عرفت الرواية من كتاب "ضغط الكتابة وسكرها " لامير تاج السر ، تشنوا أتشيبي اسم غريب بالنسبة لي نيجيريا غريبة أيضا ، تجربة جديدة تستحق أن أثري عالمي بها.
ترددت أكثر من مرة في إكمالها وهذا لأسباب ، انا أقرأ عن ثقافة وعادات وتقاليد وتراث وآلهة وسلوكيات ودين وحياة اجتماعية واقتصادية وسياسية مختلفة تماما عن تصوري وغريبة أيضا فهناك مصطلحات لها توضيح في آخر الرواية ، فمضيت مُكرهة مع هذا العالم غريب الاطوار ، يجسد تلك الحياة بطل ومن خلاله ومن أحواله نتعرف على تلك البيئة التي بدت لي فقيرة حتى في طعامهم ، اذن هي فقيرة ومليئة بالاساطير والخرافات والجهل ، هذا مجتمع منغلق في عتمة تعميه ، لكنه مؤمن بنفسه وبأصله وبآلهته !! كل ذلك يبدو للقارئ احاديث مملة ولا تثير اهتمامه ، لذلك ترددت بشأنها ، أنا انتظر حدثا معينا مغايرا لذلك السرد عن طريقة حياة أولئك الأشخاص والعائلات.
سأكمل وأنتظر .. ها نحن نصل للمفيد ، المفيد الذي يجعلنا نقدر الاجزاء السابقة وننظر لها نظرة مختلفة عن النظرة الأولى فالاحداث اللاحقة المهمة تخرج من صلب الأجزاء الأولى ، هي تجري بسلاسة وبالتدريج .
الجزء الذي بعده يوضح لنا كيف تتداعى كل تلك الحياة التي ذكرها بتفاصيلها ، هنا تكمن أهمية الجزء الأول لنفهم الذي حصل بعدها. يحفزنا اسلوب الرواية في ضرورة تفسير واقعنا وأحداثنا لبداية الامور لفهمها ، حتى نكتسب عمقا في تحليل واقعنا وكيف تغير !
كيف يتداعى المجتمع المترابط؟ هل يكون ذلك عندما يبصر لاخطائه وجهله؟ لا ذلك ليس كافيا هناك دائما قوة وسلطة تقمع تلك البصيرة من أجل الحفاظ على هيبة القوة . قد يتداعى المجتمع عندما تغزوه في صلب دينه، الدين والآلهة هي التي جمعتهم وحافظت على قوتهم وترابطهم على الرغم من الجهل الكبير واللامنطقية في حياتهم، لكن الآن تتعرض تلك القبيلة والقرى لهزة عنيفة ، دينها وآلهتها وخرافاتها في طريقها للاندثار ، هناك حقيقة تسطع وتكشف عن عماهم ، نشر حقيقة الدين لا هذا ليس سببا مستحيل أن يكون لدى الغازي هدف نبيل ومخلص، الغازي يستخدم الدين ولا يفهمه ، الدين هو الذريعة للوصول لاهدافهم غير النبيلة، الدين له قوة للاستيطان ولاستخدامه وجهين ، إما أن يرفعهم وتسود القيم وتفتح البصيرة والنور أو يستخدمه مدّعي الألوهية ليزيدوا رعايا هذا الدين جهلا وتعصبا. لكن كيف تكون البداية لنشر هذا الدين والوصول لغايتهم بعدها؟ هناك طريقة أولية ، مر على البيئة تلك سلطة دينية رحيمة التي تريدهم أن يبصروا أكثر ، النقاش الناعم ، وعند تمكين الدين في نفوس بعضهم وشحذهم لطموح سام مختلف عن ذلك الدين الذي يجعلهم عبيدا يجعلهم يتصرفون على غير طبيعتهم الانسانية ، يبدأ الوجه الحقيقي الآخر في الظهور الذي اتخذ الدين ذريعة للوصول ذلك الوجه هو السلطة والحكومة ومفوض الشرطة ، تمكنوا حقا يا للعجب كيف هي الطريقة العبقرية في اخضاعهم ، كل شيء لتلك الحكومة الظالمة مبرر لطالما أن الدين الرحيم هو الذي جلبها حتى لو انقلبت السلطة الدينية لوجهها الاخر القاسي! ترسخ في أذهانهم أنهم احرار تحت رحمة ذلك الدين ، فبدأوا في استخدام الطريقة الثانية تحت اسم الدين في جعلهم المتعصبين الجاهلين التابعين لها.
الرواية تتحدث عن مجتمع متكامل بكل ابعاده ومستويات حياته، ترسيخ الطبقات وفروقها سعي البطل للوصول للسيادة ولمكانة رفيعة في القبيلة ليتخلص من عقدة والده الكسول الذي لم يكسب لقبا واحدا في حياته مع القبيلة وقد مات في غابة الشر ، يصل إلى نصف الطريق وأكثر قليلا ، يوضح لنا الكاتب كيف أنه أصبح يحتقر الذين هم أقل منه طبقة حتى لو كانوا على صواب ، إنه مريض يخاف النظر لأصله الحقيقي ،تصوير رائع لحقيقة نفسية أمثاله، هذا الوسواس كان سببا في الفجوة التي بينه وبين ابنه ، ومبررا لقسوته في تعامله مع ابنه . آمال ذلك البطل تتحطم مع ذلك الغزو لأنه يخرجه من دائرة السيادة وأصحاب الألقاب ، فيقاتل لكن السؤال هل يقاتل من أجل الحفاظ على استقلال واستقرار مجتمعه ليكمل مسيرة سيادته أم أنه مؤمن حقا في آلهته ودينه وحياته ؟هو لا شعوريا مؤمن ، وايمانه الحقيقي هو في مصالحه! لذلك لم يسع لفهم الدين الجديد ، هنا نحن لا نتفق مع البطل لكن هناك شخص آخر في داخل البطل ، الذي رأى ظلم ذلك الغازي وتأثيره على مجتمعه حتى أصبح ضعيفا وتابعا لم يحتمل ذلك وجاءت النهاية العجيبة التي عبرت عن كفره في مجتمعه الجاهل وبواقعه الحالي ، أظنه يعبر عن وجهة نظر الكاتب . تلك نهاية عبقرية بما تحمله الكلمة من معنى!
يتعرضون لغزو الرجل الابيض ، يدخل عليهم باسم الدين والنور ليخرجهم من الظلمات إنه الدين المسيحي ، يكون موطن للضعفاء والمطرودين، منهم يكسب قوته ، يبني مؤوسساته الدينية والتعليمية ، يوظف كل امكانياته ليرسي سفينته الغازية ، على مرأى أهل السلطة والسيادة لتلك المنطقة إنهم يعيشون في وهم وبكسل وضعف فظيع ، هم لا يعملون ولا يتحركون هم ينتظرون الآلهة التي يصنعونها تتحرك وتخلصهم من أولئك الغرباء البيض، بماذا يشعرنا هذا الوهن ، نعم نحن هؤلاء يمثلوننا او نمثلهم، الآخر يصنع ويبني حكومات عادلة يتطور لكنه كافر سيهلكه الله !! هذه الفكرة أيضا كانت لديهم حتى رأوا أنفسهم أصحاب السيادة يتلقون الاهانة على يد شرطة وحكومة بريطانيا . وقعوا في الفخ جراء أعمالهم وأوهامهم وخرافاتهم، انصدموا في حقيقة آلهتهم وخرافاتهم.
بستحقون ذلك ! الجميل أن هذا الكاتب لا ينسى شيئا كل الاشياء حاضرة في الرواية ، لا ينسى المتعصبين لدين وحكومة الغازي الأبيض من أصحاب الأرض ، يستحدمهم ذلك الغازي كسلاح ، اذن هم يحاربون أنفسهم وابناء جلدتهم أصبحوا أداة تُحرك من الحكومة الغازية.
الكاتب يصف جهل القبيلة بكل موضوعية واخطائهم وحماقاتهم حتى لو كانت من التراث ! ويذكر كيف أن الدين المسيحي والأبيض جاءهم كمنقذ ينقذهم من جهلهم ، وفي النهاية يوضح زيف ذلك المنقذ.
هو ليس مع الفريقين ، هو يضعهما أمامه ويفصلهما ويبين تناقضاتهما ولك أن تحكم. حكمي أنا أنهم كانوا عبيدا وصاروا عبيدا أيضا !
أحب الروايات التي تحاكي واقعنا منها نكسب الكثير لفهم أحوالنا . جميلة وتستحق القراءة.