"يقولون النور في آخر الطريق. لكن يبدو أن الطريق ليس له آخر، والنتيجة النهائية لن نراها وكأنه على ألا أثق إلا بنفسي، ليس بمعني اختياراتي، لا. لكن بمعني نفسي كملكية كأني أنا فقط كل مالدي، .. ربما لهذه الأسباب لم أستنكر فكرة الاستنساخ، ستكون معي أنا أخرى دون مفاجآت، ربما باختلافات لكن في النهاية ستكون طفيفة وليست انقلابات، فأكثر ما يزعجني أن كل ما كنت أتمناه، كل ما كنت أتمنى أن أكونه ولم يتحقق لى وتحقق لآخرين لم يعد كاملا أو مثاليا كما كان عندما تمنيته أو حلمت به. تفقد كل الأشياء معناها، قيمتها، تبدو الحياة كلها مثل فرقة موسيقية دون مايسترو أو أن العازفين أصابهم العمى فلا يرون توجيهاته، فتخرج النغمات شاذة، ناقصة، يتلاشى الكمال، الصمت المهيب، الجلال، الخطوات المتزنة، تحل محلها عشوائية ،عدم إتقان، تسيب، سيولة، شيء مترهل كجلد امرأة في السبعين، كل هذا النشاز موجود في التلفزيون، في الراديو، في المسرح، في البيت، في الكلية" ...
هكذا تُنهي "حبيبة" حديثها عن نفسها في هذه الرواية، وهكذا تقارب "صفاء النجَّار" هذا العالم الغريب بذكاءٍ وحذر!
هل تذكرون ا"لاستنساخ؟" تلك الطفرة العلمية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس فترة طويلة حتى توارت كغيرها في زحام الأحداث اليومية المتسارعة، تتخذ صفاء النجّار في هذه الرواية تلك الفكرة البراقة لتفترض أن البطلة ستسنجح في "استنساخ" ابنةٍ لها، تسميها "مريم" وتكون في غنى عن وجود الرجل في حياتها!
ورغم تلك الفكرة البراقة، ورغم أنه يبدو أن الكاتبة قد استغرقت فيها وقتًا لتصل إلى كيفية حدوث هذا الاستنساخ "علميًا" إلى أنها لم تجنح إلى فكرة "الخيال العلمي" بل قادتنا وقادة بطلتها عبر سردٍ شفاف مفعم بالإحساس والقطات الإنسانية إلى عالم "حبيبة النحَّال" الذي كنَّا قد تركناه منذ سنوات مع جدتها (حسنة الفقي) في استقالة ملك الموت، لتصوَّر لنا عالم تلك الفتاة وأحلامها وطموحاتها، وتصورَّر المجتمع من حولها، وهي إذ تتعرض لقضية "الاستنساخ" وتتركنا في نهاية الرواية مع مشهد خروج البنت المستنسخة، إلا أنها قد رحلت إلى المستقبل عدة مراتٍ بخيالها، لتصوَّر ردود فعل المجتمع والناس من حولها، وماذا سيكون رأي رجال الدين في تلك القضية، بل وإثارة الرأي العام واستضافتها في عدد من القنوات الفضائية، وغير ذلك ..
كانت تنتقل بانسيابية شديدة وبقدرة بالغة بين الماضي والحاضر، بل وتقفز إلى المستقبل في رشاقة واقتدار ..
إلا أن الرواية أيضًا انتهت فجأة!!
....
كنت أنتظر ماهو أكثر، ولازلت أفكَّر في مستقبل تلك المرأة وابنتها وكيف يمكن أو يواجهوا المجتمع حقيقة، إن كان لا مفر من المواجهة!
شكرًا جزيلاً لـ صفاء النجَّار ..
و حمد لله ع السلامة :)