"كان يعلم أنه يهوي.. ويهوي بسرعة.. ولكنه لم يكن يستطيع إلا أن يترك نفسه للهاوية!"
دعني استهل بإقتباس من رواية "روساريو"، أحب دائماً أن أشير له في الروايات عن الحب والعلاقات وما شابه، يقول "خورخي فرانكو":
"الحب يفتك بالمرء، ويرهبه، ويحط من قدره، ويمرغه في الوحل، ويُخدره!"
كان الأستاذ في حاله، يعيش اليوم بيومه، حياة عادية لا مُميز فيها إلا التقدم الوظيفي الأكثر من متوسط، حتى أتاه الحب، عصف به، وأذاقه ليال طوال من المرارة، من الانتظار للمجهول، والخوف منه، يناجي حبيباً لا يعرف بوجوده، ويتمنى أن يُبادله النظرة حتى، وفجأة يختفي ذلك الحبيب، بلا مُقدمات، يزداد صفار جلده إصفراراً، ويزداد شحوبه، وضعفه، فها هو قد أصبح يُحب شخصاً لا يراه ولا يعرف عنه شيء، كأنه أحب السراب. ولم يستطع أن يتوقف عن حُبه.
"لم يشعر أبداً بالفقر إلا اليوم.. إلا هذه الساعة.. عندما عرف أن أحلامه التي عذبته وأضنته وأنهكت قواه، يستطيع غيره أن يُحققها لأنه يستطيع أن يدفع ثمنها.."
ويظهر الحبيب فجأة كما اختفى فجأة، ولكنه يحمل معه معاناة هائلة، للخوض في دروب الحب والحياة، ذلك الشقاء الذي علينا أن نُعانيه، طالما اخترنا تذوق شهد الحب، فلا بد من أن تشرب علقمه أيضاً، الحب يفتك بالمرء حقاً، حتى لو كان حُباً سعيداً مُتبادلاً.
ونتأمل ذلك الخيط الرفيع في العلاقة بين الأستاذ وبين الحبيب، يدعي الكاتب "إحسان عبدالقدوس" أن هناك خطاً رفيعاً يفصل بين الحب والتملك، ويناقش أن الحب ليس تملك، فالحب من الإنسانية والتملك من الحيوانية، وربما اختلف معه بعض الشيء هنا، رغم أنني أتفهم هذه الفكرة من منطلق الرواية وأحداثها، فالكل هنا ضحية، والحب لم يطله الأستاذ، والتملك لم تطله الحبيبة، ومن قال أن في الحب تنل كل شيء؟ ومن قال أن في الحياة تنل كل شيء؟
ختاماً..
رواية قصيرة تغوص في ثنايا الأشخاص، ونقلها الكاتب "إحسان عبدالقدوس" بإتقان ودقة، ورغم أنه العمل الثاني فقط الذي أقرأه للكاتب، ولكني، أصبحت أحب كتابات هذا الرجل وسأتطلع لأقرأ له بشكل أكبر، فعلى الرغم من أنك قد لا تتفق مع أفكاره، لكنك تظل مُهتماً بما يُقال ويحدث، من شخصيات وأحداث. الفيلم المُقتبس شهد تغيير كبير في هيكله، وأن كانت الفكرة واحدة، وأظن أن الرواية نجحت في أن تكون حيادية بين الطرفين، على عكس الفيلم، الذي إنحرف كثيراً عن الحيادية ومال لطرف على آخر.