يتجسد العشق ، و اللهفة ، وتحقق الطموح والأمل البعيد ، في هذين الروحين ، في روح قطز و جلنار ، الأمر اشبه بمعجزة وهو امر بتأمله يشعرني بالرهبة والذهول والعظمة من التدبير الالهي الذي كان يحيطهما
من امراء ، ابنة للسلطان وابن اخته ، من نعيم وقصور ورفعة شأن ، الى نوازل الحروب والتشرد ثم العودة من جديد في كنف السلطان البائس الوحيد ليستمرا بالعيش كأمراء مطاعين ثم مجددا الى التشرد وبأقسى صوره الى الرق ، الى هنا كل شيء مقبول ما يثير عجبي وذهولي اكثر هو عدم افتراقهما على نحو مصيري بعد الرق ، الرعاية الالهية منحتهما سيدا بل أبا طيبا وسيدة بل ام حنون ، وكأن الامر حقا كان عقابا ودرسا لجلال الدين بن خوارزم شاه رحمه الله وغفر له ، فقد عاشا حياة هانئة بعد بيعهما ، تعلما وكبرا ونضجا ووقعا في الحب ، لكن ، مجددا نازلة جديدة وهو تدبير وسر الهي اعظم ، التفريق بينهما وبيع جلنار ، خوف قطز من مصيره مع الفتى العاق موسى وشراء ابن الزعيم له وما ادى ذلك الى علاقته الحميمة مع سلطان العلماء العز بن عبدالسلام ، كان بداية التحول الى المرحلة الثانية ، الاولى عيشهم بأمان وهدوء فيما تبقى من الطفولة والمراهقة والثانية الطريق الى العرش واستعادة حياتهما كسلطان وسلطانة تماما كما ولدا وكما كان اسلافهما ، الحب والعشق بين هذين الروحين امر نادر وتأمله يشعرني بإحساس اعظم من ان اتمكن من وصفه ، هذا الفتى قطز لم يفرط في حبيبته واخر من تبقى من عائلته ، ابنة خاله الوحيدة ، يجول اسواق مصر يلتمسها هناك ، يظل قلبه وعقله هائما بها ، وتتحقق دعوة رجل مؤمن بجمع الارواح المتحابة في حل ، ويحوط الفارس قطز ابنة خاله السلطان بين ذراعيه ، يعانقها من جديد ، حبيبته بعد رحلة طويلة من التفرق وغموض المصير ، هذا بالنسبة لجلنار وقطز وطبعا من هام قلبي وولع بقصتهما وخبرهما حتى تمنيت امنية غريبة في ان اطلق هذين الاسمين على اطفالي في المستقبل يوما ما ان شاء خالقي وقدر لي ، والآن انطلق الى شخصية اخرى احببتها للغاية ، انها شجر الدر ! "سلطان الستر الرفيع والحجاب المنيع ملكة المسلمين عصمة الدنيا والدين أم خليل المستعصمية صاحبة الملك الصالح" ، ملكة عظيمة للغاية حكمت تلك الفترة سواء بجلوسها على العرش ام لا ، قبل ان تعتليه وبعد ان تعتليه ، في المنصورة حين مات الملك سيرت الأمور بقراراتها وحكمها ، وبعد ذلك رتبت الأمور بحكمتها ونفوذها لابنه توران ، ثم دبرت قتله لعدم صلاحيته للحكم ، ثم اعتلت العرش وجرت المفاوضات بين مصر والفرنجة بدمياط ليسترجع المسلمين بلادهم ويفتدي الملك نفسه ويرحل خائبا مهزوما ثم تطاولت الاعناق من الشام رفضا لها وثأرا للأيوبي ومن بغداد سخرية على غير دراية ومعرفة بمن يحكمون عليه ويقارنونه بأي رجل ! فتنازلت عن العرش ذكاءا منها وحكمة واستمرت تحكم ، وان سلمت العرش كما كانت حتى قبل تسلمه ، وأخيرا ، الشخصية الجليلة التي تملأ القلب رهبة وخشية بل تعجبا من تلك الجرأة والشجاعة ، انه سلطان العلماء العز بن عبدالسلام ، رجل يقول ما يراه ، ولا يحيد عما يعتقده على صواب ودراية ، لا يخشى لا سلطان ولا أمير الا العلي القدير ، طريقة معاملته للملوك فيها استصغار وكأنه يذكرهم بشأنهم وماهم الا عبيد لله وخلفاء على ارضه وملكه ، رسالته للصالح ايوب ، وعزله نفسه واعلانه افضليه تولي قطز للسلطنة ورفضه لرأيه بعد ذلك عندما طلب منه ان يفتي بجواز جمع المال من العامة دون الامراء ، ولهجة كلامه الآمرة لقطز هي ذاتها لهجته في خطاب الملوك والسلاطين لا تتغير
هذه الرواية ، أسالت دموع حارقة من عيني ، تأثرت كثيرا في مواضع عدة ، ونهايتها ايضا ، كانت مؤثرة ومحزنة ، ولكن ولأول مرة اقر بنهاية جميلة وتعجبني ويكون الابطال قد فارقوا الحياة ، ولكن هنا وجدت الاستثناء وليس عن رأي مني ولا تقدير ، بل بشعور روحي وما أوحته هذه الكلمات في اعماقها ، وما روتها من سلسبيل