من النهضة إلى الردة
إنها العقدة العربية التي نشأت من الصدمة الحضارية التي فاجأهم بها الاستعمار الحديث في القرن التاسع عشر بعد أن تسيدوا العالم لفترة طويلة ثم تكأكأت عليهم الأمم كما يلتف الأكَلة إلى القصعة إلا أن الأكَلة كانوا دائما من المسلمين و القصعة كان لا يزال حولها متسع.
يبني جورج طرابيشي كتابه من عشرة مقالات تتناول تصورات المثقفين العرب للنهضة. كيف تتحقق و لماذا تأخرت و هل كنا أصلا متقدمين فتخلفنا أم نحن ما زلنا نبحث عن نقطة البداية.
منطلقا من مقولة لفرويد تنظّر لبداية النهضة بحدوث انقلابات ثلاثة في حياة البشرية في العصر الحديث و هي الانقلاب الكوبرنيكي عندما أثبت كوبرنيكوس أن الأرض تدور حول الشمس لا العكس و بالتالي فإن الإنسان ليس مركز الكزن و لا محوره و إنما جزء منه و الإنقلاب الثاني هو الإنقلاب الدارويني الذي أتى مع نظرية داروين التي تقول أن الإنسان انحدر من أصل حيواني و لم يخلق بالطريقة المميزة التي وردت في التوراة خلقا مباشرا إلاهيا و الإنقلاب الثالث هو الإنقلاب الفرويدي نفسه و الذي يقول أن القرارات البشرية لا تنشأ في الوعي الذي طالما افتخرنا بامتلاكه و إنما تطبخ و لفترات طويلة في اللاوعي على نار هادئة و يظهر تأثيرها في الوعي عند اللزوم. يضيف طرابيشي انقلابا رابعا أصاب العرب ألا و هو الغزو الاستعماري في القرن التاسع عشر.
المقال الأول عن قاسم أمين الذي تصور أن البداية يجب أن تكون بتغيير وضع المرأة و يستعرض فيها انقلاب قاسم أمين على نفسه في كتبه الثلاثة التي ألفها و تغير فيها رأيه من النقيض إلى النقيض. اتفقت معه في رؤيته و ان اختلفت كثيرا في دوافع قاسم أمين لتغيير رؤيته لوضع المرأة في الإسلام.
المقال التالي عن طه حسين و سؤال مستقبل الثقافة ثم مقال عن الآخر في التراث العربي فمقال عن فلسفة نجيب محفوظ يكاد يكون تلخيصا لكتاب جورج طرابيشي نفسه عن نجيب محفوظ ثم يتعرض أخيرا لرؤية عدة مثقفين عرب للغرب و النهضة و العولمة.
من أهم الفقرات التي أعجبتني في الكتاب فقرة يتحدث فيها عن أن المغول في هذه المرة آتون من الداخل لا من الخارج في إشارة إلى الأصوليين و ا��عسكر. ثم تلك الفقرة عن تصوره للبرنامج الزمني للتحديث الفكري اللازم قبل حدوث النهضة:
و إذا أجزنا لأنفسنا ضربا من الإستباق للتحقيب المستقبلي فإننا نتوقع أن تتوالى عملية التحديث التراثي على مدى نصف القرن الجديد. أما النصف الثاني من القرن الحادي و العشرين فنتوقعه محلا لتحديث لاهوتي ثم فلسفي.
تحديث لاهوتي يحرر النص من النص.
و تحرير فلسفي يحرر العقل من النص.
في الحقيقة هذا كلام منطقي جدا و تصور أقرب للحقيقة و لكنه محبط لكل من يتطلع إلى التغيير في وقت قريب و لكن لا مفر من الإنتظار.