كتاب (هند و العكسر) للكاتبة بدرية البشر ،هو من الكتب التي تحمل أسطرا غير راكدة بين ثناياها ،و نجم عن عدم الركود للأسطر وضع الكتاب بين أرفف الكتب العربية المثيرة للجدل،الجدل دخل في مسامات الموضوع بشكل كلي في الكتاب لإن الرواية المتضمنة فيه تتحدث عن وضع المرأة السعودية ، فقضايا المرأة هي أكبر صانع لمحركات النقاش، و يتزايد النقاش أكثر و يثير إهتمامات الأذهان إذا كان متعلقا بالمرأة العربية و تحديدا السعودية،فالمرأة التي من تأتي بيئة محافظة تظهر كمن إلتفت بالعباءة ، فيتساءل البعض إذا كانت العباءة قد غطت عقلها أم جسدها أم الإثنين معا ؟!
العباءة التي إكتست بها بطلة الرواية(هند) في لغة الرواية يبدو لنا فيها جمالا حريريا في الوصف ،فوصف المواقف الحزينة كسواد العباءة يخالجه نوع من حنو المرأة النجدية و جاذبيتها ،هذا الشجن الذي تمسك أيدي التقاليد بعباءته لتبقيها على رأس (هند) ،و ربما في رأسها،تلتحف التقاليد بالبطلة حتى في اللحظات التي تأتي فيها الرياح المختلفة القوية لتسحبها بعيدا عنها،و نلحظ الجمال أيضا في عيون البطلة ،و هي تتكحل في رسم ما إنعكس فيها عينيها من بصائص مشاعر و أحاسيس متعددة ،فمشاعرها تدفعها لترى الأمكنة التي جرت فيها أحداث قصتها بعذوبة أطياف فرح قادم،فصارت تهتم لتصاوير أناقة الأرض و السماء و ما بينهما و كأن كل ما حولها يتبع إحساسها ....
إنها(هند) التي أرادت حياة سندريلا و مغامرة ذات الرداء الأحمر،هي لذ لها أن تكون بطلة و لم يكفها خيالها فأخذت الورق و منحته الكثير منه،هي وجدت نفسها محتاجة أن تكتب بحبر خفي عن العسكر المحيطين بها ،حبر تراه كل العيون إلا أعينهم ،و لكنهم وصلوا لأوراقها و حاولوا إيقاف تسرب فكرها إليه ،فإذا بها تغير الأحبار و تعدد الأقلام و أيضا تغلف الأوراق بأسماء وافقت هواها و فكرها ،هي قامت بكل ذلك و هي على دراية تامة بإنهم يعرفون بأن الكلمات المكتوبة و المقرؤة تعود لها ،هي صارت تلعب معهم لعبة التخفي مع علمها بأن أسطرها مكشوفة ،هي إتخذت طرق المقاتلين في الحروب ، و حربها هنا مع العسكر،و العسكر هم أخيها إبراهيم و زوجها منصور و كذلك أمها و أبيها ،فرداء الأميرات في التعامل مع رغبتها لم يعد يستهويها ،هي غدت محاربة لعسكر كبرت معهم و معلنة لتمردها عليهم ،هي لجأت لحروفها لتكون سيفا لمقاومة ما رأته كتسلط من قبل أخيها إبراهيم و خذلان، و مهانة من قبل زوجها منصور، و قسوة التعامل من قبل أمها ،و حتى والدها تصورت بأنه كتف أطر حياتها لتوافق حياة سلبية ،و سار على نهجه أخيها فهد بتنصله من المسؤوليات ....
ترتفع عباءة (هند) قليلا و هي تفصح لنا عما في نفسها من قصص،و تأخذنا للأيام الفائتة من حياتها حينا ،و إلى ما تعيشه الآن حينا ،و إلى مخاوفها و خيالاتها أحيانا أخرى ،هي بلسان طفولي تدخلنا إلى بيوت الجيران لنرى نساء الحي و أحوالهن و تندرهن و جلساتهن ،و لتعد لنا ما حصل لنساء عائلتها من أمها و أخواتها و أيضا "عموشة"،و هي بهذا تخوض في الحديث عن مفاهيم مثل الحرية و إلغاء الطبقية و تبعات القبلية و مكانة العادات و التقاليد، و كأن فمها الصغير له القدرة على سرد ما كان دون حساسيات يخشاها الكبار،هي كالصغار تقول لنا ما رأته ،و من ثم تأتي لنا (هند) المرأة الناضجة ،فهي الطبيبة و الزوجة و الأم و أيضا العاشقة كما سيتضح لنا ،هي قارورة العطر القوية في زجاجها و في ثباتها لإن الظروف صقلتها على هذا الحال ،و هي التي إذا تم فتحها سكبت رذاذا ناعما في الأسلوب و مركزا بتميز في الفكر،فإذا بالفتاة الصغيرة تعود لتطل علينا مع إستفسارات منها عن الأقدار التي مرت بها و مر بها من عرفتهم ،فمحكات الحياة إشتدت عليها و عليهم فعادودتها الأسئلة التي سكنت ذهنها في صغرها حول الخالق و مخلوقاته، و كأن التعجب غمر أطراف أسئلتها تماما و صار يشاغب عيشها ....
مصائر العسكر إرتسمت معالمها مع إنتهاء مظاهر التنازعات ،فكل فرد من أفراد العسكر واجه مصيرا يكتنفه شبه بمنحى حياته و نلمح فيه همسات إختياراته السابقة ،فكأن الخيارات دين على من إختارها للأيام يجب أن يرده في يوم من الأيام ،و ردة فعل الأيام تكون حسب إقتناعها بحجج المستدين ،فهي إما أن تطالبه بالدين كاملا ،و إما أن تسقط عنه شيئا منه نظرا لأعماله اللاحقة ،و إما أن تعفيه من كل الدين لتمكنه من فهم لعبة الحياة ،و أما (هند) فهي عاهدت نفسها على نيل أحلامها ورقيا و حلميا و واقعيا ،إنها الحالمة بواقع أفضل ...
كتاب (هند و العكسر) للكاتبة بدرية البشر،فيه إمرأة نجدية تحاول أن تجد طريقها وفق قناعاتها بنبضات طفولية و بخطرات ناضجة !