من بين كل الألعاب كانت هي الوحيدة التي اخترعها الإنسان للتحرر تماماً من استبداد الصدفة وعدم منح إكليل السيادة إلّا للذكاء البشري، أو بالأحرى لنوع محدد من الذكاء.
ولكن أليس في توصيف الشطرنج باللعبة حطٌّ من قدرها وارتكابٌ لخطأ جسيم؟؟ ألا يعتبر الشطرنج علماً وفناً في الوقت ذاته؟ أليس شيئاً يحلق بين هذين الطرفين؟ أليس مزيجاً فريداً من كلّ المتضادات؟
إنّ تاريخه ضارب في القدم ومع ذلك فهو جديد ومتجدّد على الدوام، صحيح أنه محكوم بقانون مضبوط، ولكن لا انتصار فيه إلّا لسلطة الخيال، إنه محصور في فضاء هندسي ثابت، ولكن لا نهاية في الوقت نفسه لتعدّد أشكاله وتوليفاته، متكاثرٌُ باستمرار ومع ذلك عقيم، إنه فكر لا يؤدي إلى شيء، وحساب لا يحتسب أيّ شيء، فنّ لا يخلّف أثراً، ومع ذلك فقد أثبت أنّ الإنسان والوجود أكثر ديمومة من كل الكتب والآثار الفنيّة، إنّه اللّعبة الوحيدة التي تشترك فيها كلّ الشعوب في كلّ الأزمنة، ولا أحد يعرف مُطلقاً أيّ إله خلق الشطرنج ووهبه للبشر ليقتُل الملل ويشحذ الذهن وينعش الروح. من أين بدأ وإلى أين سينتهي؟ بإمكان كل طفل أن يتعلم قواعده الأساسيّة. وفي وسع كلّ أحمق أن يختبر نفسه على رقعته، ومع ذلك فإن هذه اللعبة قادرةٌ في حدود مربّعاتها الضيّقة والثابتة، على خلق صنف فريد من العباقرة لا مثيل لهم على الإطلاق، أشخاص ركزوا موهبتهم فقط على الشطرنج، نوابغ مُميّزين تعمل عندهم الرؤية والصبر والمهارة معاً، مثلما يحدث في الرياضيات والشعر والموسيقى، غير أنّها تعمل متّحدة ومنسجمة بطريقة تكاد تكون مختلفة.
وهنا استُعملت الشطرنج مرة أخرى كوسيلة لإنقاذ الروح البشرية من ظلال الضياع والفراغ، فمن البديهي أن لا شيء في العالم يعذّب النفس البشرية أكثر من الفراغ.
فكانت سبيل النجاة لسجين في أرقى وأشد أنواع العذاب، وهو عذاب عدم الوجود وانتفاء التجدد،، فكانت لعبة الشطرنج بخاصيتها اللافتة بعدم إرهاق الذهن وزيادة مرونته وحيويته، هي الخلاص.