عندما قلت إنني توقَّعْتُ نتائج متهورة لم أقصد أنني توقعت هذا. فكرت في حدوث تغيُّر
عاطفي عارم، زيادة مفاجئة في الشعور بالسعادة وانعدام المسئولية، شعور بالجموح
والانصراف عن الواقع، يصاحبه دوار خفيف وربما رغبة في الضحك بصوت عالٍ. لم يطرأ
بذهني أن السقف سيدور كأنه صحن ضخم قذفه أحدهم تجاهي، ولا أن تنتفخ البقع
ذات اللون الأخضر الفاتح بالكرسي وتلتقي لتتفتت، فتلعب معي لعبة حافلة بقدر هائل
من العداء الجامد العديم المعنى. تراجَعَ رأسي إلى الخلف وأغلقتُ عينيَّ. فتحتهما على
الفور، فتحتهما مُحملِقة بهما، ودفعت نفسي من فوق الكرسي وعبرْتُ الردهةَ ووصلت —
حمدًا لله! حمدًا لله! — إلى حمام آل بيريمان، حيث شعرت بالإعياء في كل أجزاء جسدي،
في كل أجزاء جسدي، وسقطت على الأرض كالحجر.
......
من قصة العلاج
رقصة الظلال السعيدة > اقتباسات من كتاب رقصة الظلال السعيدة
اقتباسات من كتاب رقصة الظلال السعيدة
اقتباسات ومقتطفات من كتاب رقصة الظلال السعيدة أضافها القرّاء على أبجد. استمتع بقراءتها أو أضف اقتباسك المفضّل من الكتاب.
رقصة الظلال السعيدة
اقتباسات
-
مشاركة من إبراهيم عادل
-
استغرقت دقيقة أو اثنتين كي أستوعب ما حدث وأدرك أنه لن يعود. مضيت فوقفت وحيدة إلى جانب الحائط. رمقتني معلمة التربية البدنية، التي كانت ترقص بحماس بين ذراعي فتًى في الصف العاشر، بنظرة متسائلة. كانت المعلمة الوحيدة في المدرسة التي تستخدم تعبير،« التكيُّف الاجتماعي » كنت أخشى من أنها إذا شاهدت ذلك،واكتشفت ما حدث، فقد تقدِم على محاولة علنية، علنية على نحو مريع، لجعل مايسون ينهي رقصته معي. أنا نفسي لم أكن غاضبةً أو مندهشةً مما فعله مايسون، كنت أتفهم وضعه، ووضعي، في عالم المدرسة، وكنت أرى أن ما فعله هو التصرف الواقعي الذي كان ينبغي فعله كان بطلًا بالسليقة ليس من نوعية بطل اتحاد الطلبة المُقدر له النجاح بعدالمدرسة؛ فأي واحد من هؤلاء كان سيرقص معي بلطف وتسامح ويتركني في سرور لا يفوقه سرور. ومع ذلك، تمنَّيت ألَّا يكون عدد كبير من الأشخاص قد رأى ذلك. كنت لا أحب أن يرصد الآخرون ما يحدث. ورحت أقرض الجلد الناتئ حول إبهامي.
حينما توقفت الموسيقى انضممت إلى حشد الفتيات في طرف الجمنازيوم. قلت لنفسي: تظاهري بأن ذلك لم يحدث. تظاهري بأن الحفل يبدأ، الآن.
بدأت الفرقة تعزف مجددًا. اعترت الحشد الكثيف الموجود ناحيتنا حركة، كان يتضاءل سريعًا؛ فقد جاء الفتيان لدعوة الفتيات، اللائي ذهبن لمراقصتهم. ذهبت لوني، وذهبت الفتاة التي كانت تقف إلى جانبي الآخر. لم يطلب مني أحد أن أراقصه. تذكرت مقالة قرأتها في مجلة، كانت تقول: ( كوني مرحة! دعي الفتيان يرون عينيك تتألَّقان، دعيهم يسمعون الضحك في وقع صوتك! هذا أمر بسيط وواضح، لكن كم من فتاة تنسى ذلك) كان هذا صحيحًا، لقد نسيت. كان حاجباي معقودين من التوتر، لا بد أنني كنت أبدو مذعورةً وقبيحة. سحبت نَفَسًا عميقًا وحاولت أن أرُخي وجهي. ابتسمت، لكنني
شعرت بالسخف وأنا أبتسم للا أحد. لاحظت أن الفتيات في حلبة الرقص — الفتيات المحبوبات — لم يكنَّ يبتسمن، كثير منهن كانت وجوههنَّ بليدة، متجهِّمة، ولم يكُنَّ يبتسمن مطلقًا.
مشاركة من إبراهيم عادل -
تغيَّر أبي أيضًا منذ أن جاءت ماري. عندما كان يأتي إلى الحجرة ليتناول وجباته كانت تنتظره دائمًا، فمزحة مع أبي تجعلها تتورم كضفدع كبير، فتبدو بمظهر شرس ويحمرُّ وجهها. كانت تضع حبات الفاصوليا البيضاء غير المطهوة في حسائه، قاسية كالحصى، وتترقب لترى هل ستجعله آداب الطعام يأكلها أم لا. كانت تُلصِق شيئًا بقاع كوبه الزجاجي كي يبدو كالذبابة، وتعطيه شوكة بسن ناقص وتتظاهر أنه من قبيل الصدفة. فيقذفها عليها، دون أن تصيب الهدف، مما أفزعني على نحو هائل. كان أمي وأبي يتحدثان بهدوء وبجدية عندما يتناولان العشاء، لكن في عائلة أبي حتى الراشدون يمارسون الحيل بالديدان والخنافس المطاطية، ودائمًا ما تُدعَى العمَّات السمينات للجلوس على مقاعد متداعية، والأعمام يُخرِجون الريح على الملأ ويقولون (ووه ! إلى أين؟( فخورين بأنفسهم كما لو أنهم عزفوا بالصفير لحنًا مركَّبًا. لا أحد قد يسأل عن عمرك دون إغاظتك بلغو فارغ؛ لذا كان أبي يعود إلى السلوكيات العائلية مع ماري ماكويد، مثلما عاد إلى تناول أكوام من البطاطا المقلية ولحم الخنزير المملح وفطائر الطحين السميكة، واحتساء الشاي السادة والمركَّز كالدواء من إبريق الشاي المعدني، وهو يقول في امتنان
ماري : تعلمين ما يجب على الرجل تناوله، مضيفًا: أَلَا تظنين أنه آنَ الأوان ليكون لك رجلٌ :
تُطعِمينه؟ وهو ما جلب عليه، ليس شوكة مقذوفة، بل منشفة تنظيف الأطباق.
مشاركة من إبراهيم عادل -
قرأتُ الرسالة حتى آخرها وفكرت، ليس للمرة الأولى، أن أي أبله سيقرأ هذه الرسالة سيستطيع أن يدرك أنها الأخيرة ( أريدك أن تعلمي كم أنا ممتن لكل لطفك وتفهُّمك )
. فكرت كانت كلمة « لطف » هي الوحيدة التي التصقت بذهني حينئذ، كي تمنحني الأمل
أنني سأتخلص من رسالته حين أتزوج أنا وكلير. إذن، لمَ لا أفعلها من الآن؟ مزقتها إلى
نصفين ثم مزقت النصفين إلى نصفين وبدا الأمر سهلًا كتمزيق الكراسات بعد انتهاء أيام
الدراسة. ولما لم أكن أريد أن تعلق ماما على ما في سلة مهملاتي دسست الرسالة الممزقة
في حقيبة يدي. وبعد أن انتهيت استلقيت على فراشي وفكرت في عدة أمور. مثلًا، لو لم
أكن في سكرة بسبب رحيل تيد فورجي، فهل كانت نظرتي لكلير ستتغير؟ هذا احتمال
ضعيف. فلولا تلك السكرة ما كنت لأحفل بكلير على الإطلاق، كنت سأنطلق وأفعل شيئًا
مختلفًا، لكن لا جدوى من التفكير في ذلك الآن. الجلبة التي أثارها كلير جعلتني آسف
له في أول الأمر. كنت أزدري رأسه المستدير الأصلع، وأسمع تأوهه وهياجه وأفكر، ماذا
يسعني الآن إلا أن أكون مهذبة؟ لم ينتظر مني أكثر من ذلك، لم ينتظر قط ما هو أكثر،
فقط أن أستلقي وأتركه يفعل ما يشاء، وقد اعتدت على ذلك. تذكرت ذلك وتساءلت عما
إذا كنت عديمة الشعور، فقط لأنني استلقيت هناك وتركته يجذبني ويجامعني ويتأوه
حول عنقي ويقول ما قال، دون أن أنطق في المقابل بكلمة حب واحدة له؟ لم أرد قط أن
أكون امرأة بلا قلب ولم أكن خسيسة مع كلير، وتركته يفعل ما يشاء، ألم أفعل ذلك، في
أغلب الأحيان
مشاركة من إبراهيم عادل -
«. حينما أعود من لندن، يمكنك أن تأتي وتلعبي في منزلي بعد المدرسة » : قالت مايرا
ومن خارج نافذة المستشفى تناهى صوت واضح لشخص ما يلعب «. حسنًا » : قلت
في الشارع، ربما يلاحق آخر ما تبقى من كرات الثلج في هذا العام. هذا الصوت غمر
مايرا — بهجتها وكرمها، والأهم من كل ذلك، مستقبلها الذي أوجدت لي فيه مكانًا —
بالكآبة والقتامة. كل الهدايا الموضوعة فوق فراشها، والأوراق والشرائط المطوية، تلك
العطايا المشوبة بالإحساس بالذنب، غمرتها هذه الكآبة، وما عادت أشياء بريئة يمكن لمسها وتبادلها وقبولها دون خطر. لم أعد أرغب في أخذ الحقيبة، لكنني لم أستطع أن
أفكر كيف يسعني أن أتملص، وأي كذبة يمكن أن أختلق. فكرت أن أهبها لأي شخص،
لن ألهو بها أبدًا. سأدع أخي الصغير يمزقها.
عادت الممرضة، حاملة كوبًا من الحليب بالشوكولاتة.
«؟ ما الأمر، ألم تسمعي أزيز الجرس » : قالت
هكذا أطُلق سراحي، حررتني الحوائل التي باتت مغلقة حول مايرا، حررني عالم
المستشفى الجليل المجهول الذي يفوح برائحة الأثير المخدر، وحررني غدر قلبي. قلت:
«. حسنًا، شكرًا لك، شكرًا لك على هذا. وداعًا »
هل حدث أن قالت مايرا وداعًا؟ على الأرجح لا. جلست في فراشها المرتفع، وعنقها
الأسمر النحيل يطل من لباس المستشفى الواسع جدٍّا عليها، بينما وجهها الأسمر المنحوت
غافل عن غدري، وقد صارت هداياها — بعد أن دُبر لها أن تُستخدَم استخدامات نبيلة
— منسيةً مثلما كانت هي تقبع منسية في الرواق الخلفي في المدرسة.
مشاركة من إبراهيم عادل
السابق | 1 | التالي |