" ولكنني كنت أعيش من اجل غد لا خوف فيه..وكنت أجوع من اجل أن اشبع ذات يوم.. وكنت أريد أن اصل إلى هذا الغد..لم يكن لحياتي يوم ذاك أية قيمة سوى ما يعطيها الأمل العميق الأخضر بان السماء لا يمكن أن تكون قاسية إلى لا حدود.. وبان هذا الطفل, الذي تكسرت على شفتيه ابتسامة الطمأنينة, سوف يمضي حياته هكذا, ممزقاً كغيوم تشرين, رماديا كأودية مترعة بالضباب, ضائعا كشمس جاءت تشرق فلم تجد افقها
ورغم ذلك... كنت أقول
لذات نفسي "اصبر، يا ولد، أنت ما زالت على أعتاب عمرك، وغداً، وبعد غد، سوف تشرق شمس جديدة, الست تناضل الآن من اجل ذلك المستقبل؟ سوف تفخر بأنك أنت الذي صنعته بأظافرك, منذ اسه الأول...إلى الأخر" وكان هذا الأمل يبرر لي ألم يومي؛ وكنت أحدق إلى الأمام أدوس على أشواك درب جاف كأنه طريق ضيق في مقبرة "
هل حقًا تعتبر تلك المجموعة القصصية هي أول ما كتب " غسان " ، التاريخ يقول هذا ، هو نفسه في بداية المجموعة قال ذلك ، لم أرى أبدًا فارق بين هذا العمل وغيره من أعمال غسان ، القلم الثابت المناضل ، هو ذات القلم الذي كتب بعد ذلك " عائد إلى حيفا " و " رجال في الشمس " و " أرض البرتقال الحزين " ، وأم سعد " ، هي نفسها روح غسان المعبقة برائحة الأرض وبالأرض بما عليها من أشجار زيتون وبرتقال .
في كل كلمة يكتبها غسان حتى لو كان يرمي بها كلامًا بعيدًا وتلميحًا غير مقصود بفلسطين ، أشعر وكأنه مكتوب لها هي وحدها ، كأنها تملك وحدها خصوصية تلك الكلمات ، وما نحن إلا شاهدين على هذا العقد الموقع بينها وبين غسان .
تدور القصة في ثلاث محاور رئيسية ، المحور الأول يتحدث عن فلسطين ويتمنطق حول القضية الأم ، من خلال رصد مأساة الفلسطينيين الذين يتعرضون إما للموت شبه اليومي ، أو النزوح .
أما المحور الثاني ، يتعرض لتلك الفئة التي ذهبت إلى بلاد الخليج بحثًا عن لقمة العيش التي حرمها منهم الاحتلال في أراضيهم ، والتي تحدث عنها بعد ذلك في قصته " رجال في الشمس " .
أما المحور الثالث فيدور حول أسئلة حول الموت والخلود من خلال قصة " محمد على أكبر " .
" انني أريد أن أتكلم عن الموت . عن موت يحدث أمامك لا عن موت تسمع عنه. إن الفرق بين هذين الطرازين من الموت فرق شاسع لا يستطيع أن يدركه إلا من يشاهد إنسانا يتكمش بغطاء سريره بكل مافي أصابعه الراجفة من قوة كي يقاوم إنزلاقا رهيبا إلى الفناء
إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت انها قضية الباقين المنتظرين بمرارة دورهم لكي يكونو درسا صغيرا للعيون الحية .
الكلمات بين يدي غسان هنا تنساب كنهر جارف ، يصب في جداول مختلفة لتروى أراضي مقفرة ، أضناها الظمأ والعطش : ولكنّني كنت أعيش من أجل غدٍ لا خوف فيه ، و كنت أجوع من أجل أن أشبع في ذات يوم ، وكنت أريد أن أصل إلى هذا الغد ، لم يكن لحياتي يوم ذاك أية قيمة سوى ما يعطيها الأمل العميق الأخضر بأنّ السماء لا يمكن أن تكون قاسية إلى لا حدود ، وبأنّ هذا الطفل الذي تكسّرت على شفتيه ابتسامة الطمأنينة ، سوف يمضي حياته هكذا ، ممزقاً كغيوم تشرين ، رمادياً كأوديةٍ مترعةٍ بالضباب ، ضائعاً كشمس جاءت تشرق فلم تجد أفقها .