#ريفيوهات
"امرأة تجهل أنها امرأة......معيار أخو الجهالة"
تقريبا معظمنا يعرف أبيات شعرية تصف التباين بين العارف والجاهل سواء لرفعة الشأن كما في
"وذو العلم يشقى في النعيم بعلمه....وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم"
أو لرثاء حاله وجبرا لمسعاه أمام زمنه، لكن بالتأمل في الحالتين نسأل ما هو معيار صاحب العلم ليكون مصاحبا إياه وكذلك أخو الجهل، وكيف يتعايش كل منهما، بطبقات ودرجات تفصلهم وتحابي واحد على الآخر، أم يتمازجا ويدور بينهما كأس التصدر لعادة للدنيا وهي التبديل؟
--لا عمك ولا خالك "حيرة عابر السبيل"
- لكي نفهم أكثر علينا أن ننظر لبطل القصة "نمر صاحب" الذي من جملة ما يحمله من خبرة الحياة حكمة أبيه "الدهر دولاب لا عمك ولا خالك" والتي هي أساس حياته المضطربة، فهو مناضل معروف بالدفاع عن بلده منذ صغره بقلمه وما يكتب، وأيضا ينزهه عن متكسبي الكتابة وعن اتخاذها كغرض غير غرضه، وفي نفس الوقت نرى انصياعه لفهيم الليث بسهولة بصفته قائد رحلته، له من المعارف عددا كبيرا ومن محبيه أكثر، ومع ذلك لا يحب مخالتطهم إلا للزوم ما يلزم، يبغض من وصف أبو العلاء المعري للعقل بأنه إمام لأن ذلك يفتح تبريرات كثيرة لكل فعلة، وهو الذي يبرر وجود امرأة معه ويجمل من صورتها لتكون مديرة أعماله
-ومن ذلك كله تنجلي أمامنا حقيقة ذاك الصاحب، ينتهج كما وصفنا نهج عابري السبيل، أو بالأصح هذا قدره بأن يكون قاصدا متوثبا "نمرا كما مسماه" عالما يضع العلل في وضعها الصائب، لكن قصده ليس به محطة وقوف ولا لمعركته المتواصلة استراحة لمحارب حتى في نومه إلا بإلحاح، فلا تصل لذات الهوى لعقله "إذ اعتبرنا أن العقل إماما" كما الخمر والمرأة ولا يتقبل أن يجد لقصده هذا راحة فلا يقبل السكنى في البيوت ولا يحب حتى أن يفتح شنطة سفره ليرتب ملابسه.
-يشبه الأمير عبد الرحمن الداخل "صقر قريش"؟ لا لكل منهم رحلته ومعاناته، فضلا أن للداخل وطنه الذي يقرئ من بعضه السلام لبعضه في كل حين، وأن الداخل كذلك فضل أن يستسلم ويعاون التجربة ويهيئها له عن نمر الذي يدعو بأن لا يدخل فيها، لكنهما اتفقا "وثالثهما ابن زيدون صاحب قصيدة بم التعلل لا أهل ولا وطن" على خبرة الطريق بأن الأشياء تتبدل فاتخذا الوحدة منهجا يكتفيا به بغمسه بسيطة حتى لو كان الاستمتاع بها محالا أو ومضة بسيطة تكفي للتذكر
--هل يجهل المرء نفسه "رئيفة نموذجا"
يقيس نمر صاحب وصف زمانه بأنه الزمن الرديء على كل ما يجد، بدءا من أمور بسيطة كفرحة رئيفة بخاتم مقلد، إلى التشكيك في حبها إياه "متعللا بتفاوت الأعمار"، ولكن باستبعاد أن نمر يحاول "مترددا كعادته" أن يتكيف مع زمانه، وربطه بنظرة أبو بكر الرازي لمتوالية الجوع ولذة الشبع، كيف كانت رئيفة بصفتها ابنة زمانها ترى نفسها؟
-ببساطة هي مطلقة وجدت نفسها معذبة بين المضايقات وجوع الحاجة، تتشابه مع نمر بأن المصائب تجتمع عليها ولكن ليست هناك متعة المغامرة فتعجلت في دربها الرديء فوشاها بردائته في نظرة نمر، ولأن الحياة في نظرتها كما نمر جديرة أن تعاش ففضلت أن ترتمي بأحضان العجوز نمر بكل ما بها لتسير معه وتصنع مغامرة فريدة، فأين الجهل هنا؟
-ببساطة أكثر يعرض الكاتب في نظري مفهوما عن أثر الزمن في الناس، وفي تكرار الكاتب لصفات في نمر يقصد بها أنه ثابت لا يتغير مهما تغير زمانه، ولذلك يجد الكاتب أن ذلك الأثر فيمن حول نمر يجعل المرء يلعب ويعبث حتى في متعته طالما سيجد الفائدة التي تعليه والتي هل كل ما يرغب، فلا يضيره جهل ما به، فلا يهم رئيفة إذن أن تهتم بنظرة قاسم أمين وبين التسليم المطلق والتشكيك فيه كما يرى نمر، فنجد من ذلك تراشق للعتب بين رئيفة وزمانها وبينها وبين نمر، وبما أن في نظره أيضا أنه صابون القلوب فظلت العلاقة معلقة كذلك
---ملاحظات
-أعجبني استخدام الكاتب للآيات القرآنية وتوظيفها للفكرة، وللأبيات كذلك التي جعلت السرد مكثفا دسما في معظم الرواية، يناسبه جمل حوارية قصيرة ممتدة، ولعل هذه مدرسة أو طريقة جيدة تتشابه "وقد يكون التشابه غير منصفا" مع رواية الحرافيش لنجيب محفوظ
-لم أستسغ المشاهد الحميمية رغم توظيفها بشكل لائق، يعني شعرت بأنها أسهبت قليلا في التفاصيل
- أحيانا الأحداث تفقد تسلسها في الرواية لكن في معظم الأحيان يكون لها تفسير منطقي
الخلاصة: عمل رائع جدا، قوي في فلسفته، أعجبني كتجربة أولى لقراءة روايات حنا مينة الذي لم أعرف عنه إلا رواية نهاية رجل شجاع التي تحولت لمسلسل فيما بعد، فسلاما على مفيد الوحش "بطل الرواية" إلى حين قراءة تلك الرواية.