كواحد على مشارف الانتهاء من أعمال الراحلة " رضوى عاشور"،فإنني أرى دائمًا في كتاباتها انسيابية في النص تدفعها أحيانًا أن تستطرد في التفاصيل التي قد تثقل كاهل القارئ الذي يملُّ سريعًا،لكن البعض يرى أن عمق الفكرة في العادة يكمن في تلك التفاصيل، حيث تتوارى خلف هذا الاستطراد،فتتكشّف في لحظة ما للقارئ المُتهّمل،أفضل ما تتميز به أعمال " رضوى " أنها خالية من الافتعال اللزج الذي يثقل طبيعة الحكاية،ويعرقل انسياب حوادثها،وأصعب ما في العمل هو التخلص من هذا الافتعال،والذي يتربط عادة بضعف الأسلوب وعجزه عن إظهار الحادثة بغير شكلها الطبيعي،وهذا ما تلفظه دائمًا خارج حدود عالمها .
الرواية مليئة بالخيوط المعقدة والمتشابكة،تمسك بها " رضوى " وتنسج منها حكايات كثيرة،حول محاولة إسماعيل نحو أوربة القاهرة القديمة وجعلها نسخة من فرنسا،حول معالم القاهرة ووسط البلد،حول شكلها وما كانت عليه قبل ثورة الضباط الأحرار،مرورًا بمظاهرات الطلبة على طول العقود المختلفة،لا تنسى في غمار تلك الحكايات أن تتحدث عن فلسطين وتختزل نضال الشعب كله في قصة الطفل الصغير الذي وقف أمام دبابات الاحتلال الإسرائيلي.
من فرط عدم ارتباط الحكايات التي أوردتها ببعضها،تكاد الرواية تجنح إلى الخواطر اليومية جُمعت في بناء سردي وضعها في النهاية في شكل رواية،ربما يكمن السبب فيما قالته رضوى " الكتابة تأتي من تلقاء نفسها،لا يتعين عليّ سوى أن أقول لها مرحبًا وأفسح لها المكان " .