الظلم عنوان الحياة،
كلما عاد من سوق كركوج يكون أشد حزنًا، يبث همه لزوجه فتطيِّب خاطره، يسأل شيخه فيعده نصر الله قريب، لكن قلبه لا يهدأ ..
فجر الترك في حكمهم، ينهبون مال المسلمين عانًا يجلدون كرام الناس ويهينون الأعزة، في الأسبوع الماضي استوقفوا حمارته وأخذوا قروش النسوة القاصدات ضريح الشيخ حجازي، وقف ذليلاً حتى فرغ عساكر الحكومة من نهبهم، ربت أحدهم على خده مداعبًا وضحك، ناحت رجولته في صمت .. عرف من النسوة أن كبير التجّار جلدوه في السوق ثمانمائة جلده لأنه لم يقف حين مر العساكر.
يسأل شيخه: هل الترك مسلمون؟
ــ منهم خليفة الله سلطان المسلمين! لكن المسلم بعمله لا بصفته.
ــ يعملون عمل الكفار يا أبوس الشيخ
ــ لله الأمر من قبل ومن بعد، فإن جاء أمره لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون!
شوق الدرويش
نبذة عن الرواية
" رواية شوق الدرويش للكاتب السوداني المقيم بالقاهرة حمور زيادة، عمل كبير ومهم وستكون علامة بارزة في تاريخ الأدب السوداني" -الروائية المصرية سلوى بكر " هي رواية ممتعة ومشوقة، يستمتع بها من يقرأها، وسيعود لها مرة أخرى، وليس غريبا إن احتلت مقدمة الروايات المرشحة لجائزة البوكر العربية. هي رواية دسمة من حيث الأحداث والشخوص والوقائع، مكتوبة بلغة شعرية رائقة، وباستخدام تكنيك متقدم. لدينا رواية سودانية كاملة الدسم تستحق أن تنافس بجدارة، دون مجاملة أو طبطبة، على موقع متقدم في مسيرة الرواية العربية، ولنا أن نفخر باسم روائي كبير يحفر لنفسه مكانا متقدما، وبجدارة.، اسمه حمور زيادة " - الكاتب السوداني فيصل محمد صالح ناداني الله يا فاطمة. أما ترين ما أصاب الدين من بلاء ؟ تغير الزمان. ملئت الأرض جوراً. التُرك، الكفار، بدّلوا دين الله. أذّلوا العباد. ألا أستجيب لداعي الله ورسوله إذا دعاني لما يحييني ؟ سنجاهد في سبيل الله. في شان الله. نغزو الخرطوم. نفتح مكة. نحكم مصر. ننشر نور الله في الأرض بعد إظلامها. وعدُ اللهِ سيدنا المهدي عليه السلام. وما كان الله مخلفاً وعده مهديه يا فاطمة. واجبة علينا الهجرة. واجب علينا نُصرة الله. عجلت إليك ربي لترضى. عجلت إليك ربي لترضى. عجلت إليك .. وتركت فاطمة ورائي.التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2014
- 632 صفحة
- [ردمك 13] 9789774902840
- دار العين للنشر
تحميل وقراءة الرواية على تطبيق أبجد
تحميل الكتاباقتباسات من رواية شوق الدرويش
مشاركة من إبراهيم عادل
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
Aliaa Mohamed
لم ترهقنى رواية ف قراءتها مثلما ارهقتنى رواية شوق الدرويش ، ليس لكثرة عدد صفحاتها بل بالعكس تمنيت ان تمتد إلى ما لا نهاية ، ولكن لكثرة أحداثها وتفاصيلها واحزانها وشخصياتها وحيواتهم ، إلى جانب كثرة الاقتباسات الرائعة التى استخلصتها منها لدرجة جعلتنى احتفظ ب 27 اقتباسة وهى سابقة لم تحدث لى من قبل !
لا يمكن اطلاق كلمة راوية ع شوق الدرويش لأن ف هذا ظلم بين لها ، فأقل ما يمكن أن يطلق عليها هى رائعة ادبية فريدة من نوعها تمكن حمور زيادة فيها من تحقيق كل عوامل النجاح بشكل كامل دون أى نقصان .
يتطرق الكاتب هنا إلى فترة من تاريخ السودان لها اهميتها المعروفة وهى ثورة المهدية عام 1844 وما ترتب عليها من احداث وانقلاب للأحوال داخل البلاد ، ولكن لم يكن هذا بأسلوب سياسى بحت ولكن من خلال عرض حياة شخصيات كان لتلك الثورة تأثير كبير فيها .
وبالرغم من كثرة الشخصيات ف شوق الدرويش ولكن لا يمكن اعتبار أن هناك طرف أقوى من الأخر او أن نطلق عليه اسم الشخصية الرئيسية ، فالجميع شخصيات محورية هامة حتى لو قل الحديث عن بعضها داخل الرواية ، بدءا من بخيت منديل وحواء ويونس والحسن الجريفاوى ومارسيليه ويوسف أفندى وإبراهيم الشواك والطاهر جبريل وغيرهم .
أجمل ما ف حمور زيادة هو قدرته ع الانتقال برشاقة لا مثيل لها من حدث لأخر ومن تاريخ لأخر ومن شخصية لأخرى دون الاخلال بالسياق العام أو ارباك القارئ ، بل بالعكس فإنه يعطى للقارئ بعض المقبلات ف البداية حتى يفتح نفسه لما هو قادم !
ف البداية ستشعر عزيزى القارئ بارتباك وبعض التيه ولكن لا تستعجل فبعد مرور 100 صفحة ستجد عالم آخر ف انتظارك ، عالم ستندم ع عدم دخوله ف وقت أبكر من ذلك ، ستجد نفسك مشدوداً بخيط خفى ولا تنتبه إلى عند كلمة النهاية وانسياب الوقت دون أن تدرى !
ف البداية ستجد نفسك ع قدر كبير من عدم الفهم ولكن بمرور الصفحات ستبدأ ملامح كل شئ تضح وترتبط اجزاء الفسيفساء مع بعضها البعض لتكتمل الصورة بعد ذلك .
بالرغم من عدم قراءتى لباقى الأعمال ف قائمة البوكر الطويلة ولكن يمكننى ترشيح هذا العمل وبقوة لنيل تلك الجائزة وإن كنت دائما أرى أن البوكر ليس دليلا ع نجاح الرواية أو بمعنى آخر الجائزة هى من تستحق العمل وهو ما ينطبق ع شوق الدرويش .
ودائما ما أقول أن أصعب ما ف قراءةأى عمل جيد هو لحظة الانتهاء منه والتفكير ف ما سُيقرأ بعد ذلك وهل سيكون ف نفس المستوى أم سيكون ذلك صعب التحقيق
أود أن اشكر صديقى إبراهيم على ترشيحه هذه الرواية لى وبشدة
-
Osama Qaffaf
ألسنا كلنا عبيداً؟
رواية شوق الدرويش لحمور زيادة
بين الشوق و الشوك عبودية عُمْرٍ يتمدد متثائباً بلظى الحنين و الحب ، هكذا يتفاعل حمور زيادة في روايته الثانية ( شوق الدرويش) ، مع عمق تاريخ السودان الضارب في السواد و الصوفية .
و قبل أن نغوص في بحار حمور زيادة التاريخية ، علينا أن نتحدث قليلاً عنه و عن التاريخ المصاحب للرواية ؛ حمور صحافي و مدون و قاص و روائي سوداني من مواليد أم درمان ( عاصمة المهدية و نهاية خلافتها حيث تدور أغلب أحداث الرواية ) تعرض للانتقاد و التحقيق في عام 2009 في السودان فترك البلاد حاطاً رحاله في مدينة القاهرة ، و كان قد صدر له قبل هذه الرواية مجموعتان قصصيتان (سيرة أم درمانية – 2008) و ( النوم عند قدمي جبل – 2014) و رواية ( الكونج-2010 ) . فهو إذن ليس غريباً عن أحداث الرواية مكاناً و لا صلةً ، فالرواية التي عمل عليها منذ 2011 امتصت رحيق القلب و لا بد، و حملت صوت الجدة التي أودعته سر الحكايات القديمة .
و لكن رواية كالتي بين يدي الآن من إصدار (دار العين للنشر) في طبعتها الثالثة لابد أن تستفزك لقراءة تاريخ السودان ، أو إعادة قراءته في ظل أحداث اليوم في العالم العربي . الرواية تقع في 460 صفحة من القطع المتوسط ، الغلاف الأمامي يحمل صورة للأب جوزيف اورفالدر النمساوي و راهبتين و خادمتهم عديلة في أزياء سودانية شعبية و الصورة من كتابه ( عشر سنواتٍ في الأسر في معسكر المهدي ) ، و على الغلاف نفسه تذييل تعرف منه أن الرواية فازت بجائزة نجيب محفوظ للأدب للعام 2014 و أنها مرشحة للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية للعام 2015 ( و رشحت للقائمة القصيرة لاحقاً) . الطباعة رديئة نوعاً ما و هناك صفحاتٌ باهتة ، الأسماء البارزة في الرواية للشخصيات حادت عن موقعها ، هناك أخطاء مطبعية عديدة و فقرٌ بتشكيل النص الصعب المعاني ، كان يجب تداركه مع تكرار الطبعات ، قص أطراف الرواية بالمجمل مهمل حتى أنك تحسبها "نسخةً مضروبة" أو مقلدة . يقدم حمور الرواية بكلمتين ( إلى التي ...) و بجملة لابن عربي ( كل شوقٍ يسكن باللقاء ، لا يعول عليه) ، و الختام أيضاً لابن عربي (شوقٌ بتحصيل الوصال يزول ، و الإشتياق مع الوصال يكون ، إن التخيل للفراق يديمه عند اللقاء . فربة مغبون من قال هون صعبة ، قلنا له ما كل صعبٍ في الوجود يهون هو صفات العشق لا من غيره . و العشق داءٌ في القلوب دفين .)- كما اختار حمور أن يَصُفّ أبيات الشعر بهذه الطريقة . أما الغلاف الخلفي للرواية فهو مقطع من حديث الحسن الجريفاوي لزوجته و حبيبته فاطمة :
"ناداني الله يا فاطمة.
أما ترين ما أصاب الدين من بلاء؟
تغير الزمان. ملئت الارض جوراً. الترك، الكفار ، بدلوا دين الله . أذلوا العباد.
ألا أستجيب لداعي الله و رسوله إذا دعاني لما يحييني ؟
سنجاهد في سبيل الله . في شأن الله.
نغزو الخرطوم . نفتح مكة . نحكم مصر .
ننشر نور الله في الأرض بعد إظلامها .
وعدُ اللهِ سيدنا المهدي عليه السلام . و ما كان الله مخلفاً وعده مهديه يا فاطمة.
واجبة علينا الهجرة. واجب علينا نصرة الله.
عجلت إليك ربي لترضى. عجلت إليك ربي لترضى.
عجلت إليك .. و تركت فاطمة ورائي ."
الإنغماس في سحر السودان ، حالة لا تخلو من التصوف الذي يحيط بكل ما في هذه البلاد البعيدة في عمق أفريقيا ، ولكننا لا بد نتساءل قبل أن نقرأ الرواية عن السودان الحالي ، فإن كان اليونان نسبوا الأحباش إلى حرقة وجوههم ، فقد سمى العرب البلاد باسم أصحاب البشرة السوداء ، فبلاد السودان ( مقابل البيضان . كما في كتاب الجاحظ فخر السودان على البيضان) ، هذه البلاد التي تحيطها بلاد عميقة التاريخ كالحبشة و مصر و اليمن أصبحت بعد انتصار محمد علي على مملكة الفونج الزرقاء في عام 1821 تابعة لبلاد مصر رسمياً و بدأت ملامحها تتشكل في حدودها الحالية .
حكم محمد علي و خلفه (لاحقاً مع الإنجليز) و نيابة عن الترك شعوب السودان باسم الدين الإسلامي ، و اضطهدوا أهل البلاد و كلفوهم ما لا يستطيعون ، في عصر غلب عليه تحرر العبيد و الشعوب . ففي مصر يطالب عرابي باسم الشعب ( وباسم الشعب حدثت مذبحة الإسكندرية 1882 التي قتل فيها 50 أجنبياً على أثر مشاجرة بين أجنبي و مصري - لتبرر الإحتلال الإنجليزي )، و في أوروبا يطالب القوميون و الاشتراكيون باسم الشعب . أما حركات الإصلاح الديني فمحمد عبده و الأفغاني في مصر أيضاً ، و مملكة صوكوتو الإسلامية غرب السودان ، و السنوسي في الجزائر و ليبيا ، و عبر البحر الوهابيون في شبه الجزيرة العربية ، كلٌ يطالب بإصلاح الدين على طريقته . كل هذا يتزامن مع التغيرات في السودان ، إذن كان للسودانيين الذين تطلعوا للحرية و إصلاح الدين أمل كبير في محمد أحمد المهدي (1843-1885) ابن جلدتهم ، أملٌ كبير مشوب بالإيمان ، إيمانهم بأن الدنيا ستخضع يوماً للعدل و أن الظلم سيموت ، و يدفنه المهدي في أرض غير هذه الأرض، و كان ما أرادوا ، و نجح المهدي في فتح الخرطوم 1885 منتصراً على هيكس و غوردون الإنجليزيين ، و نقل العاصمة إلى أم درمان ليخرج من دنس القديم إلى طهر الجديد . و توفي في نفس العام و دفن في أم درمان- و له مقام هناك - ليخلفه عبد الله التعايشي ود تورشين ، و في عهده تقع أغلب أحداث الرواية .
حكم التعايشي البلاد و كان سجن الساير و العبودية و الأسرى الأجانب و السبي و الحروب التي لا تتوقف ، مظاهر على دولة لا دولة فيها فعمت المجاعة ( مجاعة سنة ستة 1306هجرية 1888ميلادية ) و استمرت هذه الخلافة من 1885 إلى 1899، فيها حاول التعايشي أن يحتل الحبشة فنجح في قتل امبراطورها يوحنا الرابع و توقف فقد تقدم الإيطاليون إلى الحبشة ، و خسر في معركة توشكي مع مصر و قتل قائده عبد الرحمن النجومي 1889، و بعث برسائل للملوك يدعوهم إلى الإيمان بالمهدية أهمها رسالة بعثها لملكة انجلترا ، يدعون أنه قال فيها أنه سيزوجها لقائده يونس ود الدكيم ، و حصل في عهده قبل دخول الإنجليز مذابح للعصاة أشهرها ( كتلة الجعليين ) التي حصلت في المتمة عام 1897على يد محمود ود أحمد . و انتهى حكم المهدية عام 1899 بانتصار الانجليز في معركة كرري (أو أم درمان) التي عرف السودانيون فيها أن الحربة و الفرس و الشجاعة لا تضاهي مدفع المكسيم الإنجليزي ( كما ذكر ذلك ونستون تشيرتشل في كتابه حرب النهر ) و قتل الخليفة في معركة ام دبيكرات . لتنتهي الحقبة المهدية و يبدأ الحكم الثنائي الإنجليزي المصري حتى الإستقلال عام 1956 و التقسيم الأخير إلى السودان و جنوب السودان 2011 .
و الأحداث التاريخية التي ذكرتها أشار إليها تقريباً جميعها في الرواية ، فكان لا بد من ذكرها بتسلسلها الزمني ، لأن الروائي اعتمد تقنيتي الفلاش باك ، و التشظي الزمني ، و أضاف للنص الروائي تناصاً من خطابات المهدي الحقيقية ، و أبياتاً من الشعر ، و آياتٍ من القرآن الكريم ، و الكتاب المقدس ، و الشعر الشعبي ، عدا عن خطابات ثيودورا ( حواء) ، و الحوار الداخلي الذي أجراه البطلان الرئيسي بخيت منديل ، و المساعد حسن الجريفاوي ، حتى يكاد النص يتفلت من بين يديك و أنت تقرأ مشحوناً بالمشاعر، و خيط ذاكرتك يذوب ، لتلاحق الأسماء و الأحداث بين الواقع التاريخي و المخيال .
الرواية تتمحور حول قصة حبٍ بين بخيت ود منديل ؛ و هو عبد أسود حالم بالحرية من جبال غرب السودان، سُرِق و بيع في سوق النخاسة ليتناوب على اقتنائه اوروبي و تركي ، و ينتهي به الحال حراً ليحارب في جيش المهدي ، و يؤسر و يباع عبداً بعد معركة توشكي فيتركه سيده بعد فترة حراً طليقاً ، فيرجع حراً إلى أم درمان عاصمة الخلافة ، و هناك يقع في حب جارية بيضاء من سبايا المهدية من الحملة التبشيرية اليونانية ، اسمها ثيودورا أو حواء كما سماها مالكها لاحقاً ، و تقتل ثيودورا خلال محاولتها الهروب من السودان ، و يقوم بخيت بحملة طويلة خلال الرحلة بعد 7 سنوات من السجن في الساير، باللاقتصاص من الأشخاص الستة الذين تسببوا في قتلها ، فيصطدم قدره بالحسن الجريفاوي الصوفي ، الذي ترك حبه و زوجته فاطمة ليلتحق بجيش المهدي ، و ينتهي به الأمر في خدمة التاجر الإنتهازي إبراهيم ود الشواك . و ابراهيم أحد المتسببين في مقتل ثيودورا ، و يقتله بخيت ثأراً لها لكن الحسن يلحق به ، و يسمع قصته التي يقف مصيرها عند نهاية مفتوحة قبل الخرطوم بقليل فلا قائمة بخيت انتهت ( فقد بقي يونس ود جابر الذي خدع ثيودورا ) و لا الحسن عاد لفاطمة ؛ التي يبقى مصيرها مجهولاً بعد أن قتل المهدية أباها الذي لم يقبل الإيمان بالخليفة ، إن الوقوف عند الخرطوم مفتوح فلم يسلمه الحسن للقتل و لا هو تركه و لكن بخيت منديل العاشق يريد لقاء محبوبته ثيودورا .
لم أقرا رواية عربية بهذه الجودة و التعقيد التقني منذ فترة ، و لا بهذه اللغة الشعرية الجميلة ، هناك انتقاء لجمل كل شخصية تناسب عصرها و مقامها و تعليمها ، حتى الحب لم يكن حباً . فلم تكن الفتاة البيضاء المسيحية ، على قناعة تامة بأن عبداً أسود يعرف الحب ، أو يستحق أن تحبه ، فهي طوال فترة وجودها في السودان كانت تراها بلاد الهمج السود ، فكيف يعرفون الحب ؟!
إن مستويات الوعي بالشخوص في الرواية عالٍ، فكل شخصيةٍ تبحث في ثورتها على شيءٍ ما ينقصها ، لكن الشخصيات كلاسيكية في مساندة الرواية التاريخية ، فهناك الإنتهازي و المخاتل و المقاتل و المحب و الصوفي و المجرم و الديكتاتور الأوحد ، لكن أليست اللوحة السودانية انعكاساً لوعينا العربي ؟ ألم نكن نحلم بالحرية دوماً ؟ أن نكون نحن تحت قيادة الدين الذي سيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً و ظلماً ؟ لكن العدل ، ما هو العدل ؟ إن لم يكن الإنسان عدلاً كيف تكون حراً و أنت عبد في كل خطوة .
عبد للعشق و المعشوق ، عبد للرغبات ، عبد للسلطة ، و هل من قوة تحررنا إلا إخلاص العبودية للخالق ؟ و لكن العبودية تمر من خلال المهدي و الخليفة الذي طاعته واجبة بلا نقاش ، الذي لم ينقصه الإيمان ، لم تهزمه شجاعة الإنجليز ، بل هزمته مدافعهم .
"- ما من شيءٍ أحب إليّ من الشهادة
- اصبر يا ولدي فلعلك تمشي تحت راية الله ثم تحدث أمراً
- ما كنت لأحدث أمراً فيه غضب ربي
- احذر الإيمان يا ولدي فمنه ما يهلك كالكفر "
أمواج الذنوب تثقل الحسن الجريفاوي ، تزرع في قلبه الشك تحمل إليه ريح الذنب كلما تذكر الجوعى و القتلى ، لم يعد لمحبوبته فاطمة ، لم يعرف أحية أم ميتة . أصبح هائماً في عالم المادة ، ذاب في السلطة ، و ابتعد عن نقاء التصوف و لم يعد إليه .
أشفق على بخيت الذي أضناه الشوق ، لم يجد في الحرية و لا في الانتقام حرية أخرى من العشق ، لم يحسنا العبودية .
"قال بخيت:
-يا حاج انا لا أطلب إلا الراحة
قال له الحاج تاج الدين المغربي ( الذي يظن أنه نبي الله عيسى )
- يا شر دواب الأرض أنت في راحة
- أنا أسير أغلالي يا حاج!!
- من يخبر الأحمق أن العبد لا يبلغ الراحة حتى يحقق العبودية ؟ "
أين الحرية و كلنا عبيد لم نحسن العبودية ، على طول الرواية نركض وراء الصفحات نستكشف الجوع و الجهل و المرض و الجنس و الخوف ، نحن عبيد التاريخ ، نحن عبيد تاريخنا الذي يتكرر مع كل مهدي ، أصبح خيط الدم جبالاً زكمت أنف السماء ، انقطعت الصلة ، فلا عشق يغسل الذنب و لا وصال يجدد الوجد ، صلة أمة السماء مع السماء انقطعت حتى أصبحت حريتنا بيد الأجنبي نهرب إليه منا .
ألسنا كلنا عبيداً ؟
-
إبراهيم عادل
(لقد عشت حيواتٍ كثيرة يا حوّاء، أكثر مما أتحمله، ربما ما عشت طويلاً، لكني عشت كثيرًا، وما وجدت حياةً أحلى من التي كانت أنتِ .. فقط لو كنتِ أحببتني! لكني لا ألومكِ .. لقد تعلمت في حياةٍ عشتها أن الحب كالقدر، لا تملك من أمره شيئًا ..
أنا آتٍ يا حوَّاء .. آتٍ .. أخيرًا
ربما عرفت الآن ما كنت لا أعرفه، ربما أبرر لنفسي تعبي وتعطشي للنهاية، لكني لا أهتم .. لقد تعبت
هي ساعاتٌ ويعلقوني على مشانقهم، بيني وبين لقياكِ حبل مشنقة.
لا تحزني، فإنما هو لقاءٌ لا فراق بعده.
إنما هو لقاءٌ يسكن بعده الشوق . .)
هكذا يُنهي "الدرويش" رحلته، وهنا أخيرًا يسكن شوقه،..
رحلة طويلة وعجيبة، قادنا فيها "حمَّور" إلى فترةٍ تاريخيةٍ ربما لا نعلم عنها شيئًا في تاريخ السودان "الشقيق"، حيث "ثورة المهدي" (1844 م) الذي يتحدث وأتباعه وكأنه ولي من أولياء الله، يعد الناس بنشر العدل في العالم، وهكذا يقتلون باسم الدين، وباسم الله، ويقتنع به وبأفكاره الكثيرين، ولكن هنا "بخيت منديل" وجه آخر يعيش أحداث هذه الثورة وتمر عليه وتؤثر فيه، وبنتشله الحب من عبوديته ولكن رحلته شاقة ومتعبة يخرج بعد الثورة ليأخذ بثأره ممن ظلموا حبيبته، حتى تنتهي الرواية بموته!
.
رواية ثرية جدًا ومميزة، وعمل يمكن أن يضع كاتبه ببساطة في مصاف كبار الكتاب، لاسيما أنه تناول فترة تاريخية مهمة في تاريخ السودان والتاريخ العربي بشكل عام، وانتقل بسلاسة بين شخصيات الرواية الذين كان أبرزهم "بخيت منديل" ذلك الخادم المسكين ورحتله الصعبة حتى وجدت الراهبة النصرانية التي أحبها "ثيودورا" التي أسموها "حواء" وحكاية مقدمها إلى "السودان" لنشر رسالة الرب هي أيضًا وما تتعرض له من آلام ومصاعب في حياتها بعد ثورة المهدي، ثم شخصية "الحسن الجريفاوي" الذي يبدو وجهًا آخر من وجوه أتباع المهدي ويعكس إلى حدٍ كبير طريقة تفكير الأتباع والمريدين ..
لغة حمَّور منحوتة بعناية، استطاع من خلالها أن يعبِّر عن شخصياته بدقة، فهو يفرق في اللغة بين حديث الراهبة مثلاً وكلام العبد، وبين لغة "المهدي" سواء من خلال خطاباته التي تأتي عرضًا في الرواية، أو من خلال أتباعه ومريديه،
يشعر القارئ مع نهاية أسطر هذه الرواية أنه بحاجة لأن يستعيدها مرة أخرى رغم ما في الرحلة من مشاقٍ وآلام!
شكرًا حمور زيادة
-
Hind Haitham
(قد تحتوي هذه المراجعة على ما يُحرِق بعض أحداث الرواية)
من الصعب التغلب على الشعور بأن "شوق الدرويش" Booker bait (طُعم للبوكر) أثناء قراءتها، إذ أنها "مُفصّلةٌ" على مقاس البوكر العربية، ففيها الوصفات الجاهزة لما ترغب فيه البوكر، إذ تتناول حقبة عنيفة من التاريخ العربي ("عزازيل"، "فرانكشتاين في بغداد")، وتحفل بمشاهد العنف التفصيلية التي لا تُعبر عن شيء يتعدى فعل العُنف في حد ذاته ("عزازيل"، "ترمي بشررٍ"، "فرانكشتاين في بغداد")، وتحتوي على كمٍ هائل من العُنف التفصيلي ضد النساء مثل هذه الروايات السابقة، وليس فيها أي حِسٍ بالحقوق الأساسية لكافة بني البشر مثل سابقاتها.
الرواية طُعم للبوكر منذ الغلاف. في نهاية الرواية، يضع المؤلف ملاحظة عن الغلاف الذي يُظهِر مُبشرًا نمساوي - الأب جوزيف أوهرفالدر، وهو بمثابة ضيف شرف في الرواية - وراهبتين كانتا تعملان معه وخادمتهم، لكن المؤلف لا يذكر لماذا اختار هذه الصورة بالذات للغلاف. هل هي الصورة الوحيدة "الحقيقية" الناجية من تلك الحقبة؟ هل كان هذا الغلاف لأن ثيودورا - موضوع اهتمام البطل، بخيت منديل - راهبة؟ في الغلاف، يظهر راهبٌ أوروبي مرتديًا ملابس إفريقية، وهو يقف بشموخ. تجلس في مكانة أدنى منه راهبتان أوروبيتان مُغطاتان بالكامل، ثم في القاع تجلس سيدة سودانية. الصورة تظهر شيئين رئيسيين: براعة المبشرين الأوروبيين في عمل استعراضٍ فني، وتراتبية العالم وفقًا للنظرة الأوروبية للعالم (التي تشترك مع النظرة البطرياركية في كل مكان، وتضيف عليها بعدًا عنصريًا)، فالأب - البطريارك/الرجل الأبيض - يقف بشموخ على رأس التراتبية، وأدنى منه الراهبتان البيضاوان، وأدنى منهن جميعًا المرأة السوداء، في القاع، مباشرة. لا يوجد رجلٌ أسود في الصورة، لكن، يُمكِن القول إنّ السيدة السوداء ستبقى في قاع السلم، والرجل الأسود أعلى منها قليلًا. كذلك، فإن الصورة تُظهر ارتداء ملابس أهل البلاد الأصليين من دون الاهتمام بثقافتهم أو الرغبة في الانتماء إليها. إنّه cultural appropriation (انتحال ثقافي) ما يزال يُمارس إلى اليوم، حيث يجري استخدام عناصر من ثقافة معينة على سبيل الملبس الرائج أو قصة الشعر الرائجة، وأحيانًا لإدعاء الاقتراب من أصحاب هذه الثقافة، من دون تحمل أيٍ من تبعات هذه الثقافة. فمن يرتدون ملابس السود ويضفرون شعورهم بنفس الطريقة ويتحدثون بالخطاب الأسود يستطيعون أن يخلعوا عنهم هذه الثقافة بمجرد خلع ملابسهم أو تغيير قصاتِ شعورهم، وبذلك يتاح لهم الاستفادة من أي مميزات ثقافية لدى السود من دون المُعاناة من عبء (الزنوجة). هذا ما في صورة الأب أوهرفالدر، وهو يُلخِص بُنية الرواية وفكرتها، إذ أن الرواية تبدو وكأنها مكتوبة من وجهة نظرٍ غربية بيضاء، رواية استشراقية.
الرواية مليئة بتعذيب النساء، منذ الخادمة السوداء التي تتعرض للتعذيب في مشهدٍ تفصيلي مقزز، إلى الراهبة ثيودورا التي تتعرض لعملية ختان يُسميها الكاتب "العملية" - من دون أي مبرر إلا كون هذه قصة عن السودان في زمن ثورة المهدي لذلك يصعب تفويت فرصة تقديم مشهد FGM صادم للخواجات ومتوقع في الوقت عينه ويحقق غرض تعذيب النساء بشكلٍ تفصيلي. ثمة نساء أُخَر يتعرضن للأذى، إلا أن المرأة الوحيدة التي يحبها أحد هي ثيودورا البيضاء، وهي المرأة الوحيدة التي يُنتَقَم لها في الرواية. بخيت منديل، بطل الرواية، هو عبد. يبدأ الرواية عبدًا، ويُنهيها عبدًا لامرأة بيضاء، ينتقم لامرأة بيضاء، فيما النساء السودوات اللائي يتعرضن للقتل والتعذيب والإيذاء مُجرد ديكور في الخلفية، أشياء توضع في الخلفية لتُري القُراء كم هي وحشية تلك الفترة، ثم تُطرَح جانبًا ولا يكترث بها أحد. تعذيب النساء في الخلفية موتيفة شائعة في الأدب والسينما والتلفاز وألعاب الفيديو، وهي ليست "واقعية" بقدر ما هي الصورة التي يتوقعها المتلقي. المتلقي لا يحب أن تفلت النساء من العذاب، ويريد إظهار الحب عن طريق بطولة المنتقم لهاته النسوة، لكن الانتقام يتحقق دومًا للنسوة البيضاوات، لا للنسوة السوداوات.
لا شيء جديد في "شوق الدرويش". الرواية تقول كل ما تقوله رواية أخرى في موضوع مشابه، وفيها كل الثيمات التقليدية لروايات الدروشة والروايات التي تدور في خلفيات تاريخية مشابهة. في كل فصلٍ من الرواية ملمح يعود إلى رواية سابقة. كل شيء تقوله قد قيل، أو شوهد من قبل. كل حركة فيها متوقعة، حتى السيدة التي تأكل رضيعها، وهي إضافة مجانية للرواية، لأن القارئ ذا المزاج الاستشراقي يرغب في لمسات الواقعية السحرية الشنيعة على خلفية الحرب والمجاعة. فهكذا يحصل الأخ بخيت منديل على صديقٍ عجائبي له أخت تنجب من الجن وابنة أخت - أبوها جني، أو هكذا يشيع بين الناس - تستطيع أن تأتي لبخيت بخبر الرجال الذين يبحث عنهم لينتقم منهم على طريقة "الكونت دي مونت كريستو" في عز الفوضى، وهم مشتتون في أماكن مختلفة. القارئ ذو المزاج الاستشراقي يحب كذلك أن يكون هناك أوروبي يدور في الشوارع البربرية بحثًا عن عبيدٍ سود لأجل أغراض خبيثة، ويحب أن يكون هناك تركي خبيث لديه ابنة نجحت في أن تجسد أسوأ صورة نمطية stereotype قدمته هذه الرواية المليئة بالصور النمطية المكرورة (بدءًا من العنوان، فبماذا يُمكِن أن تُسمى رواية عن شخصٍ يعشق عشقًا صوفيًا؟)
لا توجد شخصية أصيلة في الرواية، ولا حتى بخيت منديل أو ثيودورا، غير أن ثيودورا/حواء شخصية غير منطقية، بالإضافة إلى كونها غير أصيلة. فالمفترض أنها شابة جميلة يرسلها أبواها إلى الدير خوفًا على شرفها. ثيودورا وُلِدت في الإسكندرية، وأبواها يونانيان أرثوذكسيان ميسوران ولها أخوان. أسرة أرثوذكسية من يونان الإسكندرية لن ترسل ابنتها الوحيدة إلى الدير، بل على الأغلب أنها ستزوجها لتسترها وتكسب صهرًا يُفيد الأسرة بماله أو جهده في تنمية مال الأسرة أو علاقاته. وإذا أرسلت هذه الأسرة فتاتها إلى الدير، فلماذا ترسلها إلى بلادٍ أخرى يعلم الله ما سيحدث فيها؟ حتى لو كانت في صحبةٍ كنسية. صويحبات ثيودورا قد يكُن أنسب منها لهذا الدور، أو رُبما شخصية أخرى اسمها ثيودورا لديها أسبابٌ أكثر منطقية لدخول الدير، ولديها صفات مميزة غير أنها جذابة - لا يوجد وصفٌ لحالة ثيودورا العقلية والنفسية، حتى على لسانها، إلا لمامًا. ووصفها في الرواية وصفٌ جسدي لبشرتها وشعرها وشفتيها وعينيها. ثيودورا كذلك عنصرية، ولعلّه قد أُريد بعُنصريتها إضفاء بعد من (الواقعية) على الرواية، حيث أنها تعكس وجهة النظر البيضاء في السود، والعنصرية الشائعة في زمانها من دون مداراة. غير أنّ عنصرية ثيودورا، آخر الأمر، جوفاء، فهل كانت تؤمن بأن لدى السود أرواحًا؟ وهل تؤمن بأن هذه الأرواح يمكن هدايتها؟ عنصرية ثيودورا لم تنجم عمّا لاقته بعد أسرها، بل سبقته بزمنٍ طويل، وقد يكون هذا لأنّه أُريد لثيودورا أن تكون صورة من صور الحضارة الغربية، أو لإضفاء (بعدٍ نفسي) على شخصيتها، وفي الحالتين، فإن هذا لا يجعل ثيودورا شيئًا أكثر من شخصية مُسطحة.
لم يبدر من ثيودورا طوال الرواية ما يدل على أنها راهبة حقيقية تؤمن بالرب - إيمانًا يتجاوز تعصب الشخص العادي لدينه الذي وُلِد عليه. كذلك، فإن الرواية لم تذكر شيئًا عن أفكارها هي عن الرب. هل أحبت الرهبنة؟ هل رأت في إدخال والديها لها الدير نوعًا من الإبعاد القسري عنهما؟ هل رأت في رحلتها إلى السودان منفى؟ أفكار ثيودورا مجهولة، فرسائلها لا تتعدى تسجيل الانطباعات السطحية عمّا حولها، مرددة كل ما يناسب مزاج المستشرق. ومن حولها يُغرينها بكتابة كتابٍ من رسائلها. ثيودورا تشهد تعذيب امرأة بسبب شكواها من فقد صليب فضي، من دون أن تشعر بتأنيب الضمير. في الواقع، كُل البعثة الكنسية - وعلى رأسها الأسقف - تتصرف تصرفًا خبيثًا في تلك الحادثة، فالأسقف يرفض بشدة أن يُقر بأنّه منح كتاب الصلوات للفتاة آنجيلا وباركها، مع أن استيلاء الفتاة على كتاب الصلوات قد يُشير إلى احتمال "هدايتها"، والأب يقول إن هذا العذاب أهون مما يفعله المسلمون، فهم يقطعون يد اللص. هذه الملاحظة عجيبة، فالقانون تركي، والمطبقون إنكليز. أي أن المسؤولية عن الجريمة تقع على عواتق مسلمة ومسيحية، وهي بشعة بما يخالف تعاليم الدينين. وفي كُل الأحوال، فإن من شأن رُهبان مؤمنين أن يعترضوا على عقوبات وحشية يجري تطبيقها داخل ملكيتهم.
لم يكن ضروريًا أن تكون ثيودورا راهبة، ولم يكن ضروريًا أن تكون مصرية يونانية. كان بإمكانها أن تكون ابنة لأسرة يونانية تعمل وتقيم في الخرطوم، وتكون مسيحية - من أجل حوار الحضارات - من دون أن يتغير شيء، بل إن الرواية كانت ستصير أكثر رشاقة، وحبكتها أقل تهافتًا. لكن ذلك كان يعني المجازفة بوصف الرحلة من الإسكندرية إلى الخرطوم، بكل ما فيها من وصفٍ يُثير شهية المستشرقين. في الرحلة أشياء غير منطقية، فهم يعبرون الصحراء، ويمرون من أماكن حولها أساطير مخيفة، ويذبحون الغزلان للعشاء (ثيودورا تهتم بمصير الغزلان أكثر من اهتمامها بمصير البشر، فهي فتاة رقيقة الحاشية)، ومع ذلك تتذمر رفيقة ثيودورا من عدم حدوث أي شيء مُثير في الرحلة! كذلك، فإنهم لا يأخذون طريق النيل لأن واحدة من الراهبات الكاثوليكيات (اللائي تصفهن الرواية بأنهن "شمطاوات"، فلا يمكن أن توجد راهبات كاثوليكيات عجائز من دون أن يكن شمطاوات، وإلا فقدت الرواية إصرارها الباعث على الإعجاب على مفارقة الأصالة) تخشى ركوب المركب. مع أنهم جاءوا من الإسكندرية على قارب، في الأصل!
وإن كانت هذه هِنّة في الحبكة، فإن هناك حادثة أخرى لا منطقية تتغلب على كُل ما عداها من غياب المنطق في الرواية، فالراهبة الكاثوليكية الشابة هورتينيسيا (وهي متعجرفة وليست شمطاء) تدبر لنفسها مهربًا من أم درمان مع جماعة من الأوروبيين، وتخبر ثيودورا بذلك، لكن ثيودورا لا تهرب معها، ولا تعرض عليها هورتينيسيا ذلك (ثمة الكثير من الإحسان في الرواية). لماذا؟ ثيودورا كانت تكره أم درمان، وقد تعرضت فيها لجرائم بشعة، وكانت خادمة، كما أنها لم تكن تحب بخيت منديل. لقد كانت تعامله كـ"نموذج". تأخير هروب ثيودورا جاء عن عمد، لأن هروبها هو الحدث المركزي في الرواية، لكن هذا التعمد لم يكن مُقنعًا. لماذا كان ينبغي أن يُذكَر هروب هورتينسيا من الأساس؟ فلم يُضِف شيئًا إلى الرواية، بل إنّه أوقعها في بلبلةٍ وتناقض.
ثيودورا لغز، فليس ليونانيتها أي دورٍ في السرد، لكن كونها يونانية ليس مُصادفة، بل أمرًا مُتعمدًا أُصِر عليه. لم يكن مطلوبًا من البطلة إلا مجموعة مواصفات محددة يُمكِن أن تتواجد في أي امرأة أخرى، بل يُمكِن أن تكون هورتينسيا نفسها: أن تكون بيضاء، جميلة، شابة، عنصرية، وتكتب باستمرار. لكن يونانية ثيودورا، والتعذيب البدني البشع الذي تعرضت له، وقتلها في النهاية، وقدومها من الإسكندرية كُلها عوامل تجعل من ثيودورا صورة نمطية من archetype (شخصية أصلية) هيباتيا. ثيودورا بتول كذلك، مما يُكمِل الصورة المكرورة.
بخيت منديل لا يكاد يعرف شيئًا عن ثيودورا، ولا يبدو انجذابه لها أكثر من مزيج من الانبهار ببياضها - رغم أن الرواية تحرص على تأكيد تقززه من اللون الأبيض، مما يُخالف المشهد الذي يراها فيه فينبهر فيها، وتحاول الرواية تبرير ذلك بالقدر - والاستعداد للحب بعد أن أعطاه آسِرِهُ المصري دروسًا في كيفية التحول إلى مُتلصص مُترَصِد (stalker) معدوم النخوة. ثيودورا لا تحب بخيت منديل، بل تعتبره مجرد "نموذج" مُختلف. مسألة النموذج قد تُمثِل ما يُمكِن تسميته عُقدة مُصطفى سعيد. الأسود "النموذج" المُختلف عن أقرانه السود، العبقري في حالة مصطفى سعيد، والقادر على الحب في حالة بخيت منديل، مع أن بخيت منديل مليء بالشكوك، وهو عاشق قليل الفطنة، فهو يحفر قبرًا لحبيبته ولا يفطن لذلك إلا بعد حين! ثم يخرج في الشوارع ثملًا يصيح بأنهم قد خدعوه! لا شيء في بخيت منديل مُقنع، لا قصة حُبه المفترضة ولا قصة انتقامه الناقص - حيث أنّه يظن أن ثيودورا تحب يونس ود حامد، ولذلك فإنّه يُفلِت منه آخر الأمر، ويقلب الأمر إلى تأملات ساذجة عن "عصفور الدوري الأول". (مع أن فتى ثيودورا الأول هو الفتى اليوناني الذي لم تنسَه.) بخيت منديل ليس عاشقًا، بل شخصًا مسكينًا مُضللًا، لم يعرف ثيودورا، ولم يعرف إلا خيالًا صنعه وأحبه. كانت تلك الفكرة لتصنع رواية جيدة، لكن "شوق الدرويش" مُصرة على تقديم كونت دي مونت كريستو عديم التبصر.
تبقى شخصية الحسن الجريفاوي: الحسن كان شابًا هادئًا وقفت حمامة على كتفه لتمنعه من إيذاء زميل له في المدرسة، ثم اصطفاه شيخه وعلمه وأحسن إليه وزوجه ابنته. كان الحسن يعمل أجيرًا، وكانت حياته تمضي بسلام، باستثناء شكواه من الظلم الذي كان يشتكي منه الآخرون. ثم حدثت مجموعة أحداث (عجائبية) أكدت له ولشيخه ظهور المهدي، فلحق بالمهدي بعد أن طلق زوجته فاطمة لئلا تشغله عن الجهاد. الحسن الجريفاوي يختلف عن الشخصيات الأخرى التي التحقت بالجهادية أو بجردة النجومي من حيث كونه (المفكر)، وهو القدر الذي يُلاحق بخيت منديل فيدركه ويمنع عنه الوصول إلى يونس ود حامد. تصرفات حسن يخرج من دياره ويرى الكثير من المظالم والفواحش، ويقاتِل في جيوش المهدي، ويرى أنّه على حق. لا بأس بشخصية الحسن، حتى تُقرر الرواية أن تبتكر له عقدة ذنب، فتصف بالتفصيل كيف قتل فتاة صغيرة ترتدي فستان كستور أزرق! قتل الطفلة - الذي يدخل في باب تعذيب النساء وقتلهن في الخلفية - أمرٌ لا يتسق مع شخصية الحسن الذي وقفت حمامة على كتفه ومنعته من قتل زميله، فوصف الفعل يُظهِر قصدية منه، لقد قصد أن يقتل الطفلة بتلك الطريقة البشعة، وهذا الفعل لا يتسق مع شخصيته، ولا يتسق مع الفعل ما أعقب ذلك من تحولٍ في شخصية الحسن، من وجود (سر) أو (لغز) يُحيط بشخصيته. الأمر لا معنى له، إلا إيجاد دوافع نفسية واهية باستخدام شخصية الطفل القتيل التي قتلتها الأفلام الأمريكية.
من الشخصيات العجيبة التي تحفل بها الرواية شخصية فضل العزيز، خادمة البعثة اليونانية. فضل العزيز تخدم بعثة مسيحية رغم إيمانها بأنهم كُفار، ويُفترض أنها تُحب ثيودورا لكنها تُصِر على أن ثيودورا كافرة، وسيأتي المهدي ويقتلها ويقتل البعثة جميعًا ثم يدخلون النار لأنهم كُفار! فضل العزيز شخصية ملتاثة العقل، وهي جزء من ديكور الخلفية الذي يُفترض أن يُمثِل البُسطاء من أتباع المهدي، وفي مُفارقة قتلتها الأفلام الأمريكية كذلك، فإن فضل العزيز تُقتَل عندما تخرج للترحيب بقوات المهدي.
الرواية ليست عن ثورة المهدي، بل عن مجموعة أحداثٍ صدف وأنها عاصرت ثورة المهدي وما أعقبها. ثورة المهدي نفسها ديكور في الخلفية، ليس إلا. وتركيبة الرواية أملت سردها غير المُرتَب زمنيًا، لأنّه كان من شأن سردٍ خطّي أن يُظهِر مشاكل الحبكة بشكلٍ أكبر بكثير، وكذا تهافت الشخصيات. مع ذلك، فإن قراءة الرواية سهلة، والإمساك بخيوطها يسير، مما يدلُ على تمكن الكاتب من التقنية التي استخدمها. مشكلة الرواية تبقى انعدام الأصالة، الاقتباسات من القرآن والإنجيل متوقعة واستخدامها بهذا الشكل لا جديد فيه، والنهاية باقتباسٍ من ابن عربي كان أمرًا غير موفق. الرواية تحاول أن تقول أشياء عميقة، لكن هذا غير مُمكِن مع شخصياتٍ مُسطحة وحبكةٍ غير مُحكمة وغيابٍ للأصالة.
-
Amira Mahmoud
يالله، ما هذا الجمال الذي كنت اقرأه؟
اللغة ثم اللغة ثم اللغة ثم اللغة مرة أخرى
هناك أقلام تستطيع أن تجعلك مشدوهًا من غزارة الأحداث وتلاحقها،من براعة الأفكار وجنونها
لكن يوجد أقل من القليل من هذه الأقلام التي تستطيع أن تأسرك بجمال لغتها وعذوبة مفرادتها
تلك الرواية بها من عذوبة اللغة ما يجعلك تقف في كلّ صفحة أمام اقتباس ما،حتى أنك إذا أردت أن تقتبس منها ستجد نفسك مضطرًا لأن تقتبسها بأكملها!
رواية من تاريخ السودان في القرن التاسع عشر، عن الثورة المهدية التي ادعى فيها أحدهم أنه المهدي المنتظر الذي جاء ليملأ الدنيا عدلاً وسلامًا بعد أن ملآهـا الكفار_كما يقولون_ ظلمًا وجورًا ودماءً
فكانت النتيجة مزيد من الظلم،مزيد من التشرد،مزيد من الضحايا،والكثير والكثير من الدماء
"احذر الإيمان يا ولدي فمنه ما يهلك كالكفر"
كم من الظلم ارتُكب باسم الإيمان، كم من الدماء أُريقت تحت راية الإيمان
كم أم بكت ابن، كم زوجة ترملت، كم أطفال يُتموا
كم حبيبة انتظرت إلى آخر الدهر عودة من لم يُكتب له رجوع يومًا
كل ذلك باسم الإيمان، بذريعة التقرب إلى الله
كل ذلك نتيجة الجهل والخرافات،والإيمان بأيّ كاذب أو مُدعي
هل نلعن أولئك الذين يدعون المهدية والنبوة؟
أم نلعن أولئك الذين يتبعوهم بأعين مغمضة وعقل لا يعقل؟
أم نلعن الجهل والفقر والفساد الذي يجعلهم في أمسّ الحاجة لمعجزات الله على أرضه فما أن يظهر أمامهم من يتسمون فيه خيرًا حتى يجعلونه خليفتهم؟
على من يجب أن نُلقى لعناتنا إذن ؟
مرة أخرى "احذر الإيمان يا ولدي فمنه ما يهلك كالكفر"
وفي وسط كل ذلك الخراب، تنمو قصة حب شبه مستحيلة
عبد أسود وأمة بيضاء
وفي وسط كل تلك الدماء، يُراق دم الحبيبة لتتحول قصة الحب إلى قصة ثأر وانتقام وتُراق المزيد والمزيد من الدماء
رواية ممتعة، تبدأ بداية مبهمة غامضة بعض الشيء
وتبدأ الأحداث تعود للوراء بطريقة أشبه بالفلاش باك
بين زمنين، أو بالأحرى بدون ترتيب زمني واضح
الكاتب يكتب الأحداث وكأنه يتذكرها ويكتبها على الورق، لكن برغم ذلك يظل ترتيب الأحداث منطقي دون خلل وبدون أن يضيع منك خيط الأحداث
اللغة أكثر من رائعة،محاورات فلسفية ربما هي نتاج تلك الحرب وذلك الدمار!
الرواية فازت بجائزة نجيب محفوظ ومرشحة للقائمة الطويلة للبوكر
أعتقد من كل الروايات المرشحة لا روايات تستحق القراءة والالتفات سوى تلك الرواية ورواية انحراف حاد للكاتب أشرف الخمايسي وحتى تلك الأخيرة أعتقد أنها لن تنافس رواية شوق الدرويش
عسى أن تكون شوق الدرويش هي من ستفوز بالبوكر، وأتمنى أن يصدق حدسي
:)))
تمّت
****
-
أروى الجفري
أمسك الكاتب بكل خيوط روايته بإتقان يحركها فتتشابك ثم يفض تشابكها بسلاسة ، يبدأ من الحاضر (حاضر البطل 1898) ثم يسافر إلى الماضي (بداية الثورة المهدية) ويعود ، ينتقل بين الزمنين و يغترف بعض الأحداث من ذاكرة البطل ، طريقة السرد بها الكثير من التشويق ، يبدأ بمعاناة بخيت وشعوره بالظلم ورغبته في الثأر ، ويتطرق أثناء ذلك لمن وضعهم بخيت في قائمته السوداء فتتضح الرؤية للقارئ رويدا رويدا.
القصة ليست قصة حب عذري أو قصة ثأر كما يبدو ، إنما تمَّ تغليفها بذلك ، هي تحكي عن تاريخ قد يجهله كثيرون عن السودان و بالتحديد منذ بداية الثورة المهدية و قبلها بقليل إلى انتهائها ، عن الظلم و سنوات الجوع والقهر و أكثر من ذلك .
شخصية مثيرة للاهتمام هي شخصية ثانوية شخصية حسن الجرفي ، من يتأمل الشخصية يجدها مليئة بالخير لكن تبعيته العمياء للمهدي و إيمانه بوجوب قتل أعدائه (الكفار) كما يطلق عليهم رانت على قلبه حتى طغت شهوة القتل لدرجة أنه وهو راكب حصانه رأى طفلة تمشي بمحاذاته فما كان منه إلا أن غرز سيفه فيها ليرديها قتيلة ، بعد ذلك يتسلل لنفسه الندم ، يجد أنه متذبذب بين إيمانه بالمهدي وبين الثقل الذي يجثم على صدره.
اللغة ممتازة ، والتعبيرات الجميلة تنساب كموسيقى عذبة تُعزف بلحن مناسب للحدث ، فمشت اللغة و طريقة السرد والأحداث بخط متوازٍ مما جعل العمل متكاملاً ، فلم يستعرض الكاتب اللغة على حساب الأحداث أو رسم الشخصيات ، ولم يمضِ في سرد روايته بلغة عادية إنما اهتم بكل الجوانب.
هذه الرواية من ضمن القائمة القصيرة للبوكر العربية لعام 2015 .
-
Nermeen Mohamed
اشتريتها صدفة ..من احد الباعة .. عندما سمعت انها رشحت لجائزة البوكر التى لم اكن اعرفها حتى ....
بدأتها ... رائعة ومحيرة ومؤلمة جدااااا ...أول رواية أقرئها للكاتب ...وايضا اول مرة اقرأ لكاتب سودانى ...
اسلوب االكاتب اكثر من رائع .. واللغة قوية ..والوصف دقيق .والاحداث المعقدة المتراكمة ....وليس هذا فقط بل وكأنه اصطحبنا الى احدى صالات السينما اخذ دور المخرج له ونحن المشاهدين ...ينقلنا من مشهد الى مشهد .ويترك اثرا قبل انتهائه لنتعرف علي تكملته مع استمرار المشاهد ..لم يقف عائق الزمن او منعه بل اهمله واخد يروى ببراعة الاحداث التاريخية والمواقع التى لم تذكر من قبل عن السودان ...في الفترة ادعى شخص يدعى المهدي ان الله ارسله ليهدى العالم ويفتح مكة والخرطوم ومصر
...وانه سيصلح شأن الامه والناس ..وسار ورائه الجهلة و الطامعين فاخد يفسد في الارض ولا يلقي غير الطاعة العمياء .. فحدث الخراب والدمار والموت ...
جذب القارئ باخفاء سبب الانتقام الى اخر االقصة ..... استطاع الانتقال لكل شخصية على حدا ووصف حياتها ..وكأنه اراد ان يمنع كل الاسئلة التى قد تاتي ببالنا عن من هم ومن اين أو وماذا فعلوا ...او بمعني اخر أعطى كل شخصية حقها ... ..
جميع الشخصيات واقعية الى حد البكاء ..تمتزج بالجهل والقذارة و الطمع ... والقتل ..والتنوع ...اكثر من ظلما فيها هما بخيت مندل وثيودورا ...عانا الظلم بكل انواعه ..هى كفتاه وهو كعبد ....
لم استغرب او اذم بخيت على اصراره على الاانتقام ..بعد ان عرفت ما فعلوا بها ..مؤلم جدا إن يدرك إلانسان في الوقت الغير مناسب أنه أحب ..والأكثر ألما هو العناد في الوقت غير المناسب
عادة اكره النهايات المفتوحة ... لكن لم تزعجني نهاية الرواية ...
تستحق الرواية بموضوعها دخول الجائزة لا اعلم افازت ام لا ....ولكن هذه الرواية قد تكون افضل ما قراته حتى الان بعد ساق البامبو وانت لي ....
التعليقي على الالفاظ السيئة و التجاوزات و على الغلاف .... انه يناسب القصة الى حد كبير و خاصة عندما وصف الكاتب ماذا ارتدى بخيت .. رغم ان الكاتب وضح انها مأخوذة من احدى الكتب القديمة .. ولكن الثلاث نساء لنقل انها مريسيلية و ثيودورا من الثالثة !!!!
-
طاهر الزهراني
في "أرض السودان..الحلو والمر" الأرض المعتقة بالحكايات الأصيلة، أهلها "مسامير الأرض" منتشون مثل "الزين" حالمون مثل "الفرفار" متحضرون مثل "مصطفى سعيد" عشاق مثل "بخيت منديل"..
كل مدنها ممزوجة بالوجع والآمال، تكتنف الفرح والحزن، مدن قريبة من الله والناس.
...
الروايات الأصيلة، القصصية العميقة، السرد المكتوب بشغف وفن، من الطيب صالح إلى أمير تاج السر وعبدالعزيز بن بركة، وأخيراً الشاب حمّور زيادة بروايته الأخيرة "شوق الدرويش" عمل يعتبر فاصلة في السرد السوداني.
"شوق الدرويش" الصادرة هذا العام من دار العين المصرية، رواية ملحمية تدور أحداثها في زمن الثورة المهدية بالسودان (1885– 1899م) التي قامت بزعامة محمد أحمد المهدي ردا على مظالم الحكم التركي المصري، لا تقصد الأحداث لكنها ترفع الهامش فيصبح متنا.
في البداية الصدر لابن عربي، والإهداء إلى التي..
ثم مطلع الرواية:
مدينة مهدي الله، بقعة الإيمان دكتها قنابل الكفار!
لست خائفاً من الموت.. أنا خائف ألا أراكِ مرة أخرى..
أنا آتٍ يا حواء.
"بخيت منديل" يحب، يفقد، يسجن، يثأر، يربطنا الكاتب بخيط عبر عوالمه لتزيد الرؤية، وتتضح الصورة أكثر كلما ولجنا في العوالم، ورغم تشظي الزمن، وتدوير الأحداث إلا أنه الكاتب مزجها بفن، وربط بينها بذكاء، وسردها بحس، بشوق درويش، ووجد صوفي، ولوعة محب، حتى المفاجأة يوظفها بشكل مذهل، وفي الوقت الذي نشعر فيها بموت الحدث، يبعثه تارة أخرى وبقناعة تندر أن نجدها في عمل أدبي، إلا في مثل هذه الرواية الباذخة، هذا غير إلمام الكاتب بالأحداث الكبرى التاريخية، والوثائق، والمذكرات، ومزجها بالهامش، مع إحاطة بالتفاصيل الصغيرة.
في هذه الرواية يحضر الرمز، ويهمش، ويأتي البسيط فيعتلي الحدث ويصبح بطلاً، يقربه الكاتب من القارئ، لدرجة رؤية المسام، وشم العرق!
لغة سردية فريدة، سهلة ولذيذة، مطعمة بشعرية خفيفة، وبوجد صوفي يبعث في النفس الانتشاء، رواية متماسكة، لا حشو، ولا ترهل، حوارها موظف وموزون، مطعمه بالمحلية اللذيذة، والشعر العامي، لا تشعر معها بملل، ولا يعتريك ثقل، تطوي الصفحات سريعا، وتلعن العوارض التي تقطعك عن مواصلة القراءة.
رواية في 464 صفحة، تبدو للبعض ربما كبيرة، لكنها تذوب في يدك متحسرا عليها، لندرة الأعمال التي قد تستوقفك، قد يعاني القارئ من كثرة الشخوص، لكن رواية تتحدث عن ما يحدث في هامش البلابل والثورات والتحولات المصيرية طبيعي جداً أن يكون بها هذا العدد من الشخصيات، والذي ربما يبدو مقبولاً أمام روايات مشهورة عرفت بكثرة الشخصيات.
رواية متفردة فناً ومضمونا، علامة فاصلة في السرد السوداني، وفارقة في السرد العربي.
-
أحمد المغازي
الرواية في رأيي متوسطة، لم أحبها وأرى أنها كان من الممكن أن تكون أفضل كثيرا لو لم يلجأ الكاتب لطريقة السرد المفككة متعددة الأزمنة والرواة التي إستخدمها بإفراط ودون مبرر -وبطريقة أقرب إلى الاستعراض- ما أفقد الرواية تماسكها.
بالإضافة لحرصه الغريب على حرق كل الأحداث الفارقة في الرواية مبكرا جدا، ما قضى على أي تشويق فيها.
كما أن الكاتب لم يحاول توضيح الخلفية التاريخية للأحداث الحقيقية التي وقعت الرواية في زمنها، واكتفى فقط بما يتناثر من شذرات على لسان الأبطال هنا وهناك، وهو ما لم يكن مشبعا لي بالمرة.
الشخصيات كذلك لم تكن متماسكة، والكثير من أفعالها غير مبرر أو حتى متسق مع شخصياتهم -قتل حسن الجريفاوي للطفلة ومعاقرة أنصار المهدي للخمر طوال الوقت مثالا- وهو ما أفقدني القدرة على الاندماج أو التعاطف بشكل كبير.
الأسلوب لم يكن سيئا لكنني لم أجده مميزا في نفس الوقت، بالمقارنة بتجاربي السابقة مع الأدب السوداني مع الطيب صالح وأمير تاج السر أرى مستواه أقل كثيرا.
الخلاصة أنني لم أستمتع بقراءتها وأرى أنها أخذت أكثر من حجمها كثيرا.
-
Dr.Hanan Farouk
الله محبة.. الإيمان محبة...دفقة الحياة محبة. الكراهية تقيدك إلى الأرض وتكسوك بالدماء والموت حتى لو لم تقترفهما.. المحبة ترفعك إلى عليين .. وما الحب إلا عين الحرية.. وأجنحتها التي ربما تقيدنا إلى المحبوب لكنها تكسر كل أغلال العالم حتى لو اجتمعت علينا.. من يعرف الله ير... من يعرف الله ير ..من يعرف الله ير.. ومن لايعرفه يسكنه الظلام ويبتلع حريته ويقينه وهو يوهمه أنه يقوده إلى الجنة.. الجنة طيبة لا تقبل إلا طيبا .. إن الأبرار لفي نعيم.. إن الأبرار لفي نعيم.. إن الأبرار لفي نعيم..
ماالذي يمكن أن أقوله أكثر عن الرواية؟... الأعمال الرائعة كالمحبة .. أجمل من أن تحبس في سطور..
-
heba behery
ياربى اخيرا قريت عمل ادبى حقيقى .. اخييرا
ايه الجمال ده !!!! رائعة ادبية
ايه النص ده والاسلوب ده واللغة دى ؟والاحداث دى ؟؟
كانها مكتوبة لنا دلوقتى هو زماننا بكل قبحه وتناقضاته
والمشاعر بكل رقيها وغموضها وجنونها
كانه الزمن يعيد نفسه وكاننا فى عام 1880 او الزمن لم يتحرك اساسا مازال العالم كما هو
حب وكراهية انسانية وعبودية ،ايمان وضلال ،تسامح وتطرف
و ضلال وكفر وقتل ومذابح باسم الايمان !!
قاسية ومتعبة حتى فى قرائتها
يارتنى مابدات اقراها أول حاجة لان صعب اقرا بعدها حاجة تانية على طول او تكون بنفس المستوى ردج
رواية #شوق_الدروايش.... دراويش الدين ،دراويش التطرف ، دروايش السلطة ودروايش الحب
-
محمد الأمين السعداني
رواية جمييلة...لكاتب جميل ....
كالعادة أول تجربةٍ مع الكاتب السوداني حمور زيادة ....
لم أقاوم صوت الرواية و هي تناديني عندما كنت في المكتبة اختار الكتب ...
فلنقرأها...رواية كبيرة الحجم ،تجربة أولى مع هذا الكاتب..فضول كبير يسيرك أحياناً مثل إنساناً أعمى ...
العنوان :شوق الدرويش ،إذاً هو كتابٌ صوفي،أكرة طرائقهم مع ذلك اقرأ كل شيءٍ أكرهه أو أحبه !!!لا تعريف أين تجد السعادة أحياناً !!!
العديد من الشطحات الصوفية ،من الإيحاءت النورانية التي يتميز بها جماعة الصوفيون ...
صفحات عديدة كانت معنونة بأيات من أسفار الانجيل....
هذه التقنية الروائية أصابتني بدوار في بعض صفحات الكتاب ،تعدد الرواة ،تعدد الشخصيات الرئيسية في القصة جعلت منها متعددة منحى الأحداث
فأن ترى الأحداث من وجهة نظر العديد من الشخصيات فهو إحاطة كاملة بالأحداث تجعلك في قمة الإستيعاب للأحداث ...الشيء الذي يجعل القارئ يحس بالضياع والتعب في أول الرواية
لكن بمرور الصفحات يكتمل تركيب الفسيفساء فتصبح الصورة واضحة في ذهن القارئ ،،،الشيء الذي يدل على المهارات الكبيرة لحمور زيادة ،لغةً ،حبكةً ومضمونا.
لا أحب أن اتحدث عن مضمون الرواية،،لكنها رحلة لبلد قلما نسمع به :السودان،حيث تنطلق ثورة المهدي 1844 ،فيتغير المناخ العام وتتغير المنطقة بكل ماتحمله من مفارقات
وهو ما أثر على كل شيءٍ ،جامداً كان أم متحركاً وبالتالي محرك رئيسي للأحداث...جعل كل الحياة تتغير ....
وإذا اجتمعت الحرب مع قصة الحب ،عندئذٍ نتحصل على قصةٍ جيدة في غالب الأحيان ....
على كل ،تمتزج الشخصيات ،بخيت منديل ،حواء،يونس ود جابر،مريسيلة،الحسن ،إبراهيم الشواك، مثل الماريونات فيصبح القارئ أمام لوحة فنية ،دعوني أقل متكاملة ...
غريبٌ أمر جائزة البوكر ،،كيف لا تمنح لمثل هذا العمل ....
**************قراءة طيبة *************
-
Mohamed Sharkawy
إنه الجنون فى أبهى صوره ، عندما تصاب بالجنون فأعلم أنك أصبحت مُبدعا طائرا كفراشة أمسكت الحياة فى يدها وتركت وراءها دهرا بأكمله .. هكذا كان حمور زياده حاله وهو يكتب تلك الرواية الفجة المثيرة المربكة الغريبه .. رواية تطل على النيل تجوب شوارع ام درمان والسودان والثورة المهدية وعرابى والقاهرة ويخيت وثيودورا والدراويش والاتراك والاحتلال وغيرهم وغيرهم بل كثيرين جدا .. السودان فى النصف الاخير من القرن ال19 كيف بدت ؟ بدت مٌهلكة متناقضة مخروبة فوضاوية ملعونه ومنكوبة فجاء من ادعى المهدية للثوره على كل هذا الظلم فزاد من الظلم خرابا وشاع من الخراب حروقا وبدع منهما مجاعات فراحت السودان وضاعت ام درمان ...
شوق الدرويش ! اى شوق واى درويش تتحدث عنه يا حمور ؟
روائح الظلم العفنة طغت على كل شوق وعلى كل حب وعلى نور كنت تزعمه من هذا العنوان
ولكنه يتحدث عن شوق بخيت الاسود العبد والمظلوم والمهلوك والضائع والجريح الذى زهد اللقاء فى الدنيا فتمنى أن يلتقلى بحواء فى السماء ..
أى لغة تحدثت بها ، لغة قوية وسلسة ومربكة ولكنك صنعت منها مشاهد فجة مشاهد عارية علاقات متحررة من كل عُرف وتقاليد ودين ربما رأيتها انا كقارئ مفتعلة وغير مجدية ولكنه رأها ضرورية ..
الرواية مربكة فى أجزاءها الاولى ولكن قلما قرأت فهمت وأدركتي
4/5
---------------
-- من الكافر الذي زعم ان الحبيبة تكوت ؟-
في اللحظة التي يدرك فيها الانسان كل شيء-
يعلم انها لحظة الموت
أرضه سماوات وسماواته أراضين
مشدود الى وتد المجهول لا أكله الذئب ولا طار فى الفضاء
.وحصان أحلامه المسرج لا يمل الرمح فى بيداء اللاشىء
-
ramed
رواية شوق الدرويش لحمور زياد تقودنا إلى فترة من تاريخ السودان، ما بين 1881 و1889 إبان ظهور جماعة المهدية - الذي ادعى مؤسسها أنه المهدي المنتظر- التي ثارت ضد الحكم التركي المصري بالسودان، تناولت الرواية هذا الخط التاريخي لتؤسس أحداثها اعتمادا على شخصيات منها ما هو حقيقي ومنها ماهو متخيل، يروي لنا السارد حكاية عاشق سوداني اختارته العبودية ولم يخترها لنفسه كان تائها بين محاولة إثبات حريته كإنسان، اسمه بخيت منديل أحب فتاة نصرانية جاءت مع البعثة الأرثوذكسية إلى الخرطوم قبل سقوطها على أيدي جيش المهدي، اسمها ثيودورا نشأت في الاسكندرية ومن أصول يونانية. ولما دخل جيش المهدية إلى الخرطوم وإخراج المصريين والانجليز منها وقعت ثيودورا أسيرة ثم أصبحت خادمة لتاجر فسماها حواء.. وفي محاولة منها للهرب أمسك بها مجموعة من الأتباع فقتلت، ثم قام بخيت منديل بالانتقام لها فقتل منهم خمسة لكن السادس نجى بسبب سقوط بخيث في الأسر.
تحمل الرواية مجموعة من الرسائل منها:
- العنصرية الاستعمارية، إذ حتي البعثات التنصيرية لها نوازع عنصرية ، تفرق بين البيض والسود..
- الرؤية الاستعلائية ونزعة الاحتقار للمستعمَرين الذين ما هم في نظر المستعمِر إلا بربرٌ أدنى منزلة وقدرا، فرض خطاب استعماري مفاده أن المستعمر هو المخلص والمنقذ...
- استغلال الدين لأغراض سياسية دون أثر للتغيير بل يبقى نفس الوضع: فقر وجوع وأمراض وظلم ومذلة..
- الفهم المغلوط للدين وللقيم الإنسانية انبنى على أساسه خطاب يصبح عقيدة في نفوس السذج والجهلاء...
رشيد أمديون
-
Ahmed Allam
رواية واحدة
و عشقان
و ثلاثة شخصيات
و خمسة قصص( 3 لبخيت و 1 لحواء و 1 لحسن )
و 6 متأمرين
و كثير من القتل
و كثير من الالم
اما اسلوب الكاتب فكان متأثرا كثير _و ربما تشبيه غربب _بالكشري المصري
الكشري بيه مكونات يمكن كل منها ان تؤكل علي حدي و لكن روعة الكشري هو الخلط بين العدس والارز و الحمص و باقي المكونات ،،،تتداخل مع بعضها لتعطي طعما متميزا
و هكذا اسلوب الرواية التي تكون من 5 قصص و كل فصل كان يأخدك الكاتب من قصة الي قصة ،،،لم يتسلل الي الملل علي الرغم من تعدي الرواية ل 460 صفحة بسبب هذا الاسلوب المبدع ،،،فاحداث ال 5 قصص كانت تداخل و ما تبدأ في ان تمسك خيط لقصة حتي يأتي خيط لقصة اخري فتمسك به ،،،وتتداخل الخيوط ....و تاخد نفس عميق من الحماسة و توالي الاحداث
و اما عن مضمون الراوية فهو الحب و عذاباته ،،،،في فترة مهمة في تاريخ السودان و الغريب ان هذا الفترة يتكرر صداها الان و لكن في بلدان عربية اخري ،فالكتاب تأريخ جيدا لهذه الفترة
الحب و الحرب عندما يجتمعان ينتج كثير من الالم و ما يزكي نارهما هو الجهل و التعصب
-
Hamdy Boghdady
في مراجعة الرواية:
-اللغة:
لغة الكاتب جيدة، ليست بسهلة ركيكة ولا قوية يستعصى عليك الفهم، يتخللها بعض الكلمات القليلة العامية.
-الموضوع:
موضوع الرواية في فترة الثورة المهدية "ثورة الدراويش"، التي كانت في نهايات القرن قبل الماضي، التي كانت من (المهدي) ضد الحكم السوداني القائم حينذاك، الذي كان مصري-تركي.
ليست رواية حربية بشكل كامل، لكن تتضمنها، يطفو عليها الطابع الصوفي، الروحاني.
حال العسس، الراهبات، الدراويش، العامة.
كيف يكون الحكم الإسلامي، كما يسموه كذلك، علاقته بالديانات الأخرى.
بعض اللمحات عن عدة مدن في السودان، ما حدث في ذلك الوقت.
توضيح جانب من العنصرية.
عن عشق العبد للراهبة، وتكريس الشخص نفسه على عهد يقوم به.
موضوع شيق، جعلني أبحث عنه، اقرأه لأول مرة..
-السرد:
يسرد الرواية بطريقة حكواتية شيقة، تكاد تكون ملحمية، لكنّها ليست كذلك.
تَعَاقًب الشخوص فيها، تعددها، اختلاف الحكايات، تسليط الضوء على عدة شخصيات بصورة ممتعة، تجعلك تغوص في أعماق ك شخصية.
-غلاف الرواية:
صورة الغلاف لبعض شخوص الرواية، بالرغم من نقل الغلاف من "الأب جوزيف أوهر ولدر"، مؤلفه عن "معسكر المهدي".
خاتمة:
تكونت الرواية من ثمانية عشر فصل، ليست بمتصلة، إذ يكون احد المواضيع في فصل، يليه آخر، فآخر، ومن ثم يكمل الاول وهكذا، بطريقة متعبة بعض الشيء في القراءة، ربط المواضيع وإسنادها لما سبق.
بطريقة سلسلة –بعض الشيء- ومشوقة تنتقل من فصل تلو الآخر في عالم المهدي، "بخيت"، "مريسيلة" بقية الشخوص.
هو العمل الأول للكاتب الذي أقوم بقرائته، العمل الثاني لكاتب سوداني، بعد "مريود" للطيب الصالح، الذي شجعني على قراءة المزيد من الكتابات السودانية بعكس"مريود".
-
Mubark Al Mukhini
شوق الدرويش، ذلك الشوق العفيف، شوقٌ عطر بعبق الزهد والإيمان.. شوقٌ للإله.
لا أكذب حين أقول أنها من أفضل الأعمال الأدبية التي قرأتها في هذا العام. خمسة أيام وأنا أقلب صفحات هذا الكتاب من غير ملل أو كلل فهذا العمل مليئٌ بأحاسيسٍ غريبة تشدك كي تكمل من غير توقف.
شوق الدرويش هي رواية كُتبت بإتقان، كُتبت لترفرف الكلمات بين سحابات القلب، وتظل هُناك.
تكاد تجد في كُل صفحة إقتباس.. كم جميلة هي هذة الرواية.
-
Raeda Niroukh
عندما تسرق الثورات.
مراجعة لرواية شوق الدرويش
لحمور زيادة
في مقال آفاق المستقبل، يقول المفكر المصري فرج فودة: " هنا تبدأ الدائرة المفزعة، ففي غياب "المعارضة المدنية" سوف يؤدي الحكم العسكري إلى السلطة الدينية، ولن ينتزع السلطة الدينية من مواقعها إلا الانقلاب العسكري، الذي يسلم الأمور بعد زمن يطول أو يقصر إلى سلطة دينية جديدة وهكذا. وأحيانا يختصر البعض الطريق، فيضعون العمامة فوق زي العسكري كما حدث ويحدث في السودان".
بعد حكم عمر البشير الذي دام ثلاثين سنة، خرجت جموع المتظاهرين في السودان بعفوية شعبية مطالبة بالحرية، اجتاحت مواقعَ التواصل الاجتماعي صورةُ الثائرة الملقبة بالكنداكة، وهو لقب الملكات النوبيات في السودان قديما، وهي تهتف للحرية والثورة. ونزعت العمامة.
تعالت صيحات الابتهاج عقب تنحية الرئيس، بينما وقف أحد المتظاهرين محذرا من (سرقة الثورة) بعد أن أعلن الجيش السوداني عزل الرئيس، وإعلان حالة الطوارئ، فما قيمة ثورة إن لم تنتقل السلطة فيها إلى سلطة مدنية؟
في ظل الثورات العربية المعاصرة، تتردد في الأنحاء تساؤلات تعبر عن حيرة بالغة: فهل كانت الثورة حلا لابد منه؟! وإن كانت كذلك فلماذا هزمنا وظلمنا؟
تتردد أصداء هذا التساؤل في ثنايا رواية (شوق الدرويش) التي تناثرت أحداثها إبان (الثورة المهدية) في السودان (١٨٨٠-١٨٩٠)، تلك الثورة التي جاءت انتفاضة على سيطرة الإنجليز والمصريين والأتراك على السودان.
لكن كما يشير إريك هوفر، في كتابه (المؤمن الصادق / أفكار في الحركات الجماهيرية) فإن أتباع الحركات الجماهيرية يحتاجون إلى معجزة تعزز إيمانهم بحركتهم، سواء أكانت حركة علمانية أم دينية، وهذا ما حدث في الثورة المهدية التي استندت على بعث فكرة (المهدي المنتظر) عند اتباعها، وبأن قائدها هو المهدي الذي جاء لينقذ الاسلام وأهله، ويحرر مكة وبلاد الشام من الأتراك وغيرها من الظلمة.
وكعادة الثورات التي تبدأ من أجل غاية نبيلة، يستغلها بعض المنتفعين لتحقيق مآربهم الخاصة.
قد تكون رواية جورج أورويل الرمزية الشهيرة (مزرعة الحيوان) خير مثال على سرقة الثورات، وكيف أن الثورة أكلت نفسها، حين تحول الخنزير نابليون إلى ديكتاتور مطلق الصلاحية.
ما يحمي الثورة من السرقة هو وجود رقابة مدنية، تحد من السلطة المطلقة للحاكم، وتمتلك شرعية محاسبته وعزله إن اقتضى الأمر.
لكن ما حدث في ثورات ربيعنا العربي، هو أن تلطخت يد الثورة بالدم من أجل نشر العدل، فهل يستوجب العدل بعض الشر لينتشر؟!
وهل أحقية أهل الثورة بمطالبهم تستوجب لزوم النصر؟
“إن كنا على الحق، فكيف ظلمنا وقتلنا ثم هزمنا؟”
إذا لماذا يحل الموت والدمار بالثوار؟ وهل ما يحدث في البلاد المجاورة مثل سوريا وفلسطين إلا مثالا صارخا على تلك المفارقة؟ فما بين الحق ولزوم نصره وما بين ما يلحق بأهله من ويلات ما يدفع الكثيرين إلى التساؤل عن الحكمة الإلهية مما يحدث، تماما كما تساءل حسن الجريفاوي في رواية شوق الدرويش: " فإن كنا على الحق فلماذا نقتل ونهزم؟"
يحدد ابن خلدون في مقدمته حسب ما ذكر الدكتور علي الوردي في كتابه (منطق ابن خلدون) مشروعية الثورات وفق نتائجها، فهو يلوم الثوار الذين يشعلون فتيل ثورة لا تمتلك القوة والإمكانيات الكافية لنصرتها، بل ويحملها إثم الدماء التي أريقت بسببها، في منهج مادي للتعامل مع مجريات التاريخ؟ مع العلم أن ابن خلدون قد ناقض نفسه، فهومن المشيدين بثورة الحسين التي وفق منهجه لم تنجح، وضد ثورة الفاطميين رغم انتصارها.
بينما لا يرى غوستاف لوبون، في كتابه (الثورة الفرنسية وروح الثورات) في الثورات إلا تعبيرا همجيّا مقلقلا لاستقرار البلاد من قبل (رعاع)، بالغ في تصوير انحطاطهم وفق نظرة برجوازية استعلائية تحتقر تحركاتهم ومطالبهم، التي تهدد مصالح النبلاء والمتنفذين؟
هل يمكن للحياد أن ينقذنا من طوفان الثورة، أليست أحلك الأماكن في الجحيم، لأولئك الذين يحافظون على الحياد في الأزمات الاخلاقية؟؟ كما قال دانتي في (الكوميديا الإلهية). أليس السكوت على الظلم هو دعم خفي لمشروعيته؟!
قد تتوه بوصلة بعض الثوار، ويستيقظون فجأة ويكفرون بثورتهم، ويَرَوْن أن مطالبهم لا تستحق كل هذا الدمار والخراب الذي جرته، وأنهم لم يكونوا سوى دمية تحركها خيوط أصحاب المصالح بعد أن تلاعبت بأحلامهم، كما قال الحسن الجريفاوي في الرواية: "وهل يكبنا في النار إلا أننا أٌمرنا فأطعنا؟ خيّبه الله لو عصى لنجا".
يتعزز شعور الغبن عند بعض الثوار، حين يدركون أنه قد تم استغلال إيمانهم العقدي والإيديولوجي أبشع استغلال لتحقيق مخططات أخرى، فالكثير من الإيمان يؤدي إلى الكفر كما قال حسن الجريفاوي، حين يتحول إلى تسليم أعمى. فقد دفعه الشيخ إبراهيم للالتحاق بالثورة ونبذ الدنيا، فطلق زوجته ليتعلق قلبه (بالجهاد) الذي دعت إليه ثورة المهدي، تلك الثورة التي قتل طفلة وهو يخوض غمارها فهز مقتلها كيانه فإلى متى سيبقى يتقرب الى الله بالدم؟
لماذا كانت الثورة المهدية هي خلفية أحداث الرواية؟
كثيرا ما يلجأ الكتّاب إلى استدعاء حديث تاريخي، يلقون بظلاله على أحداث الواقع المعاصر. كأننا أمام نقد مبطن لمجريات العصر، ولكن على ألسنة شخصيات من زمن غابر. تقيهم مغبات الملاحقات السياسية والقانونية في ظل الأنظمة القمعية.
كما في مسرحية سعد الله ونوس (مغامرة رأس المملوك جابر)، ورواية (آلموت) لفلاديمير بارتول، التي قيل إنه كتبها تعريضا بهتلر، من خلال الحديث عن شخصية الحسن ابن الصباح، زعيم طائفة الحشاشين.
التشكيل السردي الرواية:
(كل شوق يسكن باللقاء لا يعوّل عليه) ابن عربي
تلك هي العتبة التصديرية التي افتتح بها الكاتب روايته
كنت أظن أنني أمام عمل صوفي يحاكي في مضمونه رواية (قواعد العشق الأربعون)، فقد كان تصدير الرواية بعبارة ابن عربي معززا لذلك التوقع، وإذا بالمفاجأة تتبدى!! نص أدبي بلغة شعرية يسردها راوٍ كلي الوجود ، نسج خيوط شخصيات روايته بطريقة لا يمكن تمثلها في الواقع الحي ، قد تكون اللغة الشعرية التي اختارها الكاتب نمطا لكتابة روايته هي المسؤولة عن ذلك ، فانحيازه إلى اللغة الشعرية- التي عدها الكثيرون من نقاط قوة الرواية نظرا لجماليتها العالية- قد سلبت من الشخصية الروائية طابعها الخاص ، فلا تعكس أقوال الشخصية مثلا حقيقة مستواها الاجتماعي أو الفكري ، فالدرويش البسيط يتكلم بطريقة تماثل شخصية ثيودورا اليونانية الراهبة في البعثة الكنسية ، وتشبه أسلوب حديث إدريس بائع الخضار، و طريقة تحدث الشيخ ابراهيم ود الشواك.
فالتفاوت في مستوى اللغة على ألسنة الأبطال بما تتناسب مع الشخصيات وتباين مستوياتها، يعد عاملا مهما في (بناء الشخصية الروائية)، ففي روايات نجيب محفوظ مثلا، نجد أن حيث (الفتوة) يختلف في مستواه عن شخصية أخرى مثقفة.
اعتمدت الرواية على الانتقال الزمكاني (الزمني والمكاني) للأحداث، هذا التنقل المستمر من عناصر التشويق في البناء الروائي إن أحسن توظيفه. فحينا نكون في خضم أحداث الثورة في مدينة أم درمان، ثم نجد أنفسنا في الصفحة نفسها فجأة مع عائلة ثيودورا في الإسكندرية، وفي أدنى الصفحة ننتقل إلى واقعة أسر بخيت منديل التي حدثت بعد موت ثيودورا بسبع سنين.
الحب في ظلال الثورة
تعرض الرواية لقصة حب بخيت وحواء، تلك القصة التي جمعت بين بخيت الذي يرفل في أسمال العبودية، والذي يحمل اسمه العديد من الدلالات، فاسمه (بخيت) مشتق من البخت والسعادة فهل كان رمزا لها لإنه عاش بروح الحب؟ أم هو اسم يحمل روح التهكم، فهو عبد لم يلق إلا شقاء الحب!
قد تكون علاقته مع ثيودورا النصرانية البيضاء التي حملت اسم (حواء) رمزا لعلاقة العالم المتمدن مع العالم البدائي مقارنة به، البعيد عن المدنيّة والحضارة.
علاقة معقدة، تحتاج إلى مد جسور التعارف على الآخر وتقبله بعيدا عن النظرة العرقية المتفوقة، والتمييز العنصري.
هل يمكن فعلا أن يكون هناك يوم ما لقاء محبة بين شعوب الارض وتنتهي تلك الكراهية والحروب؟!
ولكن ألم يُقتل بخيت منديل أيضا باسم مبدأ من أجل الحب؟ تماما كما قتل حسن الجريفاوي باسم مبدأ آخر وهو الثورة المهدية؟!
منذ الخليقة البشرية في معارك طاحنة، فقد يكون من المثالية الحالمة أن نتحدث عن سلام دائم ووئام، لكن مقدار الكراهية التي تسود في هذه الأيام، يستدعي منا دوما التذكير بالجانب الإنساني الخيّر فينا، وإلا فإننا نشعل بالكراهية والتعصب فتيل حرب جديدة. دون أن نهمل تحت شعارات التسامح المطلق، حق الشعوب في تقرير مصيرها وطريقها.
فأين الحق؟ وأين الطريق؟ وهل نحن ملزمون بواقع ما، فقط لإنه موجود.
سيبقى في داخل كل منا ذاك (الشوق) إلى المعرفة والبحث عن الخلاص، كل ما في الامر أن نتلمس الطريق في متاهة الحياة، فكما ورد في الرواية:
" هل تنصحني أن أرضى بسجني؟
- و هل سجنك نهاية الطريق ؟
- أنا لا أَجِد الطريق.
- كيف لأعمى أن يخاف الظلام يا جاهل ؟"
-
Rudina K Yasin
الكتاب رقم 21/2022
الرواية: شوق الدرويش
التصنيف: تاريخي
الكاتب: حمور زيادة
“لقد عشت حيوات كثيرة يا حواء. أكثر مما أتحمله. ربما ما عشت طويلا. لكني عشت كثيرا. وما وجدت حياة أحلى من التي كانت أنتِ. فقط لو أنك أحببتني! لكنى لا ألومك. لقد تعلمت في حياة عشتها أن الحب كالقدر. لا تملك من امره شيئا
ما أضعف ابن آدم، كلما تداركته ألطاف الله الخفية للمعالي ناداه قلبه الى الدنيا وزخرفها.
. في اللحظة التى يدرك فيها الانسان كل شيء يعلم انها لحظة الموت، كتلك الرؤى الغيبية التي تجتاح الغريق وهو يلفظ مع النهر انفاسه. في لحظة الموت، الحقيقة، لأتعود هناك اي اوهام، ولا تشوش عليك الامنيات. أنك ترى كل شيء كما هو، لاكما تتمناه.
# حمور زيادة: الكاتب السوداني المدون يوجد له بعض المدونات التي تختص بتاريخ وبيئة السودان من مواليد ام درمان العاصمة الاقتصادية للسودان مقيم حاليا في القاهرة بعد ان هرب من السودان له العديد من الروايات لم اقرا له سوى شوق الدرويش التي حازت على جائزة البوكر العربية عام 2014 وقد صدرت الطبعة الأولى منها عام 2011 وتقع في 460 صفحة من اصدار دار العين للنشر والتوزيع.
# تاريخ الرواية
المهدي او مهدي الله قائد الثورة السودانية الذي انتصر على المصريون والترك والانجليز وحقق العدالة لأبناء شعبه ليأتي الخليفة الذي بعده ويدمر ما بنى لتبدأ الفترة الثنائية في السودان وهي فترة الحكم المصري والانجليزي للسودان.
عانى الشعب السوداني من حكم محمد علي حيث عمل على احتقارهم بسبب اللون وحملهم ما لا يطيقون في فترة مهمة من فترات التحرر محمد عبده في مصر والحركات السنوسية في الجزائر وغيرها لتاتي الثورة المهدية بقيادة محمد احمد المهدي من 1843 – 1885 الذي حقق الامن والانتصار وحكم البلاد بالعدل ليموت في عام 1885 بعد ان فتح الخرطوم ليخلفه عبد الله التعايشي ود تورشين ، و في عهده تقع أغلب أحداث الرواية .حكم التعايشي البلاد و كان سجن الساير و العبودية و الأسرى الأجانب و السبي و الحروب التي لا تتوقف ، مظاهر على دولة لا دولة فيها
استمرت هذه الخلافة من 1885 إلى عام 1899 بانتصار الانجليز في معركة كرري (أو أم درمان) التي عرف السودانيون فيها أن الحربة والفرس والشجاعة لا تضاهي مدفع المكسيم الإنجليزي (كما ذكر ذلك ونستون تشرتشل في كتابه حرب النهر) وقتل الخليفة في معركة ام دبيكرات. لتنتهي الحقبة المهدية ويبدأ الحكم الثنائي الإنجليزي المصري حتى الاستقلال عام 1956 والتقسيم الأخير إلى السودان وجنوب السودان 2011.
# ام درمان
العاصمة الاقتصادية بلد الكاتب كانت في تلك الحقبة تتكون من خليط من كل الأعراق والقبائل الموجودة في السودان، حيث وجد و فيها مصريون، وهنود، وعرب من مكة، وسوريون، وأغاريق (يونانيون)، وإيطاليون، وأتراك، وإثيوبيون، وآكلو لحوم بشرية من قبيلتي نيام ، بينما تتراوح سحن الناس وألوانهم في أم درمان ما بين اللون الأسود الداكن إلى الأقل دكنة حتى نصل للون الأبيض.وكان منتسبو كل عرق من الأعراق في أم درمان يقطنون في الغالب في حيهم الخاص، لافتاً إلى أنه يصعب التداخل والتصاهر بين الأعراق المختلفة، وهذا ما يعيدنا إلى حكاية بخيت وحواء (ثيودورا)، كما تتعدد كذلك الألسن واللهجات التي تتحدث بها تلك المجموعات السكانية المختلفة، غير أن لغتهم المشتركة التي يفهمونها ويتحدثون بها جميعاً هي العربية، والتي كان لها طابع مقدس ورسمي كذلك، فحسب روزيقونولي، كان أتباع المهدي يقولون إن آدم وحواء كانا يتحدثان العربية، وإنها لغة أهل الجنة، حيث لا توجد هنالك لغة أخرى، فالرواية كشفت عن علاقة الغرب بالشرق، والعكس، في إطار الثقافات المتداخلة في السودان.
شخصيات الرواية
"كل شوق يسكن باللقاء لا يعول عليه" من اقوال ابن عربي كانت أولى صفحات الكتاب واولى الكلمات وصورة الغلاف هي لشخصيات أوروبية بلباس سوداني ربما أراد الكاتب التأكيد على تلك الفترة التبشيرية فحبيبة بخيت منديل الذي قتل وهو يأخذ بالثأر ممن قتلها ثيودورا او حواء هي تابعة لمدرسة تبشيرية تم القضاء عليها من قبل الثوار وبيعت ثيودورا كعبدة.
قصة حب
صفحات الرواية سردت تاريخ السودان من خلال قصة حبٍ جعلت القارئ في حيرة هل يقرا رواية حب ام احداث مهمة من تاريخ السودان وهذا يحسب على الكاتب فالحروب يكتبها المحاربون وقصص العشق يكتبها العاشقون حصلت حروب كثيرة من اجل العشق لكني لم اجدها في الرواية الا من خلال حرب بخيت العاشق الذي أحب فتاة يونانية
عبد أسود حالم بالحرية من جبال غرب السودان، سُرِق و بيع في سوق النخاسة ليتناوب على اقتنائه اوروبي و تركي ، و ينتهي به الحال حراً ليحارب في جيش المهدي ، و يؤسر و يباع عبداً بعد معركة توشكي فيتركه سيده بعد فترة حراً طليقاً ، فيرجع حراً إلى أم درمان عاصمة الخلافة ، و هناك يقع في حب جارية بيضاء من سبايا المهدية من الحملة التبشيرية اليونانية ، اسمها ثيودورا أو حواء كما سماها مالكها لاحقاً ، و تقتل ثيودورا خلال محاولتها الهروب من السودان ، و يقوم بخيت بحملة طويلة خلال الرحلة بعد 7 سنوات من السجن في الساير، بالاقتصاص من الأشخاص الستة الذين تسببوا في قتلها ، فيصطدم قدره بالحسن الجرجاوي الصوفي ، الذي ترك حبه و زوجته فاطمة ليلتحق بجيش المهدي ، و ينتهي به الأمر في خدمة التاجر الانتهازي إبراهيم ود الشواك . وابراهيم أحد المتسببين في مقتل ثيودورا، ويقتله بخيت ثأراً لها لكن الحسن يلحق به، ويسمع قصته التي يقف مصيرها عند نهاية مفتوحة قبل الخرطوم بقليل فلا قائمة بخيت انتهت فقد بقي يونس ود جابر الذي خدع ثيودورا) ولا الحسن عاد لفاطمة؛ التي يبقى مصيرها مجهولاً بعد أن قتل المهدية أباها الذي لم يقبل الإيمان بالخليفة، إن الوقوف عند الخرطوم مفتوح فلم يسلمه الحسن للقتل ولا هو تركه و لكن بخيت منديل العاشق يريد لقاء محبوبته ثيودورا لذلك يختار الموت مشنوقا فهو ذاهب الى شوقه الى حواء.
راي قارئ
الرواية جيدة وجميلة ناقشت حقبة مهمة لولا الدمج فانت لا تعرف هل تقرا بالتاريخ فتبحر فيه ام تتجه للعشق والثار فهي خليط مبهم فالحبكة الروائية بديعه وملكه كبيره في التصوير وربط رائع بحقبه زمنيه متقلبه وقضايا منسية من تاريخ السودان .
-
BookHunter MُHَMَD
في البداية سلاما على السودان الذي لم يبرح ثورته منذ سمي سودانا مهما تعاقب عليه عجما وعربانا.
لا يوجد أجر. هذه سخرة.
ماذا يعني هذا؟
يعني سخرة. تعمل مقابل لا شيء.
ظن فرج الله يخدعه فسأل أحد الضباط.
قال له الخواجة:
أنت تعمل لبلدك. هل تطلب من بلدك نقودا؟
لم يفهم ماذا تعني بلده و لماذا لا يطلب منها نقودا. و لكنه فهم أن فرج الله لم يخدعه.
لم أحب بخيت منديل و لم أكرهه و لكني تألمت له و تعاطفت معه و وددت لو كانت حياته أفضل و لكن في تلك الحالة ما كانت عقدة الرواية قد اكتملت و ما كان لها مكان على رفوف المكتبات إلا لأنها سطرت لنا هذا الألم و حفظت لنا أرشيف الدموع لنراها تسقط طازجة على الصفحات و تنساب بين السطور.
ما أغربهم هؤلاء النصارى. طيبون لكن مثواهم النار.
و بياضهم القبيح. حرمهم الله جمال اللون و منحهم طيبة القلب.
بخيت منديل ما عاد يذم البياض. قبل أن تغزوه كان يتعجب كيف شوه الله هؤلاء الناس. أجسادهم مسلوخة تكسوها حمرة. أعينهم كقطط خبيثة. و رائحتهم نحاس صديء.
يتتبع حمّور زيادة خطوات الشيطان في الرواية جنبا إلى جنب مع حفيف أجنحة الملائكة. ببساطه شديدة يتتبع خطو الإنسان من العبودية إلى الحرية و من الطهر إلى الخطيئة و من كل شأن يتقلب فيه ليصبح بين طرفة عين و انتباهتها في شأن أخر كحاله كل يوم.
ثيودورا و هروبها من خطيئة القُبلة الأولى إلى التبشير بكلمة الرب و بخيت منديل الساعي إلى ملكوت الحب و إبراهيم الشواك الذي تحالف مع كل شيطان و ملاك لكي يعيش كإنسان فيه كل تناقضات الحياة و الحسن الجريفاوي الذي وهب حياته لله أو ظن أنه كذلك و كأنه الصورة الإسلامية من ثيودورا المغدور بها و مريسيلة التي أدركت معنى الدنيا و سعت في خرابها كما ينبغي لكل ذي عقل أن يفعل فاكتفت بالنعيم المقيم الذي يمكن أن تلمسه بأيديها و تعُد دنانيرها عدا عاجلا غير آجل كما تتصور.
كلهم وقع في شرك الحياة و كلهم ظن نفسه الملاك المخلص أو المهدي المنتظر أو النبي عيسى إلا مريسيلة البطلة المستترة للرواية و الناجية الوحيدة من الفتن.
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي
إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ
فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ
وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ
وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن
أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ
ركـائـبهُ ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني
الحياة حلوة شهية لولا أن الشيطان لوثها بالخطيئة.
في الواقع نحن ننسب كل الشرور و الآثام إلى الشيطان و هو منها بريء. على الأقل هو فقط يقوم بعمله على أكمل وجه. أيها الشيطان .. ما قصّرت. نحن من نملك الفعل و نحن من نفعل ثم نتنصل من فعلتنا كذلك الذي استهوته الشياطين و عاث في الأرض فسادا يقتّل الناس و يقطّع الأوصال بظن الحب و الحب منه بريء.
دين المحبة ثقيل. دين المحبة قيد. لكنه تعلم أن الحرية في إخلاص المرء لقيده.
من يظنها قصة حب أو رواية للتاريخ فقد جانبه الصواب. هي رواية الإنسان في كل عصر و مصر. لا شأن لها بزمان أو مكان.
يدللها من اليوم الأول. كبحر الإسكندرية. و هي تخيفه كالنهر. يوجعه في الليل صمتها. يؤلمه في الليل اشتياقها. يتبدل كوجه السماء مع زوال الشمس. يخفت مرحه. حلاوة روحه تبهت حتى غدا شفافا.
ما الحب و الكراهية إلا مثل الكفر و الإيمان ضدان لا يفترقان أبدا
كيف يعيش الإنسان أعواما ينتظر وهما؟!
قال له سبت جود الكريم:
إنه الإيمان يا صديقي.
رسالة يستدعيها حمّور من الماضي ربما لخجله من قبح الحاضر و ان تماثل في المعنى مع ما سبقه من تاريخ قديم و حديث لكن ما بالنا لا نكاد نعِ ما حدث و يحدث كل يوم؟!
لكن ما بال رسالة الله تنشر الموت؟! في عهد التركية كان مؤمنا مظلوما .. و حين شرح الله قلبه للمهدية صار ظالما شاكا. أين الحق؟ لو كان التقى بخيت قبل عشرة سنوات لقتله بلا لحظة تردد. بخيت منديل مجرم. قاتل. هو ممن يقع عليه أمر الله عز و جل بالقطع من خلاف أن يكونوا عبرة للخارجين. لكن سنوات الدم لطخت كل شيء. ما عاد الحق واضحا.
إن كنا على الحق فكيف ظلمنا و قتلنا ثم هزمنا؟ إن كنا على الباطل فكيف نكون أكثر عبادة و خشية لله؟
-
Mohamed Khaled Sharif
"هكذا هو الحب يا بخيت. هكذا هو الحب. أن تُصبح درويشاً لمن تهوى."
تتناول رواية "شوق الدرويش" حقبة زمنية لم تُطأ من قبل؛ عن الثورة المهدية التي التف حولها العديد من السودانيين ليواجهوا العدوان المصري التركي على أراضيهم، ومن رحم الحرب الدائرة، ينبثق الحب، وعلى الرغم من أن ثنائية الحب والحرب تكررت واُستهلكت في روايات عديدة، ولكنها في حكايتنا هنا كانت موظفة ومنطقية في أغلب أوقاتها، والأهم من ذلك، هناك هدفاً وغاية وراء كل ذلك.
رُسمت شخصية "بخيت منديل" لتكون رمزاً للشعب السوداني المقهور، يُمثل الأحلام المستحيلة، الفُرص المُهدرة العديدة، الحقوق المسلوبة والمنهوبة، الحريات المقموعة، حتى حريته نفسه، فهو عبد في عرف الحرب، ينتقل من ملكية إلى أخرى، كغنائم الحرب، من مالك إنجليزي إلى مصري إلى تركي، حتى إلى مالك سوداني بأفكاره، لا فارق، هو فقط لا يجد حريته، ولم يعشها، إلا حينما رأى حواء، وقتها أدرك أن ما عاشه قبلها لم يكن، وأن الحب الذي تغنى به سيده حقيقة؛ وحريته الوحيدة.
ولكن، كيف ترى الحب من عيون الاستعمار؟ من عيون البشرة البيضاء؟ تلك مفارقة الرواية، فقصة الحب الناشئة بين "بخيت" و"حواء" تتأرجح بين خيال مجنون وواقع سوداوي، فبخيت لأول مرة يحلم، وحواء تعرف أن العالم لا يُدار بهذه الطريقة، التنقل بين فكريهما، أحلام بخيت المُغتصبة في مهدها، ورؤية حواء له، فالحب يصنع المستحيلات، ولكنه بالنسبة لها لا يصنع حباً بين مستعمر أبيضاً وعبداً أسوداً.
وفي ظل رحلة الانتقام التي يخوضها "بخيت"؛ تأتي شخصية "الحسن الجريفاوي" وما تُجسده بصراعاتها المُتشابكة، رؤية الدين من خلاله؛ فالحسن طوال حياته رجلاً تقياً مشهود له بالأخلاق الحسنة، جُر إلى خدعة الجهاد جراً، رأى أنه سيقربه من الله، سيجعله أكثر أجراً، بسفك الدماء، ونحر الرقاب، وقتل الأطفال، تخنقه الدماء في أحلامه، وينظر إلى ما وراءه ولا يستطيع إلا أن يتحسر ويُكمل طريقه الذي بدأه، كلعنة أبدية لن تنتهي إلا بانتهاء أنفاسه.
كان السرد في الرواية مُربكاً في الانتقال الزمني، الأحداث التاريخية في الخلفية تنتقل وتتحرك إلى الأمام والخلف، حتى ذكريات الماضي التي يجترها بخيت في الحاضر كانت عبثية وغير مُرتبة من الماضي السحيق إلى الماضي الأحدث إلى الماضي القريب دون أي مراعاة للترتيب الزمني، ولكني وجدت نفسي على الرغم من ذلك، أفهم الحكاية، وألم بتلابيبها، فالحكاية التي عرفنا نهايتها من ربع الرواية الأول، لم تكن حكاية "بخيت" وحده، ولكنها حكاية وطن، حكاية شعب، يُحاول أن يعثر على هويته، وبالتالي حريته.
بين الحروب والحب والدين والسياسة، تأتي هذه الرواية بتشعباتها الهائلة وموضوعاتها المتنوعة، وسردها المختلف، -على سبيل المثال كانت تظهر شخصية معينة فتجد الفصول التالية تحكي خلفيتها كاملة- وكل شخصية عندها حكايتها، عندها مأساتها الخاصة، التي ستجعلك أما تتعاطف معها أو تكره دوافعها ولا تراها كافية، وذلك التأرجح والاختلاف هو ما يُعرفنا كبشر، لا تستطيع توقع أفعالنا، ولا تستطيع أن تصل بتفكيرك إلى أي مدى قد نُصبح سفكة للدماء أو سارقين أو خادعين باسم الوطن أو الدين أو أي إيديولوجية ستجعل لنا مُريدين مجنونين يقتنعوا أنهم بذلك سيجدون خلاصاً من سواد حياتهم بإتباعها.
ومن جمال الرواية، أنه بداخلها قصة حب لدرويش يسعى للانتقام من أجل محبوبته، ورغم أن ذلك قد تقوم عليه رواية كاملة، ولكنك تخرج من الرواية، تجد أنه كان فيها الكثير من الحكايات الحزينة والممتعة؛ على التوالي، وأنه لا يوجد أسوأ من شعب مقهور.
3.5/5
-
Enas Al-Mansuri
تبدأ رواية شوق الدرويش مع نهاية المهدية بالسودان أى العام 1898م ، إذ يُهزم" عبد الله التعايشي "خليفة مهدى الله و دخول القوت الأنجليزية والمصرية إلى أم درمان عاصمة الدولة المهدية ، و استرداد بطل العمل الروائى "بخيت منديل" حريته وسط الفوضى التى تعم المدينة إذ يُطلق سراحه من سجن (الساير ) ليخرج باحثا ً عن أعدائه لينتقم لمقتل ثيودورا/حواء حبيبة القلب .
عبر صفحات الرواية نتعرف على حكاية "بخيت منديل" و اليونانية "ثيودورا/حواء" التى جاءت من الإسكندرية إلى الخرطوم ضمن البعثة التشيرية لتقع فى أسر جنود المهدى ، وينتهى بها الحال فى بيت أحد كبار التجار الانتهازيين ممن ركبوا موجة الحركة المهدية لتحقيق مكاسب شخصية ، فيدخلها سيدها إبراهيم ود الشواك الاسلام بالقوة ، طمعا ً فى معاشرتها كجارية ومع رفضها وماقومتها لمعاشرته يعاقبها بالختان والنبذ قبل أن ينهى حياتها بعد محاولتها الفرار الفاشلة برفقة إحد الأدلاء ممن قادوها فى رحلتها للخرطوم ، قبل أن تعقد العزم على الفرار تلتقى بالعبد "بخيت منديل" المحرر لتوه من نير الأسر لدى سيده المصرى "سعيد أفندى" بعد هزيمة "جردة النجومى " فى منطقة توشكى بالجنوب المصرى ، فتتوطد المعرفة بين بخيت و ثيودورا/حواء ، وتتحول مشاعر الود الى حب عميق من طرف بخيت ، بينما تظل ثيودورا/ حواء تتخبط بين مشاعر القبول والرفض لمشاعر الحب تلك ، وبين الحيرة تجاه حقيقة ماتشعره ومايختلج فى أعماقها من اعجاب وعاطفة سامية "لبخيت" الذى ينتمى للأرض التى تسببت لها بالكثير من الألم و الوجع والفقد ، و تظل مشاعر الحيرة تتجاذبها حتى لحظة الرحيل.
****
-
محمد حسن المرزوقي
كان جورج اورويل يقول بأن الكاتب، لكي يكتب عملاً جيدًا، يشترط أن يكون لديه شيء ليقوله، ثم يجب أن يقوله على أفضل نحوٍ يتسنى له ذلك. يمكنني أن أقول أن حمّور زيادة، الذي أسمع باسمه لأول مرة، أبلى بلاءً حسنًا في روايته. وربما كان أكثر ما لفت نظري في هذه الرواية هو تناولها لموضوع تاريخي غير مطروق سابقًا على حد علمي بطريقة ذكية، فحمور زيادة لا يُقدِم على الكتابة عن تاريخ الثورة المهدية بشكل مباشر كما يفعل بعض الروائيين عند تناولهم لأحداث تاريخية (رواية نساء وألماس مثال جيد للكتابة عن التاريخ بشكل سيء)، إنما يجعل الحدث التاريخي خلفية للمسرح الذي تدور عليه الحكاية.
أعجبني أيضًا أن حمور زيادة لم يُفرط في استخدام اللغة الشاعرية ولم يفرّط فيها كذلك. فكانت لغة روايته عوان بين السرد وبين الشعر. وهو بالإضافة إلى ذلك يعرف بدقة أين يموضع الشعر وأين يتخلى عنه.
-
Khaled Elaraby
حمور تركنى فى حيرة مع هذه الرواية
ما بين العاطفة الجياشة ، المغرقة فى الرومانسية والتى على يقين انها امتلكت كل من قرأ الرواية امتلاكا حد الأسر
وبين الصورة المأساوية التي ترسمها الرواية لنا عن الصراع الابدى بين المستعمر ونظرته اللا انسانية للمحتل والتي ترى الاخير حيوان من ” خراف الرب الضالة” كما تصف الرواية السودانيين
فحولت الرواية من عملا ادبيا الى عمل دعائي لأيدولوجية الاستعمار الاجبنى وتبنيها لفكر الكاتب الإستشراقي العنصري
وكأنه جاء يحمل رسالة انسانية لاخراج الشعوب المستعمرة من جهلها وحيوانيتها الى حضارتهم المزعومة
اجد انه من الافضل مع هذا النوع من الروايات ان تتريث قبل كتاببة اى ريفيو عنها حتى تكون اكثر انصافا
-
imane ns
انها رواية مختلفة عن باقي الروايات ذات الطابع الصوفي ، كنت قد قرأت الخيمياءي و قواعد العشق الاربعون ، انها روايات حالمة تغوص في عالم جميل ، شوق الدرويش لا تتوقف عن صدمك بجوانب إنسانية بشعة لا ترغب بالاطلاع عليها ..حروب ..عبودية ..قتل ..مدن تسقط..إكراه على اعتناق الدين...شيء من الهرطقات والخرافات ..خيبة الآمال ..المجاعات..كل هذا العالم السيء حقيقي ..لكن ليس دفعة واحدة ..الكتاب به جرعة زائدة من التشاؤم والنظرة السلبية للأمور ...ووسط كل هذا تجري قصة حب محتشمة ..كانت لب الرواية لربط الأحداث