إن الكتب تتعاقد مع أقدارنا ، هذا ما أؤمن به وأعيشه، قرأت رواية ( غايب ) للعراقية بتول الخضيري ، قرأتها بعد الاحتفالات الكاذبة بالطفولة ، بعد تبجح عالمي واحتفالات جوفاء ، وجرائد ملعونة وثرثرة بلهاء عن الأطفال والبراءة والحب والسلام ..
قرأت ( غائب ) فانحشر الشوق والذكرى في زاوية ضيقة جدا ، كنت مستأسدا فإذا العالم الأسود يخنقني في زاوية حادة ، تحشرني الآهات والأحزان البغيضة ..
بتول تحدثنا عن الحصار - الحصار الذي كنا طرفا فيه وتدنست أيدينا به وسطره التاريخ علينا - ، تحدثنا بتول عن الدمار ، عن أطفال العراق المفرومين بالحروب، و الأوبئة ، والجهل ، تصك جباهنا بكفها لنرى الدماء البريئة ، والأطراف المبتورة ..
تحدثنا عن الجهل والجشع ، البشر والحشرات ، العسل والدماء ، الحب والخيانة ، الوفاء والخذلان ، ..
الرواية جميلة، مدهشة ، لغتها بسيطة وسلسة ، مطيّبة بلهجة عراقية لذيذة ، لكن بعد منتصف الرواية شعرت بأن الوهج خفت قليلا ، توظيف النحل والعسل في العمل كان موفقا ، إلا أن الإغراق في المعلوماتية أساء للبنية السردية ، الأحداث الأخيرة لم تكن مبررة بشكل جيد ، مثل موقف عادل المخبر ، وسعد المتعاون معه للتحري عن أم مازن ، لم تستغل مشاعر دلال المخدوعة والمنتهكة بشكل جيد .
الفصول الأخيرة للرواية لم تكن بقوة الفصول الأولى ، غير أن قفلة الرواية كانت موفقة .
- هيا سأعطيك الدرس الأول .
سحبته من يده وقدته حتى الكرسي :
- اجلس. هكذا نبدأ .
تناولت قلماً وورقة :
- ردد بعدي .. ألف، باء، تاء