أبدأ قراءتي للكتاب بما ختم به "فرويد" كتابه، وهي أبيات شعرية من مقامات الحريري التي نقلها "مستشرق" للغة الألمانية:-
{تعارَجْتُ لا رَغبَةً في العرَجْ .. .. ولكِنْ لأقْرَعَ بابَ الفرَجْ
وأُلْقيَ حبْلي على غارِبي .. .. وأسلُكَ مسْلَكَ مَن قد مرَجْ
فإنْ لامَني القومُ قلتُ اعذِروا .. .. فليسَ على أعْرَجٍ من حرَجْ}
لمست في ختام كتابه نوع من "التلطيف" لعرضه الشيق، المثير والخارج عن المألوف كالعادة .. .. يقول أيضاً:-
{فلقد يسأل سائل إلى أي حد وصل اقتناعي أنا بصحة الفروض التي ذهبت إليها في الصفحات السالفة. وعن هذا أجيب باني أنا نفسي غير مقتنع، وأني لا أعمل على إغراء غيري من الناس بالإيمان بتلك النظريات. أو بعبارة أدق، إني لا أدري إلى أي حد يبلغ يقيني منها}
فهو يقول أنها نظرية تستوجب ذلك "الحياد العقلي" اللازم للتحرر من الأفكار السابقة والأهواء العميقة في النفس التي قد تؤثر على مسار التأملات
***************
ما فوق مبدأ اللذة، هذا هو عنوان الكتاب لكن ما هو هذا الشيء الذي فوق مبدأ اللذة؟! .. إنه الجنون المطلق يا من تقرأ هذه السطور ولفهم ما يرمي له "فرويد" يجب تسطير بعض الأشياء أولا
1- قسّم "فرويد" الكيان النفسي للإنسان لثلاثة أقسام:- الهوى، الأنا و والأنا الأعلى أو المثالي .. .. باختصار شديد أحب ألخص هاتي الأقسام الثلاثة بجمل بسيطة
يكمن تشبيه الهوى (اللاشعور) بالفرس، فهو يمثل الجزء الحيواني، الشهواني، الأناني من الذات وإن ما يكبحه هو الفارس المتمثل هنا في الأنا (الشعور) التي تعبر عن القيم والأخلاق التي تتحكم في الهوى وتجعله يتماشى مع الواقع وقيم المجتمع المحيط والأنا الأعلى هو ببساطة شديدة ضمير الشخص
2- كما هو معروف "فرويد" هو سيد اللاشعور، عندما يتم ذكر هذه الكلمة دائماً ما يخطر ببالي ساحة حرب وصراعات شديدة بحكم أن "فرويد" دائماً يوضح ويشرح ويستنتج نظرياته نتيجة تعامله مع مرضى نفسيين .. .. اللاشعور هدفه هو تحقيق وإشباع لذة ولكن "الأنا" دائما يقف بالمرصاد له ويحدث ما يمكن التعبير عنه بالكلمة الشهيرة "الكبت" ولهذا دائماً هذان القطبان في صراع دائم والمتنفس الوحيد للهوى أو "اللاشعور" هو الأحلام وقد أفرد "فرويد" لهذه النظرية كتاب شيق بعنوان تفسير الأحلام
3- الأحلام هي مرآة اللاشعور كما أسلفنا وهدفها هو إشباع الدوافع المكبوتة، وكل إشباع هو لذة
لاحظ "فرويد" ظاهرة غريبة تحدث (للمرضى) وخصواً الجنود الذين يعانون من عصاب الصدمة بعد رجوعهم من الحرب وهو "تكرار" الأحداث المؤلمة التي حدثت معهم سابقاً في أحلامهم، وتساءل "فرويد" أية لذة ممكن أن تنتج عن تكرار هذه الأحداث المؤلمة في الأحلام، وكان الإجابة هو وجود دافع غريزي قوي يؤدي لهذا التكرار الإجباري وهو إجابة ماذا يوجد فوق مبدأ اللذة؟ والإجابة هي غريزة الموت
قسَّم "فرويد" الغرائز إلى نوعين غرائز الحياة والحب (سمَّاها أيضاً بإيروس) أي غرائز المحافظة على الحياة .. .. وغرائز الموت التي تهدف للهدم وإنهاء الحياة، وهذه الغرائز عندما توجد في أشخاص غير أسوياء فإنها تتجه للخارج في صورة عدوان وتدمير للنفس والغير وهو ما وجده تفسير منطقي لظاهرة السادية والماسوشية
شرح "فرويد" غريزة الموت وربطها ببعض نظريات علم الأحياء، وجازف في افتراضه أن "مبدأ اللذة " غريزة الحياة من الممكن أن تكون أيضاً في خدمة غريزة الموت ولكنه يقول أنه مجرد فرض بحاجة للصبر والتطور العلمي لإثباته أو دحضه
***************
القراءة "لفرويد" على المستوى الشخصي ليست بالأمر السهل فالتركيز أمر مهم جداً أثناء قراءة للفهم، يتكلم عن أمور تثير العجب لأنه فكَّر فيها بهذه الطريقة واستنتجها، ويتكلم عن أمور أخرى تجعلني أُشَكِّك في سلامة عقله أي أنها قراءة تجبر على التفاعل .. .. بالمجمل القراءة له ممتعة ومتعبة للدماغ وهو أمر سليم جداً لأني وإن لم أوافقه في عرضه فإنه وبدون قصد منه ساهم في حصولي على جلسة تمارين مكثفة ومجانية "ماديا" على مستوى الدماغ التي من الممكن أن تساهم في الوقاية من الخرف في يوم من الأيام .. .. فتحية لهذا المجنون
.
ملاحظة:- مابين {...} مقتبس من الكتاب