يحدث أن تمر المرأة بمرحلة تحفها التساؤلات حول حياتها، و قد تمر بها في العشرين أو الثلاثين ،و إن كانت تتضاعف في أربعينياتها و ما بعدها ،فتسأل نفسها عن كينونتها و عن سبب وجودها ،فتقول مثلا :"ما الذي أفعله هنا و الآن؟" ،و "هل أنا مهمة؟هل سيشعر أحد بغيابي إذا قررت الرحيل؟" ،و "ما الذي يريده الناس مني ؟و من هم الناس أولا؟" ،فالمرأة بعد أن تقضي أعواما و هي تغدق من حولها بالعطاء و تحاول جاهدة أن ترضيهم ،نراها تتوقف متحيرة و هي تعبر عن نفسها متسائلة:" هل أنا سعيدة؟هل من ضحيت من أجلهم سعداء معي أو بدوني؟ هل أنا أنانية لأنني أفكر في هذه الأمور؟" ،و كلما إنهمرت السنوات و هي تمضي بتغييراتها عليها، تتعجب المرأة و تسرح بتصوراتها عما كان ممكن أن يكون ،فتذوب تنهداتها في أسئلة كهذه :" هل أتزوج أو لا ؟ولماذا؟ هل العمل يحدد هويتي؟ ماذا كان سيحصل إذا إخترت تخصصي الدراسي و إن لم أختره؟من أنا إن لم أكن أما أو زوجة لشخص ما أو إبنة شخص ما أو إنسانة عاملة ؟ هل حياتي ينبغي أن تدور حول الآخرين و ماذا عني؟" و أحيانا تتدارك ذاتها قائلة :"و ما الذي ستغيره تساؤلاتي ؟ هي بوح لنفسي عن نفسي ،سأسكت نفسي و أكتفي " ،و أحيانا تستقوي عليها تأملاتها فترد عليها كالتالي :"سأحولك يا خطراتي إلى نبضات في حياتي" .....
كتاب (زينة الحياة) للكاتبة أهداف سويف ،سعى لمعالجة هذه التساؤلات الأنثوية و هي محاولة هامة ،فهي تساؤلات أرقت النساء كثيرا و غالبا كلما أرقتهن كتمنها أكثر،و لإن المعالجة أتت بمقاربة قصصية نجدها إتسمت بأسلوب الكر و الفر في السرد ،و كأن شيئا من الكلام حذف أو هو ينتظر أن يقال و إن لم يقال ،و هي لمسة نسوية للغاية في الحديث ،و هي توحي بأن أبلغ ما سيحكى هو مدفون بين الأسطر لمن أراد يسمع كل الحكايات ، ربما يتصور البعض بأن هذه اللمسة السردية تسربت للنص لأن من خطته إمراة و لكن الأستاذ جابر عصفور في مقدمته للكتاب أشار إلى أكثر من ذلك،فمقدمته التي لم تكن فقط لإستهلال الكتاب و قصصه بل أيضا حملت نقدا له ثقله و وزنه للكتاب و مؤلفته،فالناقد تحدث عن الكتاب و قضيته و هي المرأة، و عن إسهامات الكاتبة الثقافية و دورها في مناصرة المرأة على كل الأصعدة و تحديدا حول الإنتهاكات الجسدية التي تمر بها بعض النساء ،و المرأة هنا لم تكن المرأة الشرقية فحسب و إنما المرأة الغربية أيضا و غيرهن من النساء كما نوه الناقد،و هذه ميزة للتناول القصصي في الكتاب فهي أدت إلى تلون صفحاته بنثرات عقول و قلوب لأطياف من النساء ،فهذا الكتاب يعنى بالمرأة كما يظهر من إسمه و ما يتضمنه من لمحة دينية و لمحة مجتمعية و لمحة جمالية .....
فالمرأة كانت حاضرة دوما في كل قصة من قصص الكاتبة ، و حتى في القصة التي كان بطلها رجلا سنلاحظ بأن روح الأنثى هي التي كانت تحرك قلقه،فالتلميح في صياغة الأحداث لم يقلل من الحضور النسوي في تلك الحكاية بل وهج التأثير الأنثوي فيها على الرجل و بقوة ،و قد جاء هذا الحضور على هذا النحو في قصة ربما تعد الأكثر ترقبا من قبل المتلقي ،و ربما الأشد رفضا منه،فهي قصة عن أسارير شاب إتصفت حياته بالتدين و إتباع الأعراف المتداولة في مجتمعه ،و هو لطالما قاوم المغريات التي صدها و حاربها،فإذا به و قد ضعفت حيلته أمام معضلة نزوة واجهته ،و هو أكثر من إستهجنها ،و ظل يحارب ما أتى عليه حتى إستقر على حل كان يعارضه !
و بالنسبة للغة الكتاب ،فمع أن اللغة الأصلية للنصوص القصصية كانت اللغة الإنجليزية و ليست العربية إلا أن الترجمة وافقت رؤية الكاتبة ،فالمفردات و الصيغ التي إنتقاها المترجمون كانت تسير مع تمتمات القضية المرجوة للمرأة و حسها بلباقة و رقي ،و كانت تعرج على ألفاظ وصفية تلامس خلفيات أشخاص الحكايات و هي نسائية الصوت مع تنوعها ،و كانت تنقل ما باحت به اللغة العربية لبنات حواء من تلطف خالطه تغزل طفيف ،أما فيما يخص تقسيم الحكايات ،فبالرغم أن هذه القصص نشرت متفرقة و في أوقات مختلفة ولكن قلبها الرئيس يدق بدقات متوافقة حول أوضاع المرأة ،و تمنيت لو أن المؤلفة أطرقت الحديث أكثر في قصصها لإني أرى أن كل قصة منها إذا إمتدت ستشكل رواية رائعة ،و ربما الكاتبة أرادت أن نشعر بهذا الجانب الروائي دون أن تمنحنا إياه كاملا ،لعلها أرادت أن تعطينا جمالا يبحر بأنسنا لمنتصف الطريق لكي لا نصل لحد الإرتواء،جمال يعود علينا بظمأ للمزيد منه !
كتاب (زينة الحياة) للكاتبة أهداف سويف،تصعد فيه المرأة على خشبتها الخاصة بها لتتولى عباراتها تمثيل كل ما فيها و ما مر عليها دون إعتراضات !