أن تقرأ كتباً صدرت في عام مولدك، أمر فيه الكثير من النشوة، كأنها رفقة سفر طويل، كم من الكتب التي ولد معك في نفس السنة، هذه عادة كل سنة يجب أن أقرا كتابات ولدت في نفس عام ميلادي، هذه الأيام قرأت رواية الكاتب اليمني زيد مطيع دماج: الرهينة - تحميل.
لم أكن قد قرأت الكثير عن الأدب اليمني، قبل سنوات في عام 2008 وجدت المجموعة الكاملة لأعمال محمد عبد الولي الروائية، قرأت كتاب : صنعاء مدينة مفتوحة، وعدة قصص قصيرة، بدت لي وقتها رائعة جداً، ودائماً أفكر في العودة إليها، إلى أن وجدت كتب علي المقري : الثلاثة، اليهودي الحالي، طعم أسود، رائحة سوداء، حرمة. قرأتُ العملين الأولين في شمالي فرنسا، فيما لم تفارقني ذكرى رواية: صنعاء مدينة مفتوحة. كنت لاحظت إن الأدب اليمني مرتبط بشدة بالروايات القصيرة، وهو ما يوافق مزاجي، الكتابات السريعة العميقة والتي تقول الكثير في صفحات قليلة، بجمل شعرية تقارب الروح، لتنتج احدى أروع الأسطر الأدبية في الأدب العربي بأكمله.
إن مطلع رواية الرهينة مدهش جداً، رقيق على دائب الروايات العالمية الكبرى، المقاربة لروح تولستوى، تختصر الحكاية في سطر جميل إنما مؤلم وحاد:
" كم هي جميلة هذه المدينة، شاهدتها لأول مرة عندما أخذتُ من قريتي ووضعت في قلعتها – القاهرة – بين رهائن الإمام ".
منذ البداية، نعتبر أن النص سياسي ، مع الصفحات والقصة التي تحكي قصة انتقل الرهينة إلى احدى قصور نائب الإمام ليعمل كـ دويدار – خادم – بين حجرات نساء القصر، وهي مهمة يتولها الصبية أو الخصيان، إنما الرهينة بطل الرواية يبدو أكثر من ذلك بكثير، فهو مثقل بالتاريخ السياسي والحنين، يستمع للزمة يرددها حرس القصر:
يا دويدار قد أمك فاقدة لك
لازمة تتردد طوال النص، بحيث يمنحه روحاً كابوسية، إنما الجمال في السرد، واستخدام الكلمات المحلية اليمنية يمنح النص اتساعاً هائلاً وغني لا شك سيجد أي قارئ له متعة لا تعادلها أية متعة، إنه كتاب سريع الإيقاع، عميق المعاني، يحمل روحاً جديدة، وقد استغربت فعلاً أن يكون هذا الجمال بعيداً عن مطالعات الحالية، ربما هو بسبب كسل الدعاية أو القراء الذين عبروا على الكتاب، الذي ترجم لعدة لغات عالمية، وتم اعتماد من قبل منظمة اليونسكو لتنشر في مشروع كتاب في جريدة، إنما ليس هذا ما يجلب ضرورة قراءة الكتاب، بل النص نفسه، الذي فيه بعض الحكايات التي ترتبط بواقع الكاتب نفسه، فالرهينة المثقل بهموم أهله، كان والده معارضاً لنظام الإمام، يكتب مقالات ضد النظام، وهو أمر مرتبط بوالد الكاتب نفسه، الذي ذكر بأنه كتب مقالات مشهور ضد الإمام في تلك الفترة، وهذا يكسب الكتاب هماً سياسياً، يتراجع كثيراً عن الظهور صراحة، ليغدو الكتاب رواية عشق رائعة، نادرة في الأدب العالمي، بين الرهينة وصاحبة القصر أخت النائب الشريفة حفصة، الرائعة الجمال، التي ظهرت في النص كنبوءة منذ البداية، عبر صديق الرهينة عن شخصيتها في كلمات بسيطة عميقة، باعتبارها أغصبت زوجها المسن على تطليقها، دون أن يقربها. إنها سطوة المرأة، تلك التي يعمل الكاتب على توريط بطله في عشقها، عشقاً يبدو يائساً، من طرف واحد، كم كان موفقاً في أسلوب عرضه لفكرته، دون كسل أو خوف، إنه يحكم النص بامتياز، تتفاوت في لغة السرد بانتظام، ففي بعض الأحيان يظهر النص تاريخياً ثم سياسياً ثم وصفاً هادئاً، قبل أن يدخل في حوارات سريعة متتالية على نحو مبهج، وفي أحيان أخرى يصل لحدود السخرية المريرة، تلك السخرية التي تمتهنها الشريفة حفصة، والتي يمكن اعتبارها رمزاً سياسياً يمنياً إلى جوار الرهينة.
انتهى الكتاب بهذه اللازمة:
يا الرهينة قد أمك فاقدة لك
إنها لازمة، تشرح قدر الرهينة، بالبقاء رهيناً، هناك حين كان في القلعة والقصر أمه التي تبكي عليه بدموع كالمطر، وحين حدث ما حدث - في النهاية ولا أريد أن أذكرها هنا حتى لا يفقد القارئ المفاجأة - ترك شخصاً آخر يرهن قلبه.