من معجم العامية المصرية الحديثة:
الشمال" مصطلح صار مرادفا لكل ما هو خاطيء أو غير مشروع أو منحرف، ويمكن إستخدامه لوصف الممارسات أو الأشخاص، فيوصف فلان بأن "شغله شمال" مثلا بمعنى أنه يستخدم أساليب ملتوية أو غير نظيفة في عمله، أو يوصف الشخص نفسه بأنه "شمال" كما في الحكمة الشعبية البليغة المنقوشة على نصف ميكروباصات مصر "بختي مال، من كتر أصحابي الشمال" للتدليل على مغبة مصاحبة أصدقاء السوء.
ويطلق على البنت أنها "شمال" بمعني أن أخلاقها -لا مؤاخذة- "مش كويسة" وسمعتها ليست على ما يرام.
ما فائدة هذه النبذة اللغوية في مقدمة المراجعة؟ فائدتها أن أتمكن من سرد النكتة التي ظلت تلح علي طوال قراءة الرواية، والتي تلخص وجهة نظري فيها إلى حد كبير، والنكتة تقول:
(مرة واحدة "شمال" إشترت بغبغان طويل اللسان، فكان بيفضحها في العمارة كلها وهي داخلة وخارجة ويفضل يصرخ بعلو صوته "شمااال، شماااااال"، لحد ما زهقت منه فقررت تستعين بصديق يعلمه الأدب، الصديق ده جاب طشت مياه وقعد يغطس فيه البغبغان لحد ما كان هيموت، وفي الآخر البغبغان قاله خلاص حرمت، فقرر الصديق يختبره فسأله:
☆لو لقيتها داخلة البيت معاها راجل يبقى إيه؟
- يبقى أخوها يا باشا.
☆ولو راجلين يبقوا إيه؟
- يبقوا أخوها و إبن عمها!
☆و لو 3 رجاله يبقوا إيه؟
- يبقوا أخوها و إبن عمها و.. إبن خالها!!
☆ولو 4 رجاله يبقوا إيه؟
- يا عم بقولك إيه؛ غطس غطس دي شمال والله!!! )
هذه النكتة تعبر عن رأيي في الرواية وبطلتها وموضوعها بالضبط، وهو ما سأفصله في باقي المراجعة.
تنويه: القادم فيه حرق للأحداث، كما أنه غني عن الذكر أن المراجعة "للكبار فقط" حيث أن الرواية إسمها "الزانية" أصلا!
بطلة الرواية هنا صحفية سويسرية ناجحة في الثلاثينات من عمرها، متزوجة -عن حب- برجل أعمال شاب ووسيم وغني ومخلص -يمارسان الجنس بانتظام- لديها ولدين أصحاء، أي أن حياتها مثالية باختصار، وهذه هي مشكلتها.
مشكلتها أنها تشعر بالملل من رتابة حياتها الرائعة الخالية من أي منغصات، لذا فهي تبحث عما تكسر به هذه الرتابة، فتقرر خوض مغامرة جنسية مع حبيبها القديم من أيام الجامعة، الذي تزوج وصار سياسيا مرموقا، فأثناء إجرائها حوارا صحفيا معه ينتهز الفرصة ويقبلها، فكان رد فعلها أن أخذت منه زمام المبادرة، لتذهله باستجابتها التي لم تخطر له على بال!
هل تشعر بالندم بعد ذلك أو يخالجها أي إحساس بتأنيب الضمير؟ إطلاقا، بل على العكس تقرر الذهاب لأبعد مدى في مغامرتها، وتتحول هي لمطاردة لذلك السياسي الذي يحاول الابتعاد عنها تارة خوفا على سمعته، وتارة يستجيب لتلك المرأة السهلة التي تعرض نفسها عليه دون أي مقابل أو إلتزام، والتي تقبل أن تعامل كفتاة ليل محترفة، بل وتجد متعتها في هذه المعاملة التي تفتقدها مع زوجها الذي يعاملها بحب وإحترام مملين!
*يحرص باولو على التأكيد أن العلاقة بين البطلة وعشيقها جنسية بحتة فيقول على لسانها:
"ما جرى بسيط جدا: ضاجعت رجلا لأنني كنت أستميت لمضاجعته. لا أكثر. لا تبرير فكريا أو نفسيا. أردت أن أمارس الجنس. نقطة على السطر. "
- (يا عم بقولك دي شمال والله!).
ثم تنتقل لمرحلة الرغبة في إيذاء زوجة عشيقها الأستاذة الجامعية، لأنها قابلتها في مناسبة وعاملتها بطريقة غير لطيفة –مبرر مقنع جدا طبعا!- فتقرر أن تلفق لها قضية إتجار بالمخدرات، وتشتري المخدرات بالفعل لتدسها لها في مكتبها، إلا أنها تتراجع في آخر لحظة، ليس لأن ضميرها إستيقظ –لا سمح الله!- لكن لأنها إرتبكت ولم تجد مكانا مناسبا لإخفاء البضاعة!
تصل الأحداث للذروة عندما تجمعها الظروف في عشاء هي وزوجها –الذي لا هم له إلا معرفة سبب إكتئابها ومحاولة الترويح عنها!- مع عشيقها وزوجته، فترتبك وتقع تحت إيحاء أن الزوجة تعرف بحقيقة علاقتهما، فتقرر إتخاذ منهج الهجوم بدلا من الدفاع، فتتكلم بحديث يفهم منه اعترافها ضمنيا بوجود علاقة بينهما، لينتهي العشاء في أجواء متوترة، وتتلقى رسالة من عشيقها يخبرها بأنها أفسدت كل شيء، وأن زوجته لم يكن لديها فكرة وأنها هي التي فضحت نفسها، وأنهما لا يمكن أن يلتقيا بعد الآن.
وبينما هي تحمل هم المواجهة مع زوجها وتحاول تخيل ماذا سيفعل، يفاجئها الزوج و يفاجئنا بأغرب ردة فعل ممكنة، بأن يهون عليها ويخبرها بأنه لا يهتم بأي شيء قد تكون فعلته، وأن المهم هو استمرارهما معا والحفاظ على زواجهما وحبهما، وأنه يقر بتحمله المسؤولية لأنه انشغل عنها بعمله، وأنه سيعوضها عن ذلك في الفترة القادمة!!!!!!!
ماذا تفعل بطلتنا يا ترى بعد الموقف المؤثر من زوجها المحب معدوم الكرامة والنخوة؟ إنها ترد له الجميل كأفضل ما يكون -هو يستاهل بصراحة! - بأن تذهب إلى عشيقها -الذي يحاول تجنبها وإنكار نفسه منها بشتى الوسائل- لتفاجئه في مكتبه وتمارس معه جنسا محموما كما لم يمارسانه من قبل -لا يقصر باولو في إطلاعنا على أدق التفاصيل كما فعل طيلة الرواية ما يبشر بمستقبل باهر له ككاتب أفلام بورنو- لتخبره بعد الإنتهاء بأن هذه كانت آخر مرة لهما معا وتتمنى له التوفيق في زواجه ومستقبله السياسي، وتعطيه المخدرات التي اشترتها لتوريط زوجته ليتصرف فيها كما يشاء.. وتنصرف!
-(يا عم غطس غطس دي شمال والله! ).
ثم تأتي النهاية السعيدة بعدما يذهب الزوجان في رحلة يستعيدان فيها ذكرياتهما وويجددا حبهما، ويخوضان فيها تجربة القفز بالمظلات فتكون بمثابة ولادة جديدة لهما، ليأتي المشهد الختامي وهم متجمعين في بيتهم مع الأولاد يحتفلون ببداية السنة الجديدة، وبطلتنا تبتسم وهي تسترجع ذكريات السنة الحافلة التي مرت بها!
لا أجد ما أعلق به صراحة على هذا الغثاء بخلاف نكتة الببغاء التي افتتحت بها المراجعة، فهي كما أسلفت تلخص كل ما أردت قوله تماما!
يبقى لي تعقيب أخير عن الكاتب البرازيلي الكبير الذي قرر أن يترك كل المواضيع الممكنة في الدنيا ليشركنا معه في الهموم المفتعلة لمجتمع الواحد في المائة الذين يعانون من إنعدام الهموم الحقيقية فيسعون لاختلاق أي عقدة لتضيف لحياتهم المرفهة الخالية من المعاناة بعض البهارات، محاولا استدرار تعاطفنا معهم، ومحاولا كذلك إجتذاب شريحة إضافية من القراء ببهاراته الجنسية الحريفة... ألف خسارة عليك يا باولو والله!