كتاب (الباذنجانة الزرقاء) للأديبة ميرال الطحاوي، فيه قصة فتاة بلغ التهميش بها إلى تسميتها ب"ن"، و لم يكن إختيار هذا الحرف عشوائيا أو على سبيل الصدفة، فللحرف مدلول طبقي راقي بحكم إنه يصدر من الأنف كما تصور أهلها ، و بهذا فإن الفتاة قد تم إعدادها لتشق طريقها كالنبيلات و الأميرات ،و إن كانت ملامحها التي ولدت بها شاكست هذه الصورة أغلب الوقت .
ف"نون" تفضفض لنا عما يسعدها و ما يضايقها و ما يشغلها و ما يهمها ،و هي تلجأ لوصف غيرها لها ،هي تعول على كلمات أهلها و صديقاتها و من حولها ،و هي تعبر عن خواطرها،هي تنظر لردات فعلهم من بعد فراغها من أفعالها ، هي تحدق بأقوالهم من بعد إنطفاء أقوالها،هي تترقب معرفة وجهات الرأي التي عندهم حتى قبل أن تكون رأيها ، هي تراهم كالمرآة ، و هي تقف و تجلس أمام هذه المرآة بتمعن معظم ساعاتها ، و تعرض عليها ما يحدث لها من مواقف ،و تحولها إلى حكم في حياتها .
فثقتها بذاتها تهتز للغاية كلما توجهت للمرآة ، و إنعكاسات المرآة تتغير حسب توجهات اليد الممسكة بها ، فعندما تمسك بها أمها و جدتها نلحظ التركيز على العادات و التقاليد ، و عندما تمسك بها يد أبيها نجدها مازحة و هي تقترب منها، و أيضا سارحة في تسويغ عالم التمني لها ،و عندما تمسكها يد معلمها تلسعها و تطبطب عليها قفشات التشجيع و التأنيب ،و عندما تتلاعب بها أيدي صديقاتها نشهد مشاغبات و مفارقات بهدف تارة و بلا هدف تارة أخرى،و هي تغير من مظاهر توجهاتها كلما تغيرت اليد التي تقف وراء المرآة .فسايرت القيم المجتمعية و عارضتها ، و واكبت الحداثة و رفضتها ، ومن ثم أرادت أن تكون متدينة ، تسحرها السياسة لفترة ثم تأنفها ،و بعد ذلك عاودها الحنين لطفولتها ، فهي تفصل بين هذه الأطياف أحيانا و تجمع بينها أحيانا أخرى.
هي رسخت رؤيتها لنفسها ك"باذنجانة زرقاء" ، فهي ترى بإنها دميمة الشكل ،و لا تحسن التصرف ،و ظلت روحها عالقة في هذا النسق الشكلي الذي وضعت فيه ذاتها ،و لكن هنالك حفنة خيال حالم تقتحم خواطرها ، و تكتب ما يراودها من شوق لإن تغدو أميرة، ففي حكايا الصغار تتحول البطلات و في سرعة مذهلة إلى أجمل الأميرات ،و لذلك هي تترقب تلك اللحظة حتى مع تنهدات اليأس المحيطة بها ،هي توجهت لسبل عديدة لنيل مرادها، فبحثت عن فارس ينقذها ، و غطت نفسها بالآمال ، و خزنت ما بها من ألم ، و أطلقت العنان لتجاربها ، فهي و بكل ما فيها من هيام بفكرة أن تكون أميرة، قامت بإحضار علب دهان وفيرة من المحاولات لتطلي بها إزرقاق جسدها و روحها ليعم البياض عالمها .
كتاب (الباذنجانة الزرقاء) للأديبة ميرال الطحاوي، تتحدث فيه أنثى ما عن آثار النفس حينما تنعكس على الجسد ،و علامات الجسد حينما تشكل ما في نفس !