… وأما فكرة الصوفية في القطب والأبدال، فهي أن الصوفية كما تأثرت بالإسلام تأثرت أيضًا بتعاليم الفلسفة، وخصوصًا الفنوسطية والأفلاطونية الحديثة، وخلاصتها أنه في القرن الثاني الهجري حينما ترجمت كتب الفلسفة إلى اللغة العربية اندس من بعض الجهات أو تسربت فكرة من الأفلاطونية الحديثة من مثل نظرية الفيض الإلهي والفناء في الله، وتأويل آيات القرآن بالرموز المعنوية، فهم إذا سمعوا قوله تعالى مثلًا: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَـٰنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾، أولوها بأن لها تفسيرًا باطنيًّا هو أن المرسلين الثلاثة هم الروح والقلب والعقل، وأن الاثنين الأولين هما الروح والقلب وهما اللذان كذبوهما، وأن الثالث هو العقل كالاعتقاد في نظرية الفناء في الله، وشرطهم أن الإنسان يجب أن تتلاشى شخصيته، وينعدم شعوره بوجوده كالذي قال: «دعني أفنى كما تفنى الأنغام في العود، فإننا إليه نعود»، وهم يدعون إلى فناء الفرد في الذات الكلية الإلهية، ولا يستطيع المكان ولا الزمان أن يحد هذه الذات المتناهية، وللمريد درجات في الفناء يترقى إليها شيئًا فشيئًا، ووسيلة ذلك عمق التأمل، وبعبارة أخرى المراقبة الدقيقة لحالات النفس، وينتهي به ذلك إلى
غاية هي أن يصبح المتأمل فيه شيئًا واحدًا، وهذا هو التوحيد الصحيح.
هذه النزعة وأمثالها هي بعض نزاعات الصوفية، وبعضهم يرى أنها لا تتنافى — بل يجب أن تكون— مع التزام الشعائر الظاهرة من صلاة وزكاة وصوم وحج، وبعض الفرق يرى أن هذه الشعائر الظاهرة ليس إلا وسائل لغاية، فمتى حصلت الغاية فلا لزوم لها وأن من حق الصوفي أن يتخطى كافة النواميس الخلقية، وأن يخرج على العرف الاجتماعي.على كل حال اندَسَّ إلى الشيعة الصوفية معًا بعض هذه التعاليم، وتلاقيا في بعض هذه المظاهر فكما اعتقد المهدية في المهدي واختفائه وخروجه؛ ليملأ الأرض عدلًا اعتقد الصوفيون أن هناك مملكة روحانية منظمة تنظيمًا دقيقًا، وهي وراء هذه المملكة الظاهرة، كما اعتقد الشيعة أن لهم أئمة غير الأئمة الرسميين من أمويين وعباسيين وغيرهم، وسمى الصوفية رؤساء هذه المملكة بأسماء خاصة كالقطب والغوث والأبدال، فالقطب يمثل الإمام أو الخليفة وهو على رأس المملكة الروحانية، وأحيانًا يسمونه قطبًا وأحيانًا غوثًا، فإذا سموه قطبًا فباعتبار مركزه في المملكة الروحانية وأنه على رأسهم، وإذا سموه غوثًا فباعتباره ملجأ الملهوف، وقد عرفوه بأنه موضوع نظر الله في كل زمان أعطاه الله الطِّلَّسْمَ الأعظم من لدنه، وهو يسري في الكون سريان الروح في الجسد وبيده قسطاس الفيض الأعم، وهو يتبع علمه وعلمه يتبع الحق وهو يفيض روح الحياة على الكون ومرتبته تسمى القطبية، وهو باطن روح الحياة على الكون ومرتبته تسمى القطبية، وهو باطن روح النبوة ولا تكون القطبية بعده إلا لورثته، وليسوا ورثته لصلبه ولكن ورثته ممن يستحقون هذه الولاية، وله في المملكة الروحانية نواب يسمون الأبدال، كل إقليم له بدل خاص يشرف على شئونه، وهكذا رسموا معالم هذه الولاية الروحانية، وقسموا أعمالهم وقالوا: إنها لروحانيتها معصومة كعصمة الأنبياء والأئمة، وهاموا في ذلك ما شاء لهم الخيال، فهم يضعون الخطط للعالم الظاهري؛ ليفعل ما يفعل ويترك ما يترك فسموا كثيرًا من كبار الصوفية بقطب الأقطاب والقطب الرباني ونحو ذلك.وسموه أيضًا بمجمع البحرين؛ لأنه يجتمع في بحر الوجوب والإمكان، وتجتمع فيه الأسماء الإلهية والحقائق الكونية إلخ … فكم من القرب بين تعاليم الصوفية وتعاليم الشيعة في هذا الباب، وكذلك بين تعاليم الصوفية وتعاليم المهدوية.
المهدي والمهدوية
نبذة عن الكتاب
يتناول هذا الكتاب فكرة المهدي، وهي فكرة ميتافيزيقية لها عمق في التاريخ البشري، وتوجد في ثقافات عديدة، وتقوم هذه الفكرة على مبدأ الخلاص، حيث يستقر في وجدان وعقل من يؤمن بها أن هناك من سيأتي آخر الزمان ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعد أن ملئت جورًا وظلمًا. ويناقش أحمد أمين في هذا الكتاب التطور التاريخي لهذه الفكرة في المنظومة الحضارية الإسلامية، وما يميز الطرح في هذا الكتاب أن مؤلفه لم يقتصر على تناول الفكرة في بقعة جغرافية ضيقة، لكنه تناولها في بقعة جغرافية فسيحة تمتد من بلاد الأندلس حتى بلاد الهند؛ حيث يستعرض أحمد أمين كيفية ظهور فكرة المهدي واستمرارها عند الفاطميين والموحدين والقرامطة والقاديانية والبابية والسنوسية ويختتم التطور التاريخي لهذه الفكرة بتناوله لثورة المهدي في السودان آواخر القرن التاسع عشر.التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2012
- 102 صفحة
- [ردمك 13] 9789777191784
- مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاب مجّانًااقتباسات من كتاب المهدي والمهدوية
مشاركة من Wafa Bahri
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
soumia bg
تطرق الأستاذ أحمد أمين لفكرة المهدية وتطورها التاريخي في العالم الإسلامي ،منذ القرون الأولى للإسلام ،واستمرارها عند الفاطمين و الموحدين و القرامطة اما في العصر الحديث ذكر أمثلة على الحركات المهدية التي ظهرت كالقاديانية و البابلية و السنوسية مع اني اعترض على أن صاحب السنوسية أدعى المهدية فلا توجد مصادر تثبت ذلك
ثم يختم بثورة المهدي في السودان في أواخر القرن ١٩
ان الكتاب في مجمله جيد لما يحتويه من معلومات قيمة قام بتحليلها بأسلوب جميل وكان من الأفضل ان يتطرق للفكرة من ناحية ورودها في السنة النبوية بدلا من التشكيك في الأحاديث بحجة أنها ضعيفة على راي ابن خلدون الذي ضعف بدوره الأحاديث النبوية في المهدي وهنا يقول أحمد أمين " وانا ممن يرى راي ابن خلدون في ضعف هذه الأحاديث المهدوية ...وان كلام ابن خلدون أقرب للعقل "
ان ابن خلدون في مقدمته انتقد بعض الدجالين الذين يدعون كونهم المهدي محتجين بأحاديث رآها ضعيفة وان كان ابن خلدون أخطأ في نقده لأسباب لا يسعني ذكرها كان على الكاتب أن لا يتأثر بما قاله ابن خلدون بل يأتي بأحاديث صحيحة ويحقق في التي يقول عنها أنها ضعيفة
-
Wafa Bahri
يعرض أحمد أمين في كتابه هذا فكرة المهدي وتطورها عبر التاريخ ويوضح كيف تعلل بها اقوام حتى جعلوها سببا لحركاتهم الثائرة، فيدعي الكثير ان كل منهم هو المهدي ومخلص البشرية ..
أتقن احمد امين في رصد ذلك من خلال الإتيان على اهم الدعوات وأهم أفكارها ومبادئها ثم ارجاع سبب نجاحها النسبي أو فشلها إلى ما نقله عن ابن خلدون انه بفضل العصبية حيث "أن الملك لا يقوم إلا على اساس من العصبية".
فذكر الفاطميين والموحدين والقرامطة والحشاشين وثورة اليساسيري والبابية والقاديانية والسنوسية حتى ختم بمهدي السودان.
قد أعجبني منه قوله أن المهدوية قد أثرت في التاريخ الإسلامي من ناحيتين :
" إحداهما إضعاف شأن المسلمين إضعافا كبيرا بهذه الثورات المتتالية .
وثانيهما بنشر هذه الأساطير والأوهام بينهم مما أضعف عقولهم" .
والحال الثاني كقولهم بأنه موجود ولكن له غيبة يظهر بعدها وله عودة ، بل والاعتقاد بان ثمة من يتصل به ويتلقى تعاليمه وغير ذلك.
وبعد طرح ممتمع يصرح الباحث باعتقاده فيرفض فكرة المهدي ويقدم حججه.
أما اعتقادنا والأحاديث متواترة فيما جاء بخصوصه وفيها الحسن والصحيح والضعيف المنجبر فإنه سيظهر آخر الزمان ويكون من أهل البيت ويكون للمسلمين إماما، فيقيم العدل ويضع الظلم والجور..
أما ما يخالف العقل فنحن ايضا ننكره ، فلا ننتظره عند سرداب ، ولا نعتقد بأنه ولد منذ زمان وكانت له الغيبة، كما لا نألهه ولا نؤجل العمل حتى ظهوره وما الى ذلك..
انما ان كان هذا زمانه فنسأل الله أن نكون ممن نصره وبايعه، وان يستخدمنا لخدمة دينه ويثبتنا على ذلك..
أما ماكان غير ذلك، فنسأله عز وجل ان يقينا من الفتن جميعها، وان يجعلنا هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين، وأن يحيينا مسلمين ويتوفنا مسلمين ويلحقنا بالصالحين .
آمين..
-
samiaassad samiaassad
مقدمة الكتاب يعلل الاستاذ احمد امين اسباب نجاح فكرة ظهور الامام المهدي في اخر الزمان لسببين : الاول لان الناس تحب العدل وتكرة الظلم والثاني ان الدنيا في المشرق والمغرب مملوءه ظلماً وقد حاول الناس كثيراً ان يزيلو ا هذا الظلم فلما لم يفلحوا املو وكان املهم ظهور امام عادل
_________________
يتناول الكاتب في هذا الكتاب التطور التاريخي لفكرة ظهور الامام وتعامل كل عصر مع فكرة الظهور بدايتةً من الفاطميون والموحدون في العصور القديمة حتى العصور الحديثة التي بدأت بالبابية هي الفرقة التي ظهرت في اواخر القرن التاسع عشر تدين بالتشيع والاسماعيلية وبفكرة المهدية ، البابية هي نقيض للوهابية
__________
الخاتمة لخص من خلالها الكاتب افكار كل فرقة من هذه الفرق ومبادئها ومقتقداتها لطريقة الذي يخرج بها الامام .
_____
رأي الشخصي : الكتاب تاريخي مهم طرح افكار عميقة لكن بالخاتمة يذكر الكاتب ضعف الاحاديث الي تؤيد ظهور الامام مؤيد رأي ابن خلدون في ذلك كان من الافضل طرح هذة الاحاديث وتفسريها افضل من الاكتفاء بالتأيد فقط .
-
Tamer M. Bakry
احمد امين واحد من أفضل الكتاب الذين تناولوا التاريخ الاسلامي من ناحية الدقة و الموضوعية و الأمانة العلمية ....رحمه الله