اقتباسات إيمان مصطفى

‫ ‏حتى ولو كانت كتابتك سيئة ووصفك ركيكًا… ابدأ.‏

‫ ‏وشيئًا فشيئًا ستستخرج اللبن من العروق، وتصبح كالطفل الذي لا يريد أن يترك ثدي أمه أبدًا، وبهذا تكون قد عدت للكتابة.‏

‏عملية الكتابة ليست سهلة، بل معقدة للغاية. ورغم صعوباتها، قد تكون في جوهرها راحةً لأي كاتب؛ لأنها شغفه وملجؤه الآمن، لكنها مرهقة جدًا.‏

‫ ‏أراها أشبه بحالة ولادة البنت البكرية؛ إذ تواجه الأم صعوبات كثيرة، أولها وأهمها الرضاعة.‏

‫ ‏قد يرى البعض أن الرضاعة أمر سهل؛ هو أن تخرج الأم أحد ثدييها وتقرب طفلها منها، وينتهي الأمر.‏

‫ ‏ولكنها عملية معقدة: قد يُولد الطفل ولا يعرف كيف يلتقم الثدي، أو لا يريد أن يرضع، أو لديه حساسية من اللبن، ناهيك عن ألم الرضاعة نفسها

‫ ‏العصافير عندما تزقزق كثيرًا فإننا نكرهها، والقطط عندما تئن فإننا نبغضها، وكذلك النفس البشرية إذا ثرثرت كثيرًا فإنها تزهق صاحبها وترهقه.‏

‏وأنا مع كلمة العوض لأنها تعطي للإنسان الأمل بأنه ستأتي لحظة وينتهي كل الألم والأحزان، وسيكافأ على كل لحظة تعب.‏

‫ ‏لذلك لابد أن نمارس حياتنا العادية ويكون بداخلنا توازن. نعم، لدي نقص في حياتي ولكنه سيكتمل في الوقت المناسب. وفي وقتي هذا مستمرة في حياتي مكملة ما أمرني الله به من عبادة وتعمير.‏

‫ ‏لذلك أرى أن فكرة الحمد مريحة جدًا. فهي كمرطب رائع للقلب الذي يشبه فرنًا لا يهدأ ولا ينام، حيث كل إنسان قد كتب الله له خطة لا بد أن يرضى ويلتزم بها، وإلا سنكون نركض ركضًا غير مفهوم. وإذا وقعت الدنيا في قلب أحدهم، فإنه يكون قد رأى الجحيم قبل قيام الساعة؛ عذاب، وما أدراكم ما عذاب! شيء منهك للنفس ومرتد على الجسم بالعديد من الأمراض.‏

وخذ لحظة وقل: "تبت وعدت إليك يا الله"، واندم بحق على أنك لن تعود لهذا العمل. وحتى لو عدت، فقد تكون محيت كل ذنوبك المتراكمة عليك.‏

‫ ‏أدركت في النهاية أن الموت ما هو إلا وجع، وجع كبير لا يلتئم أبدًا مهما مرت عليه السنوات. فإننا لن ننساهم ولا يمكن للذاكرة أبدًا أن تمحو كل هذه الذكريات.‏

‫ ‏شخص تراه كل يوم وتشاهد عاداته، كلامه، أكله، ملابسه حتى خناقاته وتخلفه في بعض التصرفات، ولكن في لحظة ما سيختفي، سيختفي في وقت أنت نفسك لن تكون مستعدًا لرحيله.‏

كيف يذهب الإنسان هكذا ببساطة؟ أبسط مما كان يتوقع، فهو يصارع، يكافح طوال حياته، يجري كجري الوحوش ولا يدرك أنه ستأتي لحظة واحدة فقط ويختفي، ببساطة لا يدركها عقله، يترك كل شيء تعب فيه، يترك أولاده، شهاداته، ماله، كل شيء، ويذهب بعيدًا ويدفن في باطن الأرض

‏لذلك خلال رحلتنا لابد أن نضع هذا دومًا أمام أعيننا ونفكر، حتى وإن أخطأنا ووقعنا في ذنوب شتى، فإنك أمام السؤال المهم جدًا: ‏

‫ ‏هل ستعاند أم ستعود؟ جاوب بصراحة أمام مرآة نفسك لتعرفها.‏

‏والاستغفار ليس مجرد عد وحساب، ليس مجرد بسبسة لسان وفرقعة سبحة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الاستغفار طلب الرحمة من الله"، ومعناه دعاء، والدعاء يقتضي التذلل والانكسار لله.‏

‏وعندما ينام الإنسان يبدأ العقل الباطن باستعراض ما التقطته كاميرا العين من صور، خاصة الأحداث السلبية. فكل هذه الصور تنعكس على النائم بالسلب، فتسبب له القلق والتوتر.‏

‏وسر الاستغفار عند النوم خاصة في العلم الحديث،‏

‫ ‏فالجسم الإنساني له عدة خزانات للفرح، والألم، والحزن.‏

‫ ‏فالعين تعد كاميرا تلتقط جميع الصور الإيجابية والسلبية.‏

‏لذلك تجد الإنسان القريب من الله قويًا داخليًا لا تهزه المعارك النفسية. فكلنا نعرف أن للتسبيح فضلًا عظيمًا عند الله، فهو يحيي القلوب ويتضاعف به الأجور ويمحو الخطايا ويغفر الذنوب، فهو زاد الآخرة وغراس الجنة وأفضل الكلام وأحبها للرحمن.‏

وعندما يكبر، يبدأ جماله يبرز وتغره الدنيا بزهوها، يحذو حذو الأصدقاء، يكره أقاربه وأهله ويبتعد عنهم شيئًا فشيئًا، وتبدأ شخصيته في الظهور أكثر. يحب المال ويبرق في عينه الجنس الآخر، فيغويه الشيطان ويجرجر قدمه إلى طريق الانحراف ويبتعد عن الفطرة السليمة‏.‏

يولد الإنسان ويكبر في الحياة وهو على فطرته السليمة التي فطره الله عليها، صادق محب للخير ويميل ميلًا عظيمًا نحو الحق. لذلك تجد الأطفال كلهم حبًا وخيرًا وفطرة لأنهم ما زالوا بُكرًا، لم يختلطوا بالبيئة والحياة لم تدنسهم بعد، لم يعرفوا طعم الكذب والخيانة والغش‏.‏

‫ ‏وحمدت الله كثيرًا على حياتي، وشعرت بأنها لم تكن صدفة ذهابي هناك، بل كانت لحكمة وتدابير من الله حتى أرى بأم عيني حياة الكادحين حقًا، ودرسًا عظيمًا لي، وكأن الله بعث لي رسالة مغزاها:‏

‫ ‏"ارضِي وسوف أعوضك." ‏

‫ ‏يقول عبد الحليم حافظ: ‏

‫ ‏"مقدور أن تبقى مسجونًا بين الماء وبين النار."‏

‫ ‏وهو وصف رهيب لما أريد أن أتحدث عنه. فأكثر شيء أخاف منه هو عندما لا أبالي، أترك نفسي الشغوفة المتطلعة على الرف، وأرضى بالوضع الحالي. وهنا بالضبط أضع يدي على قلبي؛ لأنني أعلم جيدًا ماذا سيحدث.‏

‏لكن الأغلبية يولّون أدبارهم عندما نفشل، أو نمرض، أو نتصبغ بالهالات السوداء ونصبح أشباه الباندا، أو عندما نصاب بالاكتئاب ونمتلئ تعبًا ولا نستطيع أن نرفع أقدامنا من الأرض، أو حتى عندما ننحف ونصبح كالمومياء المتحركة.‏

‫ ‏ولكنهم قلة، أولئك الذين تجدهم بجانبك، يتقبلونك في كل أحوالك. لذا عليك أن تتمسك بهم جيدًا، ولا تجعل نفسك مدينةً مباحة للجميع، يزورها كما يشاؤون، يرون الجميل منك فقط ويتغافلون عن مشاكلك وهمومك.