشمس ثابتة، وكيف تصادمت تلك النظريات آنذاك مع تفسيرات اللاهوتيين الظاهرة للنصوص الدينية المقدسة.
كما يعرض الفصل الثاني النظريات الحديثة عن جغرافية الأرض وتكوينها؛ والاشكال المرتبط بها ، والسؤال الذي طرح أنذاك وحاول العلماء الوصول إلى كنهه هل الأرض مسطحة أم كروية الشكل؟!، تلك النظريات التي لقِيَت صدودًا وحروبًا لاهوتية شعواء. وفي أخير يتطرق الكاتب في الفصل الثالث إلى إحدى أهم النظريات التي أثارت جدلًا كبيرًا إلى الآن، وهي نظرية «التطور والنشوء» والتي ارتبطت بشكل كبير بفكرة أصل الأشياء وكذا تطور الكائنات عبر مر العصور من خلال صاحبها تشارز داروين.
وقدم الكاتب استعراضا لأهم العلماء الذين كان لهم الفضل في إعلاء قيمة العقل على النصوص الدينية في القرون الوسطى من كوبيرنيك و غاليلو و نيوتن وكذا داروين...؛ بالاضافة لجرده لعدد كبير من اللاهوتيين الذين رفضوا تلك الافكار الى حد التعرض والايداء وسجن أصحابها ومؤيديها ومنع تدريسها بالجامعات. ليصل بالقارئ في الأخير لنتيجة مفادُها أن الصراع المزعوم هو فقط بين التفسيرات المتشددة للدين وبين العلم، لا بين الدين والعلم عمومًا.