بعض الكتب حين ننتهي منها تجعلنا نختنق جداً لفرط قبح هذا العالم، والمسكون في لُبه الوحشية. فأسوأ ماقد نراه في عالمنا هذا اليوم أن يكون الإنسان خالياً من الإنسانية. كمثل مايحدث في العالم الافتراضي " التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية والصحف " مصورين لنا الحياة المثالية التي تجعل بأنّ الحياة مستمرة ومحاولة تكذيب الواقع وكأن في الأرض لا شيء قد اهتز وحدث من دم ودمار. وبين الواقع الحقيقي الذي يعكس في المجتمع تأثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية في محاولة اسقاط هذه العوامل لتشكل مجموعتين متحاربتين خاليتين من أي مشاعر انسانوية.
فكما يقول جوزيه ساراماغو:"القسوة اختراع بشري، الحيوانات لا تعذب بعضها البعض، نحن نفعل ذلك، نحن الكائنات القاسية الوحيدة بالكوكب."
في كتاب ممدوح عدوان يشرح لنا عن النفس البشرية بكل تفاصيلها وعن أسباب توحش الإنسان وانسلاخه من الإنسانية من خلال ظاهرة القمع وتحول الإنسان إلى سلعة في ظل قوى قامعة لإرادته وآرائه وتسلط أولئك الذين يحاولون أن يفكرون عن الشعب ويتصرفون بمصائرهم وكأنهم الأفهم والأحرص على مصالح الوطن والشعب وذلك حرصاً منهم لغاية وهدف في توريط الإنسان الأعزل الذي لاحول له ولاقوة أمام تلك السطوة و التجبر.
في الكتاب يصور لنا ممدوح واقعنا اليوم التي أصبحت غالبية البلدان تشكو من الأنظمة القمعية الفاسدة وحيونتهم تجاه المواطنين من خلال إذلال الشعب في مطالبة حقه و سحق الكرامة والانتقاص من طائفة و تدمير الحضارة بهدم كل الوثائق والشواهد.......وغيرها من المشاهد المخزية.
وجه مخيف يخبرنا أن لا حدود للتوحش الذي يسكن في النفس البشرية.
التوحش الذي يكاد يفوق توحش الحيوانات بمراحل. فالحيوانات لاتفتك بفريستها إلا من أجل غريزة البقاء بينما الإنسان المتوحش يفتك بالإنسان بسبب الحقد والكراهية والنظرة المتعالية التي تقول إذا أردتم أن تعيشوا آمنين بسلام اعبدوني في تخصيص منه لِ نفسه بأنه " الله ". فكما يقول نزيه أبو عفش في أحد النصوص له:
" كزوبعةٍ مجنونة تلفُّ مدارات الأرض كلها:
القلوبُ تفرغ من الحبّ ..
والضمائرُ من الرأفةْ ..
والأرحامُ من غصّةِ الإنسانْ . "
يحتوي على الكتاب ١٨ مقالاً ويحاول الكاتب من خلال هذه المقالات مناقشة مختلف القضايا من وجهة نظرة الجلاد و الضحية.
ما ميّز في هذا الكتاب ثقافة الكاتب واطروحاته ببعض ما قراه عن العنف و توحش الإنسان مقتبساً بعدة كتب وكتّاب. اضافة إلى اللغة السلسة التي لم تكن صعبة على القارئ أبداً.