كان هذا أول كتاب أقرأه للدكتور سلمان العودة. والذي أعتبره حقيقة من المفكرين الإسلاميين المعاصرين القلائل الذين يجيدون قراءة الأحداث وتحليل النصوص تحليلا سياسيا شاملا منطقيا بعيدا عن العواطف... وأنا أستمع إليه دوما على التلفاز وتعجبني آراؤه ووجهات نظره السياسية, وكنت أطمح أن أستمع إليه في حديث مطول يكمل فيه رأيه ويعرض فكرته دون مقاطعة من مذيع أو غيره... وعندما تقرأ له كتابا أو تسمع له حديثا فإنك تدرك كم هو واسع الاطلاع والمعرفة... وهاأنذا أستمع إليه عبر كتابه الرائع هذا...وكنت قد قرأت قبل فترة كتاب الكواكبي "طبائع الاستبداد" وأقرأ حاليا كتاب هتلر "كفاحي".. فكان توقيت هذا الكتاب مناسبا جدا...لا سيما في خضم هذه الأحداث التي تعج بالثورات..
يعتبر الدكتور سلمان العودة كتابه هذا تقريرا أو بحثا متواضعا ينقل فيه ما قرأه ويعرض فيه وجهة نظره وقراءته للوقائع المعاصرة من خلال إجابته عن أسئلة قد تثار حول موضوع الثورة... وقد اتبع الدكتور أسلوب البحث العلمي في عرضه وترتيبه لقصول الكتاب... وهو أسلوب سلس وزخم في المعلومات في الوقت ذاته..
يمهد العودة لموضوع الثورة بتعريف بعض المصطلحات مثل: الثورة والإصلاح, كما يعرض أسباب الثورة ويذكر أن على الحكومات أن تسعى إلى الإصلاح السلمي قبل حدوث الثورات كنوع من الوقاية قبل العلاج..
يتابع الدكتور عرض أسباب الثورات المختلفة من الظلم والسعي إلى التطور والظهور.. ويبين أن الثورات قد تختلف في وقت حدوثها؛ وشبهها بالثمرة التي قد تقطف قبل أوانها فتكون غير ناضجة , أو قد تقطف في أوانها, أو بعد أوانها فتكون أقل جودة..
تحت فصل يتخص بمشروعية الثورة, يناقش العودة أنطمة الحكم الإسلامية عبر العصور وعوامل ظهور بعض الثورات إبانها وأمثلة عليها.. ويذكر أن هذه النماذج يجب أن لا تؤخذ كقدوة بل كتجربة يستفاد منها.
ثم يتطرق الدكتور إلى وضع الدولة الإسلامية بعد الثورة, وكيف أنه من الواجب التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية حتى يتقبل الناس التغيير..لأن درء الفتنة مقدم على تطبيق الأحكام الشرعية... ويقول إن قيمة تطبيق الشريعة قد تتحول إلى شعار سياسي مجرد.. بينما يمكن للدولة أن تكون إسلامية دون أن تعلن ذلك صراحة...
يقول الدكتور سلمان العودة إنه لابد من فصل السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية.. وأنه حين يهيمن الحاكم الفرد على الإدارة والقضاء يصبح الفساد محصلة طبيعية.. ويدخل من هنا إلى مفهوم الديمقراطية في النظام الإسلامي.. وكيف أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم يجب أن تكون مبنية على السمع والطاعة من الرعية للحاكم وكذلك تخلي الحاكم عن الظلم والاستبداد والإكراه..
يناقش العودة وضع الدولة الإسلامية في فترة ما بعد الثورة فيقول إنه ينبغي التصالح على دستور يكون مصدره الشريعة ومن ثم إعادة الحقوق إلى أصحابها دون ثأر.. ثم يتساءل عن المشروع العربي للنهوض..أين هو؟ وكم من الوقت سيستغرق العرب ليأتوا بخظة ونظرة مستقبلية لإنشاء دولة مدنية مستقلة بكيانها ومواردها وهويتها..
لا بد أن تحقق الثورة مطالب الحركات الشعبية التي قامت على أساسها الثورة أصلا.. وتتضمن هذه المطالب: الحرية السياسية, والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص, ومحاربة الفساد بشتى أشكاله, وتنمية المجتمع الشاملة, وأخير الحفاظ على التميز الأخلاقي والهوية الإسلامية..
وأخيرا, فإن هناك مخاوف ما بعد مرحلة الثورة من أن يعود الظلم والاستبداد, حيث أن للثورة عند الناس أسباب مختلفة وقد يسعى كل إلى تحقيق هدفه.. لكن هناك أهدافا مشتركة هي التي يتوجب على الشعوب التركيز عليها والعمل على تحقيقها..
الخلاصة: إذا كانت الثورة تنتهي بانتهاء نظام ديكتاتوري فإنها تعتبر الخطوة الأولى في طريق الإصلاح..
الكتاب يعطيك تصورا شاملا حول الثورات وما قد يدور بذهنك من تساؤلات.. ويعزز قراءتك وتحليلك للواقع الذي نعيشه والأحداث السياسية بموضوعية وفهم أعمق...
كتاب رائع.. أنصح به الجميع..