الحمدلله أنها انتهت!!، نعم أنهيتها بسرعة .. الرواية، كنت أتمنى ألا تنتهي ولكن أردت لهذا القتال أن ينتهي، أن يتوقف شلال الدم النازف باسم الإله، حبا بالانسانية بالأمهات الثكالى، بحسرة الآباء، وقهر الأبناء، أنهيتها كي لا يمتلئ هذا الدفتر بالمزيد من الأسماء والأجساد والأشلاء، حبا في الحياة أردتها أن تنتهي.
مؤلمة جدا الرواية أوجعت قلبي يا سنان، يقدر ما توجعني رؤية العراق على هذه الحالة، العراق الذي غنيت له مع جيراني، مع أصدقائي، مع أناس لم أعرف طائفتهم ولكن أعرف أنهم من العراق، وممن أحب العراق ..
"جنة جنة جنة تسلم يا وطنا، يا وطن يا حبيب، يا بو قليب الطيب، حتى نارك جنة"
لم تأسرني رواية كما فعلت هذه الرواية، مذهلة بكل تفاصيلها، بسردها وتناغمها، بساطتها وعاميتها بموتها وحياتها.
الموت زمان كان يختلف عن الموت هالأيام، فعلا، أدمن علينا الموت في زماننا حتى كأن هوساً قد أصابه. يرافقنا في كل يوم، بل في كل ثانية. لم اتخيل أنني سأعيش حربا في يوما ما من حياتي، غادرت الكويت قبل الحرب بأيام قليلة، وقلت في نفسي "الله بحبني"، ومرت السنوات حتى استقر بي الحال في بلد، تنازع فيه الجميع، وعشت حربا أعادت في نفسي السؤال مرة ثانية ولكن بصيغة أخرى .. " هل حقا كان الله يحبني " بالرغم من كل الظروف التي أحاطت بي وقتها، لم أفكر بمغادرة مكاني أبدا، كنت أردد ما قاله الحجي: وين نروح؟ إذا الله يريد ياخذ أمانته ياخذهه هنا.
نعم قلتها عدة مرات .. هاي مو أوّل حرب، بس إنشالله آخر وحدة :(
كنا نستقبل الحروب كمن يستقبل زائرا يعرفه تماما، كنا ننام بملابسنا العادية وغطاء الرأس موضوع ليل نهار، نستقبل الموت بكامل حلتنا، في جو من الرومانسية على ضوء الشموع!!
نعم في الحرب يتجمع الكل في مكان، نأكل سوية، ننام سوية، حتى الحمام نذهب إليه سوية، حتى إذا حانت الساعة نذهب سوية، كما كنا نقول" الموت مع الجماعة ..رحمة"
أصبح السيناريو واحد في كثير من البلاد.. إنها الحرب!! الحرب التي تخطف منا أعز ما نملك، ليرحلوا فتصبح الاماكن من بعدهم فارغة شاهقة الحزن، كلما غادر أحدهم أحدث في القلب ثقبا أحاله غربال تعبر من خلاله الذكريات وتنسل من ثقوبه الدمعات. فيصبح صورة معلقة على جدار القلب.
حتى الأماكن كلما مرت بنا، كانت شاهدة على أعمارنا وأحبائنا، نقف عندها، نودعها بما يليق بأفراد تركوا في القلب غصة.
إلى متى يا الله سيبقى هذا الاقتتال .. الطائفي والحزبي يتناسل ويتشعب، يفتك بالبلاد ويشرد العباد .. ؟؟ !!
رائع سنان أتيت على كل هذه التفاصيل ببعد انساني ورشاقة، وتنقلت بينها بخفة وأضفت إليها العامية لتزيدها جمالا. لم تكتب العراق فحسب، بل كتبتني وكتبت البلاد كلها.
اول قراءة لسنان أنطون ولن تكون الاخيرة بكل تأكيد.