يالله، ما هذا الذي كنت اقرؤه!
أهي ملحمة تاريخية؟، أم حكاية أسطورية من حكايات الأساطير؟
عشت في الملحمة وكأنني جزء منها
كنت أشعر كأنني طفلة صغيرة ممسكة بيد نجيب محفوظ
وهو يتجول بيّ في التاريخ
بوقاره المعهود وعويناته الكبيرة ولكن بصوت أبي الواثق حين كان يحكي ليّ الحكايات
أأنا أحببتها لأنها تشبه حكايات أبي؟
أم أنها حكاية خاصة لا يمكن إلا أن تأسرك بمتعتها؟
ما أحلى نجيب حين يحكي عن تاريخ مصر الفرعونية
بعد أن قرأت أمام العرش تعجبت من إلمامه بملوك ورؤساء مصر
من أول تاريخ الفراعنة وإلى تاريخنا الحديث
ومحاسن ومساوئ كل منهم
لكن هنا بدا ليّ غوص شديد في التاريخ الفرعوني وتفاصيله
ليست مجرد معرفة عامة بتاريخ الأحوال السياسية وصراعتها
القصة تبدأ بشاب فرعوني يُدعى ماري مون شغوف بالحقيقة ومعرفة التاريخ
يتحدث مع أبيه الحكيم ويطلب منه أن يساعده بنفوذه في رحلة بحثه عن الحقيقة
فينطلق في رحلته للبحث عن الحقيقة
وكما قال؛
لا تحكم في قضية حتى تسمع الطرفين
ذهب لكل الأطراف ولم يترك أحدًا لم يصغي إليه
كانت الأقوال متضاربة، وكل منهم يُفسر الوقائع والأحداث على هواه
لكنه حتمًا سيصل من تجميعها معًا إلى جانب بعضها البعض إلى الحقيقة
لكن يبقى السؤال: عن أي حقيقة يبحث؟
عن حقيقة ذلك الفرعون الذي اختلف فيه الكثيرين
ليس فقط أعداءه ورجاله في عصره
لكن على مختلف العصور
يُقال أنه الفرعون الذي أرسل الله في عهده سيدنا يوسف
بل ويُسهب البعض في وصفه نبي من أنبياء الله
وبعيدًا عما إذا كان هذا يحمل جزءًا من الحقيقة أم لا
هنا الحقيقة كما يرويها عم نجيب
على لسان جميع من شاركوا في تلك الملحمة
من كانوا معه ومن كانوا ضده
من صغره ولد بملامح دميمة قبيحة أنثوية
وبنبوغ وذكاء يسبقان سنه الصغيرة
كان يرى كهنة آمون على أنها روح شريرة تجسدت بداخله
وكان يرى معلمه وطبيبه أن مستقبل هذا الفتى إذا ما اعتلى عرش أجداده سيكون جد مختلف
وبعد وفاة أخيه الأكبر تحتمس، بدأ هذا الذكاء يُترجم إلى أسئلة حول الموت والقدر
هزته الفاجعة، وبدأ في الانعزال بعيدًا، من الليل وحتى تشرق الشمس
بدأ حبه للإله آتون-الشمس- وأصبح ينبذ الإله آمون وكهنته أكثر من زي قبل
حتى تجلى الحق له وسطع النور من داخله، فأيقن أن الإله ليس الشمس
بل هو ما وراء الشمس
هو الإله الواحد
وبدأ يُبشر ويدعو الناس ورجاله إلى الإيمان بالإله الواحد
وتوفي الملك واعتلى العرش
وقام بجولاته التبشيرية، تصحبه الملكة نفرتيتي
وبدأ عصر الرخاء والسعادة الذي لن يدوم طويلاً
بسبب دهاء كهنة آمون ومؤامراتهم في الخفاء
وبسبب سياسته المرنة التي يتبعها في معاقبة المخطيئن والأعداء بالحب والسلام والمودة!!
ربما هو هذا الخطأ الأكبر والأوحد الذي قضى على نزعة التوحيد هذه في مهدها
لم استسغ الفكرة أبدًا، ولم أفهمها
لأنه حتى الدين-أي دين- يحتاج إلى السيف أحيانًا كي يدافع عن وجوده
هكذا تركه جميع رجاله وحتى زوجته نفرتيتي، وعاش في قصره وحيدًا إلى أن مات
يُقال قُتل!
يُقال أبله ومعتوه، ويُقال حكيم وتقي
يُقال نفرتيتي خائنة، ويُقال بلى تركته خلسة كي ينقذ البلاد
يُقال رجاله منافقون وكذابون يبحثون عن السلطة ولا شيء آخر
ويُقال تركوه مُكرهين
يُقال ويُقال، وما أكثر ما يُقال
لكن ما هي الحقيقة؟
لا أحد يعرف
رغم ذلك أحببت الحقيقة التي انتهى إليها محفوظ ههنا
كنت أشعر- من سرده الممتع -أنني أنا من يعيش في الحقيقة
تمّت