نقد رواية نادي القتال .. إن لم تقرأها ..أعتقد أنك شاهدت الفيلم .. وهذا يكفي
إنها قصة رجل عادي، يحب الأريكة الذي اشتراها من ايكيا IEKEA ، وطقم الأطباق الفضي الذي اختاره بعنايه من محلات الاكسسوارات الغاليه، ومتمسك كثيراً بكل قطعة أثاث صغيرة في بيته. يصرف الأموال الطائلة على ترتيب بيته ويحرص على اقتناء كل ما يراه جميلاً في مجلة بيع الأثاث. وبالرغم من عمله كموظف تقييم أضرار حوادث السيارات لصالح شركة تأمين، ما يخوله أن يسافر كثيرا، إلا أنه ليس سعيداً. يعيش روتيناً قاتلاً بين العمل والبيت حيث يعيش وحده. ويعاني من الأرق. لذلك يجرب الالتحاق بنوادي علاجية توفر جلسات يمكنه أن يتحدث فيها عن أحزانه وما يؤرقه، ويلتقي أصحاب الأمراض المستعصية الذين يحملون هماً حقيقياً في صدورهم ويجدون قلباً حنوناً وآذاناً تسمتمع إليهم في هذه النوادي والجئ العلاجية. والرجل يراقبهم ويدعي مشاركتهم أحزانهم.
عند عودته من إحدى سفراته بالطائرة، يرجع ليجد الشقة التي تحوي كل أثاثه المحبب قد احترقت، شخص ما فجرها عمداً. فيتصل بالشخص الوحيد الذي يعرفه من أجل أن يبيت الليل عنده. إنه تايلر ديردن ، الرجل غريب الأطوار الذي يقول بأنه يعمل في صناعة الصابون، كان قد التقى به في إحدى سفراته. لكنه يعمل في الفترة الليلية فقط ، كعارض للأفلام في السينمات. يوافق على لقائه في إحدى الحانات. ثم يلتقي به. ومنذ هذه اللحظة، لا يبقى أي شيء في حياة بطل القصة على حاله. تايلر دردن يطلب منه ،عند لقائه وبعد شرب الكثير من النبيذ، أن يضربه بأقصى ما يملك من قوة!!!! وبطل القصة(الذي ،بالمناسبة، لا يملك اسماً في الرواية) يرفض ذلك، وبإلحاح من تايلر يفعل. يضحك الاثنان، ويبدآن في ضرب بعضهما والتعارك بطريقة مازحة لا تخلو من العنف. وما بدأ كلهو للكبار تحت تأثير الكحول، يكبر ليصبح أشبه برياضة جديدة. ينضم إليها فيما بعد حفنه من الرجال السكارى ثم مجموعات أخرى أكبر ، ترغب كلها في تجربة هذا العنف "التلقائي" و"المسموح". إنه هنا حيث بدأ الإثنان في تأسيس "نادي القتال"، حيث يأتي الرجال لــ"يتعاركوا" وحسب.
بذلك يبدأ الخط القصصي السوداوي الذي تمضي فيه القصة حتى النهاية، وهو العنف.
"نادي القتال" أشبه برياضة عنيفة، غرضها التنفيس عن الكبت الموجود في داخل الإنسان، وإخراج ما في داخله من عنف لم يجربه ولن يجربه في حياته إذا ما بقي حبيس المكتب والوظيفة والبيت.
اقتباس: "لا أريد أن أموت بدون بعض الندوب".
والعنف الذي يمارسه الرجال تجاه بعضهم، يكشف عن تلك القسوة التي يحب أن يظهرها الإنسان ويمارسها تجاه الأشياء ويمنعه المجتمع والقانون والنظام وما تحدده "الجماعة".
إنها قسوة تجاه العالم والحياة المادية والعيش الروتيني الرتيب والخالي من التواصل.
التردي العنيف
حين ينتقل بطل الرواية للعيش مع تايلر في بيته الخرب، تبدأ حياته في التردي ويدخل مرحلة انقلاب وفوضى في القيم المدنية التي كان يعيرها كل طاقته ووقته. من النظافة الشخصية إلى تنظيم الوقت والاهتمام بالمظهر العام والعمل.. الخ. أصبح يغسل فرشاة أسنانه بمياة غير نظيفة، ويستحم في بانيو مليء بالقاذورات، وأحياناً يأتي للعمل بقميص متسخ بالدماء من جراء القتال ليلة البارحة. وفي أحد المشاهد يسمح لنفسه بالتدخين في مكان العمل. لا يبالي بما حوله. حتى عندما يفقد وظيفته، لا يرف له جفن. وهو مرتاح بهذا الوضع ويرى أنه يحقق ذاته بالرغم من الانحطاط والتردي الذي أصابه.
تصور الرواية هذا التردي الذي حصل لبطلها على أنه انتصار لاستقلاليته، وخروجه إلى فضاء من الحرية. أصبح يعيش حياة غير مباليه أو مسؤولة، ومتحررة من القيود التقليدية التي كان يؤمن بها. وكل ذلك بدون عواقب. بل على العكس ، يبدو كمن يكسب ذاته. في كل قتال، ينتصر لنفسه. ليس من خصمه في القتال، بل من رئيس عمله الذي يؤنبه في كل صغيره وكبيرة،وأصدقائه المتملقين الذين لا يعرفون غير مصلحتهم، وأبيه الذي تركه وأمه عندما كان صبياً، وجاره اللحوح في دعواته، ومدرب رفع الأثقال الذي لا يضيف شيئا لمعنى الرجولة، وذلك الوافد الجديد إلى النادي ذو الوجه الملائكي والوسيم "أكثر من اللازم".
اقتباس:
"أحسست بالرغبة في تحطيم شيء جميل.
أردت أن أحرق غابات أمطار الأمازون، أن أرش الكلوروفلوروكار
ما يفعل بطل الرواية كل يوم في نادي القتال هو أن يفجر كل ما في قلبه من غضب وكراهية وانتقام في وجه هذا العالم. في تلك الوجوه التي يراها كل يوم، ويجد فيها كل سبب للتعاسة.
بذلك، فإن بطل الرواية هو شخصية يلفظها المجتمع. لسبب ما، لا يستطيع الاندماج. فتقدم له الرواية فرصة لكي يقيم لنفسه عزاءً يحتفي فيه بشخصيته الجديدة، وينسى نفسه القديمة. يسخر منها ويحقرها. نفسهُ التي كانت حريصة على اقتناء كل مظاهر الحياة العصرية ومكونات الحياة المادية.
اقتباس:
"الإعلانات جعلت هؤلاء القوم يطاردون السيارات والثياب التي لا يحتاجون إليها. هناك أجيال كاملة ظلت تعمل في وظائف تكرهها فقط لتستطيع شراء أشياء لا تحتاج إليها.."
الرواية توفر للبطل فرصة لكي يكسر تلك الصورة/الحلم التي حملها لنفسه، والانتقام من ذلك الشخص المهم الذي حلم به ولن يكونه. إنه نوع من الرثاء الساذج، يوفر الهروب السريع من كل أولئك الذين يذكرون الإنسان بضعفه وفشله في الحياة المدنية، ومن محيطه وعالمه الماضي بأسره.
اقتباس:
"نحن أبناء التاريخ الأوسطون، الذين ربانا جهاز التلفزيون وقال لنا أننا يوما سنصير مليونيرات ونجوم سينما ونجوم موسيقى روك، لكن هذا لن يحدث.
ونحن الآن نستوعب هذه الحقيقة"
في هذا سخرية من "كل" نواميس الحياة الاجتماعية وعناصرها الساذجة وأهلها، خصوصا تلك المبادئ الأخلاقية البديهية التي تبقت معنا منذ الصغر والتي يعتبرها "أولياء الأمور" قوانينا تضمن النجاح . كل ذلك يتفجر في وجه القارئ في قسوة ظاهرة. قسوة تأخذ قيمتها من مشاهد القتال وآثارها على الناس، وتلطخ كل لحظة في الأحداث بلون الدم. إذ لا وجود للعاطفة هنا. ولا أثر لها إلا من خلال شخصية مارلا التي تبدو بدورها وكأنها تهرب من شيء ما، لحين تعلقها بالبطل.
حتى الحوارات في القصة والأغراض التعبيرية -التي تجعل البطل/الراوي يشكل كل القصة- فيها الكثير من التعليقات الممتلئة بالألم الموجود في دواخل الشخصيات نتيجة غياب التواصل (التواصل العاطفي بالتحديد هنا).
البطل/الراوي كان قد التقى مارلا في إحدى مجموعات العلاج من مرض السرطان. هي أيضاً مريضة مزيفة، وتدعي إصابتها بالسرطان لكي تحظى بلحظات الحنان وتلقي بنفسها في أحضان أحدهم. كذلك بطل القصة هو مريض مزيف ويطبق "حرفياً" ما قاله طبيبه الذي يعالجه من الأرق أن يذهب إلى مجموعات الدعم الاجتماعي إذا أراد رؤية الألم الحقيقي. والعلاقة بين مارلا والبطل/الراوي لا تتطور إلى الأفضل حتى تعود مرة أخرى إلى الأسوأ. هناك شيء ما ينقص الاثنين ولا يجدانه في بعضهما. هو يجلس فحسب وينتحب ويأسف لحاله، وهي تحاول الهرب من هذه العلاقة وتبحث عن المتعة الشخصية في أنانية واضحة. كل يعاني من الحياة ويغني على ليلاه، لكن بطل الرواية هو محور ومركز المعاناة لأنه يجلس فقط ويراقب ما يحصل له. وحين يدخل تايلر على الخط ويبدأ في جذب انتباه مارلا إليه، يكون البطل/الراوي قد فقد كل أمل في التواصل الإنساني الحنون. وخسر كل فرصة للخروج منتصراً من هذه المصيدة العاطفية الاجتماعية.
هناك ذلك الفصل من الأحداث الذي يتعرض لكل ما يجري في حياة البطل في بيت تايلر الآيل إلى السقوط في أي لحظة. حين يجد أكواماً من الكتب مرمية على الأرض ،كان يجمعها الشخص الذي سكن البيت قبل تايلر. يجد بينها كتاباً تم فيه جمع كلمات وجمل على لسان كل عضو من أعضاء جسد إنسان(رجل اسمه جاك)، فينطق بها كل ما أراد تذكيرنا بألمه.
"أنا قلب جاك المكسور"
"أنا يد جاك العاجزة"
"أنا الورم في جسد جاك، تسببت لجاك بسرطان، ثم مات جاك"
ومنذ هذه اللحظة ، يتبنى كاتب الرواية مثل هذه الكلمات في وصف إحساس بطل القصة ومعاناته مع كل ما حوله.
اقتباس
"أنا حياة جاك الضائعة"
هذه الكلمات تأتي دائماً بطريقة أخاذة وآسرة ومعبرة ، وفي شكل أشبه بالتوقيع الخاص. يختم بها الكاتب معظم فصول القصة ومواقفها، وقبيل الانتقال لأحداث جديدة.
الثورة
هذا لا يجعل من كاتب الرواية أحد أولئك الذين يحبون وضع أكثر من خط تحت الكلمة، يصر على تكرار نفس الفكرة أو الرسالة وإذا ما وصلتك في المرة الأولى ستصلك في المرة الثانية أو العاشرة، بل هو يبدي للقارئ بعض الذكاء والفطنة في طرح الفكرة أو التعليق عليها والكثير جداً من الاختصار في الأسلوب والوصف. وذلك يسمح بالكثير من الوقت في استيعاب وتفسير بعض الرموز كما يجب، ويعطي فسحة للقارئ لكي يدرك ويفسر بعض الرؤى والقناعات الشخصية للكاتب.
يتضح ذلك أكثر عندما تأتي الجمل الوصفية التي تتضمن تعليقات ساخره.
مثلاً، سيصف لك مجموعة من الأشخاص يمرون بك، قصار القامة صغيري الأجسام كلهم يلبسون ملابس بألوان فاقعه، الأصفر والبرتقالي وغيرها. وسيصفهم بالهياكل العظمية المغموسه في الشمع!!!!!
أوصاف مضحكة بعض الشيء، لكنها غير واضحة المغزى.
لاحقاً ما يستخدم نفس الوصف( ويعتمده في ما تبقى من القصة) عند ذكر نفس الأشخاص أو الأشياء، لكن هذه المرة في سياق آخر قد يفضي إلى فهم تلك الصورة الأولى.
وبالإضافة إلى أن هذا بحد ذاته مدعاة للتوقف ومحاولة استيعاب ما سبق، فإن هذه الطريقة في الوصف تشغل البال في كل جزء من أجزاء الرواية.
وعند كل توقف، لا يجد القارئ فرصة لالتقاط الأنفاس، بل يبقى ذهنه مشغولاً في التقاط الصور الرمزية ورفع الكلمات من على الأرض ومن مستواها السطحي إلى مستوى أرقى وأعمق. أحياناً يدعوك الحدث للشروع في التفكير في خمس أو ست أمور في آن واحد، حتى تعجز وتبدأ فقط في استكمال القراءة.
إلى ذلك، فإن قوة الرواية تكمن في طريقة السرد التي يتبعها الكاتب في عرض الأحدث. يأتي بالنهاية من البداية، على طريقة الـ فلاشباك. ويقسم الرواية إلى أقسام غير مترابطة لكنها تقفز بالأحداث قفزات تتداخل مع بعضها في سياق واحد بسرعه معقولة تعطي النص قدراً كبيراً من التشويق وفسحة كبيرة للمفاجآت(التي تأتي مدوية في نهاية القصة).
رسالة لشخص مختلف
لكن القيمة الحقيقية للرواية بالنسبة لي هي هنا: في كل جزء من أجزاء الرواية ،وفي كل مشهد منها، هناك نقد للحياة الاجتماعية المعاصرة.
هنالك تهكم، وسخرية من الأوضاع الراهنة ومن الحياة العامة والسائدة تتفجر في وجه القارئ.
إنها رغبة -ربما- في التميز عن السائد ولو بطرق باب المحرمات، وانتهاك المسلمات البديهية في الذوق والسلوك العام. رواية "نادي القتال" تمدح الأنانية الشخصية حتى لو كانت غير مبررة أو غير عادلة.
هي تداعب أقوى رغبات الشخص في أن يكون نفســــَـه ويفعل ما يريد وما يحلو له بغض النظر عن عواقب هذا الأمر على المحيطين به والجو العام. بل، إنها تعزز الإحساس بالقوة والاستقلالية حال الانتهاء من فعل هذا الأمر غير الاعتيادي والمتعارف على أنه مخالف للذوق العام، ما دام يحقق الإنسان من خلاله ذاتــَــه. من دون أن يؤثر ذلك على نفسيته وإحساسه بالذنب. على العكس، هي مثل ذلك الذي يبدأ في فعل شيء كان يعتقد بأنه خطأ أو يهدد مستقبله أو حياته، من دون أن يؤثر ذلك عليه على المدى القصير. مثل من يغيب عن محاضرة في جامعة (مثلا)
ويأتي ليقول(غبت عن المحاضرة ولم يحصل شيء)
I missed a class and nothing happen
وكأن الذين كانوا يحذرونه من هذا الفعل هم على خطأ ولا يعرفون شيئاً.
الرواية تعزز الإحساس بأن خلاص الإنسان الوحيد هو في الثورة على السائد والقيام بــ"كل ما يحلو لنا".
وستجد بين السطور وعلى أسطح الفقرات احتفاءً وتغني بالكلمات يكشف عن استعراض كبير للرسائل التي تأخذ الرواية على عاتقها إيصالها وتقيم حفلاً كبيراً لأجلها. خلاص الإنسان من القهر والقمع الذي يعيشه ويزاوله في مجتمعه وروتينه لا يجده في الانصياع لكل ما يقترحه "الجمهور"، واتباع الموجه السائدة وعبادة مكونات الحياة المادية. الخلاص الوحيد هو في الداخل، هو في اعتزاز المرء بنفسه وشخصيته واختياراته في الحياة مهما أحس أنها مختلفة بغير ذريعه، ومهما نما إلى فكره أنه يسبح دائماً "عكس التيار" بدون أن يصل
.
هذه الرساله تعزي المجموعات البشرية النخبوية التي تريد الثورة على كل ما هو سائد من توافه الأمور، ولا تستطيع القيام بها. هنا قدر كبير من العزاء لهؤلاء الذين يعيشون وحيدين في هذا المجتمع وينقصهم "التواصل الفكري". هم مختلفون ولا يجب أن يعيشوا في هذا العالم. لقد ولدوا في زمان غير زمانهم.
"مقال نقد للرواية مقتبس من الانترنت"