الواقع المصري معقد .. و الرواية تحمل هذا الواقع خاصة حين يكشف كاتبها من اللحظات الاولي ان مصر لها الف وجه و الوجه المتمدن الحضري الذي نراه في القاهرة ليس الا مجرد وجه من بين وجوه عدة .. يكشف لنا الكاتب في رحلته الي البر الغربي حيث جماعه مصرية مجهولة للمتمدنين تعيش و تملك حياة يومية و تاريخ عميق و جذور اكثر عمقا ممتدة من اعلي الجبل الي صلبه في باطن الارض .. ليكتشف هو ذاته ان من يحملون شعار المدنية الي هؤلاء القوم يحملون شعار وهمي لا تريده تلك الجماعات و القبائل .. لا رفضا منهم للتمدن و لكن لان ما يحتاجونه هو شئ اخر .. هم يحتاجون (سبل) للحياه و لكنهم لا يريدون (الحياة) التي نقدمها لهم .. و تسرد الرواية واقعة مشهورة لقيام المهندس حسن فتحي ببناء قريه القرنه معتقدا ان اهل الجبل سيعيشون بها سعدا بالتمدن .. و لكنهم قابلوا القرية بالرفض و الكراهية و كما يأتي على لسان احدي شخوص الجبل .. فإن بيوت القريه لها قباب و هم اعتادوا ان تكون القباب على مقامات القبور .. فهل تريد الحكومة ان تدفنهم احياء !!! .. ذلك التباين في وجهات النظر يعد كشفا لعالم الرواية الجذاب .. و يعد ايضا كاشفا لواقع الحياة في مصر ..
يمارس الكاتب فتحي غانم بالرواية حضوره الشخصي بصفته و اسمه .. و من الواضح ان الرواية تعد تجربة ذاتية له اضاف لها بعض التفاصيل التي اكملها بوعي الكاتب بداخله .. و على قدر قدم الرواية التي مر عليها الان ما يقرب من ستين عاما .. الا انها تظل مثال حي للتناقض الذي يعيشه المجتمع المصري و رفضه الاعتراف بتعدد وجوهه .. و تمسكه بأن الوجه الوحيد للمدنية هو ما نراه في القاهرة من ابراج و عمارات و كهرباء و تكييفات .. الخ ..
الرواية ممتعة في قراءتها لبساطة لغتها .. ممتلئة بالشخوص التي تكتسب جاذبية من كونها شخصيات حقيقية نعرفها و ندركها من الوصف البسيط الذي يمنحه لها الكاتب .. و انصح بقراءتها للوقوف على حقيقة تعدد وجوه المجتمع المصري .