رواية الساعة الخامسة والعشرون مرعبة فعلاً كما ذُكر في المقدمة، لأنها تتحدث عن مستقبل الإنسان وتطور المجتمعات بعد أن طغت الآلات في شتى مجالات الحياة، كتب قسطنطين جورجيو الرواية وكأنه يشاهد عالمنا اليوم، ربما لأن معاناة الإنسان تتكرر بذات الصور رغم اختلاف الوجوه والأسماء ما دام تحت رحمة العالم التقني وعبيده.
يقول الكاتب على لسان تريان كوروغا :
"لا تنس أنني شاعر، وأملك حدساً يسمح لي بالتنبؤ بالمستقبل، لا يملكون الآخرون مثله، أنا آسف إذ أتنبأ بأشياء مفجعة كهذه، لكن مهمتي كشاعر، ترغمني على ذلك، ينبغي أن أصرخ وأن أحمّل الأصداء قولي، حتى لو كان قولا ممجوجا."
الكاتب عاش كثير من تفاصيل روايته في الواقع، وتريان كوروغا الشخصية الأقرب لحياة الكاتب لأنه ابن لكاهن أرثوذكسي وعمل بالخارجية الرومانية وغادر للمنفى بعد دخول الروس، ووقع في أسر القوات الأمريكية حيث كتب فصول من روايته. أصدر روايته بالفرنسية عام ١٩٤٩ ولكن الرواية لم تتشر في بلاده إلا في العام ٢٠٠٤ !
إيوهان موريتز هو بداية انفراط العقد الإنساني ليتدرّج في هاوية مظلمة لا نهاية لها، تتوحد الشخصيات في الألم وتصبح أرقام لا ظل لها، أذكر هنا كلمات دوستويفسكي عن تعوّد الإنسان العجيب على أسوأ الظروف مهما بلغت من السوء، ينقسم العالم إلى بشر وأشباه البشر الذين يحكمون العالم بالآلة والنار، مكننة المجاميع تلتهم بصمات الفردية لتنصيب الحضارة التقنية.
يقول الكاتب عن العبيد التقنيين :
"لقد ولدوا من اتحاد الرجل مع الآلات، إنهم نوع من أبناء السفاح، وجوهم تشبه البشر، بل أن المرء غالباً ما يخلط بينهما، ولكن سرعان ما يدرك أنهم لا يتصرفون كما يتصرف البشر، بل كما تتصرف الآلات. إن لهم مقاييس وأجهزة تشبه الساعات، بدلاً من القلوب، وأدمغتهم نوع من الآلة، رغباتهم رغبات وحوش ضارية، مع أنهم ليسوا وحوشاً ضارية بل مواطنين... إنها سلالة غريبة اكتسحت الأرض !"
لا أمل في أنسنة حضارة الغرب ولا في حضارة الشرق لأنها وجه آخر للغربية بسيئات اضافية، هذا ما يراه الكاتب بعد موت الأرانب البيضاء وحلول الساعة الخامسة والعشرون.
ينبغى أن ننشر هذا الاقتباس مع كومة الإعلانات اليومية حتى يصل للعظم واللحم الإنساني :
"إن الفئة هي الخدعة الأكثر وحشية والأشد فظاعة من كل ما اقتحم يوماً عقل الإنسان من أراء، إذ لا ينبغي أن ننسى أن عدونا شخص وليس فئة."
جمعت اقتباسات أخرى لنقلها هنا ولكني اكتشفت أني سأنقل معظم أجزاء الرواية. الترجمة موفقة جداً وكانت على مستوى أهمية الرواية. أخيراً ستكون الرواية ضمن قراءاتكم المفضلة يا أصدقاء فلا تتأخروا على ساعة قسطنطين جورجيو.