بينما أقرأ الأعمال الكاملة لِـ أمل دنقل لم يغب عني ولا لحظة حديث زوجته عبلة الرويني عنه في كتابها الجنوبي تقول عنه: "يلفت الأنظار إلى الخشونة المتعمدة _والتي يجب أن تبدو كأنها لا متعمدة_ حتى يضلل الناس عن الرقة الحزينة التي لوحتها شمس الأيام"، وهو الذي قد كتب إليها رسالة طويلة منها: "لا أحتاج إلى المكر أو الذكاء في التعامل معك، لأن الحب وسادة في غرفة مقفلة أستريح فيها على سجيتي إنني أحب الاطمئنان الذي يملأ روحي عندما أحس بأن الحوار بيننا ينبسط ويمتد ويتشعب كاللبلاب الأخضر على سقيفة من الهدوء"، ومن الرسالة أيضاً: "إنني لا أبحث فيك عن الزهو الاجتماعي، ولا عن المتعة السريعة العابرة، ولكني أريد علاقة أكون فيها كما لو كنت جالساً مع نفسي في غرفة مغلقة"، تحدثت في كتابها عن معاناته مع مرض السرطان والذي أقام في جسده أربعة أعوام وقد قال لها وهي رفيقة الدرب: "حين ترينني عاجزاً، تمني لي الموت، فهو رحمتي الوحيدة"، كتبت عبلة "حاول نزع حقنة الجلوكوز من يده، رفضت الممرضة وشقيقه نزع الحقنة، وأمسك كل منهما بيديه بقوة حتى لا يتمكن من انتزاعها، ولم يكن يقوى على الصراخ في وجوههم، نظر إلي، كانت عيناه تطلبان مني الراحة. نزعت حقنة الجلوكوز من يده: يمكنك أن ترتاح، أغمض عينيه في هدوء ودخل في غيبوبة أخيرة. السبت ٢١ مايو/ الثالثة صباحاً
كان وجهه هادئاً وهم يغلقون عينيه
وكان هدوئي مستحيلاً وأنا أفتح عيني
وحده السرطان كان يصرخ
ووحده الموت كان يبكي قسوته".
كنت سأكتب عن أعماله الكاملة وإذا بالحرف يُحيلني لِـ حديث عبلة. أنهيت أعماله وكنت أبحث عن شعرٍ يُنسب إليه كُنت أتساءل عن سياقه فما وجدت له أثراً ولا أدري إن كان قاله في حوار أو لا ينتمي إليه من الأساس "غضب أبيك.. تأنيب أمك.. عتاب صديقك..عبث أخيك بأشيائك.. كلها كالوطن لا تعرف أنه جميل إلا إذا غادرته".
__________
لِـ أمل دنقل
"سيعودون.. فلا تبكي.. فما
يرتضي المحبوب أن تبكي الحبيبة".