يتناول هذا الكتاب موضوعاً بتنا نسمعه كل يوم وفي كل مكان، وهو "تجديد الخطاب الديني وإعادة فهمه بما يتلاءم مع روح العصر ومتطلباته".
هذا العنوان المزخرف المبطن بشتى أنواع الشرور والمخاطر، والذي بات دعاة الباطل يتناولونه في كل مناسبة وعلى كل شاشة حتى بات الحديث فيه أمراً تطرب لسماعه الآذان واعتادت الأذهان طرحه والخوض فيه دون علم حتى استحكم فيها لا عن قناعة بل عن جهل بأهدافه وما وراءه.
وفي هذا المجال كان موضوع هذا الكتاب .
فتحدث أولاً عن أنواع الفرق الداعية إلى "التجديد منذ أولى سنون الإسلام وحتى اليوم، عارضاً نماذج عن معتقداتهم و"تجديداتهم" المزعومة الناسفة لروح الدين وجوهره.
ومن بعدها دلف إلى عرض الأهداف وما وراء هذه الدعوات، و عن نتائجها إذا ما طبقت وارتضاها المجتمع الإسلامي، معتمداً على مصادر شتى ومقتبساً عن أبرز "دعاتهم" من أقوال دعوا فيها لتجديد الدين وإعادة فهم الخطاب الديني أو بالأحرى نسف دعائمه بتأويلات باطلة لما كان محكماً واضحاً مبيناً لا شوب فيه من الآيات والأحاديث، بزعم عدم مواكبتها لروح العصر أو مجاراتها لروح التطور والمدنية ، وبأنه لا يوجد في هذا الكون حقيقة مطلقة -حتى ولو كانت هذه الحقائق هي الله عز وجل وكتابه الكريم-وكل الحقائق ظنية قابلة للتأويل بما يتلاءم مع متطلبات كل زمان ، وبما يتوافق مع عقل وثقافة كل أمة وطريقة تفكيرها وتناولها لموضوع الدين.!!
وأقتبس مما ورد" وتأول المتأولون بحجة ان الدين ملكٌ للجميع فليس لأحد حق احتكار تفسيره وفرضه على الناس؛ وهي كلمة حق اريد بها باطل؛ فالحق ان الدين من حيث تطبيقه والعمل باحكامه ليس خاصاً بأحد، أما الباطل فهو إخضاع تفسير نصوصه لرغبة كل إنسان وهواه دون علم يؤهله لهذا التفسير، ولو ادعى أي شخص علمه ومعرفته بأي صنعة او علم لطُلِبَ منه ان ياتي بالدليل على هذه المعرفة ولكذّبه الناس ولم يأمنوه على أموالهم وأنفسهم ولم يمكّنوه ان يعمل فيها ما يدّعيه، فكيف بمن ادّعى علمه بمعرفة القرآن والسنة وعلومهما."
ثم بعد ذلك بدأ بشرح الأصول التي يُعتمد عليها في تأويل آي كتاب الله تعالى، وكيف ومتى نُأوّل ومن الذي يحق له التأويل في الأساس.
كان الكتاب هامّاً جامعًا وغير مفصل، ويمكن اعتباره مقدمةً لقراءات مسهبة متخصصة في مجالات نقد الدين وتجديده وسلطة الثقافات وعلم أصول الدين أيضاً.
وأنهي مراجعتي باقتباسين يختصران الموضوع كله:
يقول الدكتور إبراهيم السكران في مقدمة كتابه (سلطة الثقافة الغالبة): "بعض الشباب المتطلع للثقافة اليوم يتوهم أنه يعيش انفتاحاً وتجديداً بين مجموعة من المنغلقين ، ولا يعلم أنه ضحية لمؤامرة سياسية كبرى تستهدف من خلال نوافذ مختلفة إعادة ترميم الإسلام لينسجم مع مصالح اللاعبين الكبار باعتبارها ثقافة الغالب . وأطرف ما في الأمر أن بعض هؤلاء الشباب ينعي على علماء ودعاة أهل السنة ضعف الوعي السياسي ولا يعلم أنه هو الذي يدار بخيوط السياسة من بعيد ويطبخ في قدر الهيمنة الغربية وهو لا يدري " .
ويقول الإمام أبو حامد الغزالي - رحمه الله- أيضاً: " وهذا شأن كل من أراد أن يظهر خلاف ما عليه أمة من الأمم من الحق، إنما يأتيهم بالأسهل الأقرب إلى موافقتهم. فإن شياطين الإنس والجن لا يأتون ابتداء ينقضون الأصول العظيمة الظاهرة، فإنهم لا يتمكنون ... والغرض هاهنا التنبيه إلى أن دعاة الباطل المخالفين لما جاءت به الرسل يتدرجون من الأسهل والأقرب إلى موافقة الناس، إلى أن ينتهوا إلى هدم الدين."