الحجاب و مفارقة غطاء الرأس رجالاً و نساءً
كنت أريد أن أجلس مع هذا الكتاب منذ فترة طويلة لأن الموضوع جذبني ، الحجاب في التاريخ موضوع يتخذ صوته الخاص في الصدى المتردد حولنا عن الحجاب و ما هيته في العالم العربي و الإسلامي ، و الفارق بينه في الغرب و عموم شوارعنا ، و التناقض بين غطاء الرأس و غطاء الجسد من حيث مفهوم الهوية و المنطقة و العرق و الالتزام الديني .
المؤلف هو الدكتور أيوب أبو دية و هو مهندس مدني أردني ، و يحمل شهادة الدكتوراة في الفلسفة ، له عدة كتب أخرى في مجالي الفكر و الهندسة ، و من المؤسف أن تجد نبذة عنه بصعوبة بالغة على الشبكة العنكبوتية . و لكن هذا حال الكتاب و المفكرين الأردنيين عموماً .
الكتاب من القطع الصغير ، من إصدار دار الفارابي ، و عدد صفحاته 94 . الطبعة بين يدي هي الأولى الصادرة عام 2012 . الكتاب مقسّم إلى مقدمة و ثلاثة عشر باباً يليها جميعاً المراجع و أسماء مؤلفات الكاتب و الفهرست .
في المقدمة يتحدث الكاتب عن أهمية الحجاب في أوروبا بعد أحداث ال11 من سبتمبر ، وعن مناقشته مسيرة الحجاب عبر التاريخ و يشكر من ساعده في إتمام الكتاب . عموماً أختلف كثيراً مع الكاتب عن أن أهمية الحجاب برزت بعد 11/9 ، الموضوع أكثر عمقاً ، موضوعة الحجاب برزت مع نهاية السبعينات مع تصاعد نجم الجهادية السلفية الممولة من دولٍ تدعم الجهاد الأفغاني ؛ و تتبنى قراءة تفسيرية خاصة بتغطية كامل المرأة متضمناً الوجه ، أو ما بات يعرف بالخمار ، و لا يخفى أيضاً بزوغ نجم الثورة الإسلامية الخمينية و التي تبنت زياً مشابهاً للنساء و إن اختلفت في أمر تغطية الوجه . أحداث البرجين أدخلت العالم في التساؤل مجدداً من هم هؤلاء الحلفاء السابقون؟ و ما هي نظرتهم للإسلام و المرأة و من ضمنها الحجاب . الولايات المتحدة لم تغير موقفها بالنسبة للحجاب ، لكن فرنسا و بريطانيا اتخذا موقفين خاصين من مفهوم الحجاب ( الشادور ) أو غطاء الجسم الكامل - حسب مفهوم هذه الجماعات عموماً - غير متناسين الأحداث في سوريا و العراق و ليبيا ، و ما أنتجته من دويلات و إمارات متفرقة ، ظهر فيها زي المرأة المطلوب كما يريده أبناء هذه التنظيمات . بريطانيا منعت غطاء الجسم الكامل و سمحت بغطاء الرأس ، بينما تابعت فرنسا حملة علمنة الدولة بتبني موقفها الثابت من حظر الرموز الدينية داخل أماكن العمل .
نعود إلى الكتاب في حديثه عن المجتمعات البدائية ، حسب تصنيف أنغلز في كتابه (أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة) حيث ينقل عن مورغان تقسيمه للحضارة الإنسانية إلى ثلاث مراحل 1.مرحلة التوحش 2.مرحلة البرابرة و 3.مرحلة الحضارة ، و ينقل عنه الدكتور أيوب أبو دية أيضاً ، أنّ مرحلة التحول إلى رب الأسرة الذكر هي المرحلة التي ازدهرت فيها الملكية الخاصة و الحضارة ، و كان من ضمن الملكية العبيد و الجواري . و لنقاء النسل كان لا بد من حجز المرأة و حجرها ، و قد ضمن ذلك تواصل الأعمال الحربية ، و تكاثر النسل ، و الحفاظ على العرق أو المجموعة . و قد امتد الأمر إلى الإغريق الذين نظّروا لهذا الأمر ، و كانت من تخالط الرجال و الأكثر حرية المرأة غير اليونانية ؛ بل إن أرسطو عزا سقوط إسبارطة للسلطة التي منحها الإسبارطيون للنساء في إدارة شؤون المنزل . و يضيف المؤلف في ذات الفصل أنّه لم تكن هناك مشاعية جنسية كما كان يُعتقد ، و أن سلطة المرأة السابقة في المجتمع الأموي كانت منظمة أكثر من ذلك ، كما توحي دراسات القبائل البدائية . و عوداً على بدء يؤكّد الكاتب أن سلطة المرأة و أهميتها تتعاظم بقدر دورها الإنتاجي ، و لذلك لا تزال تحتفظ بهذا الدور في المجتمعات القروية .
ينتقل بنا الكاتب إلى مجتمع سومر ما بين النهرين ، و هنا يستفيض في شرح الجنوسة الإلهية في العالم القديم ، و يلفت الإنتباه إلى خنثوية الألهة الأولى مثل ليليث ، و يضيف لاحقاً نظرية مفادها أنّ الإنسان الأول نشأ من خنثى و حصل إنفصال لاحق بسبب طفرةٍ ما ، معرّجاً على حضاراتٍ أخرى ، دامجاً الأمثلة من هنا و هناك عن عدم تقييد المرأة بلباسٍ محدد في تلك الحقبة .
ندخل الآن مرحلة الأكديين و الآشوريين و البابليين ، الأكديون ظهرت عندهم عصائب الرأس مع احتفاظ المرأة بالكثير من الحقوق في العهد التشريعي لحمورابي . الآشوريون المحاربون لبست عندهم المرأة الحرة عباءةً يظهر منها الوجه و بقيت الإماء سافرات قانوناً إجبارياً ، مع تقييد حرية المرأة بالحركة . أما البابليون فقد تزينت المرأة عندهم و تمتعت بحريةٍ أكبر من حياتها في العصر الآشوري مع لبسها للملابس الفضفاضة و انكشاف الرأس .
حضارة مصر القديمة هي الأكثر تحرراً و الأفضل حقوقاً للمرأة ، بقيت المرأة سافرة الرأس و كانت ترث ، لكن مع غزو الهكسوس لمصر انحسرت المرأة عن الخروج و احتجبت لباساً و منزلاً ، حتى تحررت مصر في عهد رمسيس الثالث و عاد الأمن و عادت النساء إلى ممارسة حريتهن .
الفصول الأخيرة من الكتاب التي يتحدث فيها عن الحضارات الآسيوية و عن اليهودية و المسيحية و الأنباط و الرومان مختصرة جداً ، عدا الحديث عن الإغريق الذي شرح فيه عدة وجهات نظر بحق المرأة ، و علاقة الأسطورة و التراث الإغرقيين باللباس و اختلاف وضعها في عصور الانحطاط عن الإزدهار ، و هموماً المجتمع اليوناني نظّر مفكروه لامرأة لا قيمة لها بلا روح لا تتجاوز ملك اليد .
و قد اختصر المؤلف فكرة الحجاب عموماً في العصر القديم عند حديثه عن الآشوريين :
1. التشريع الديني المرتبط بالطقوس والكهانة و الأسطورة .
2. ترسيخ مفهوم التمييز بين طبقات الشعب .
3. عدم سيادة الأمن و الاستقرار المصاحب للانحطاط الحضاري .
4. الغزو و ما يترتب عليه من نتائج سبيٍ للنساء و فناء العرق المهزوم .
5. حاجات الغزو إلى مزيدٍ من المحاربين ، و ما يترتب على ذلك من استغلال للمرأة ، كما حدث عند الآشوريين .
6. ظهور النظام الأبوي و الملكية الخاصة حيث اعتبرت النساء و العبيد من الممتلكات الخاصة .
و الكتاب بالمجمل شديد الإختصار ، جيد العرض ، إلا أن لي عليه مآخذ ؛ فلم يتحدث الكتاب عن زي الرجل و أزياء الكهنة رجالاً و نساءً و العسكر و رجال الدين المرتبطين بالطقوس و الشعائر، و بالمنزلة الاجتماعية لصاحب الزي ، و الفروقات الناجمة عن تغير الأجواء في كل بلاد ، و الأزياء التي يلبسها أهالي أعراق معينة دون غيرها مما يرتبط بمفهومهم التاريخي لدور المرأة و الرجل في تلك الثقافات . كما أن موضوع الألبسة يستحق أن يذكر مع انحسار لبس غطاء للرأس رجالاً و نساءً في عصرنا الراهن - إذ كان من علامات الاحترام رفع القبعة أو حسر الرأس . و أخيراً تجاوز المؤلف الحالة الإسلامية و هي الحالة جوهر الخلاف .