اقتباسات درة الفازع

وانتهى إلى أنّ الذّكرى تختفي شيئا فشيئا و يطوي النّسيان الجميع، من أنجب ومن لم يُنجب، هو الآن يتذكّر تلك المقولة التي تعتبر أنّ الانسان لا يموت إلّا عندما ينطفئ آخر انسان يتذكّره…

ربّما كانت هذه آخر الرّسائل في عالم لم يعُد يعرف معنى الغياب

بعض المصائب لا صبر عليها وبعض الأقدار ترسم سبلا من الأحزان لا مكان فيها للسلوى، تلك هي الحقيقة التي صرنا ننظر إليها في عينيها مباشرة

ولتلك الأجراس التي لا تُجيب رنين الوحشة والفرضيّات المتسارعة المتلاحقة، في طرفة عين يتمدّد الزّمن بين رنّتين، ولا يأتي الجواب ويمتلئ الفراغ بخيالات وكلّ ما يمكن أن يحدث… بين رنّتين.‏

وأخذت تلتبس عليه الأمور وتداخلت في ذهنه حياته الافتراضيّة مع حياته الواقعيّة وصار يكره فعلا أولئك الذين تم انتدابه للاعتداء عليهم، وأخذت الذّبابة الزّرقاء دورها على محمل الجدّ، صار يحتقر فعلا أشخاصا لا يعرفهم، ولا يعلم عنهم شيئا سوى ما لقّنوه، "أزلام النّظام السابق" و"مزابل اليسار الخائب" و"الملاحدة" و"حثالة الفرنكوفونيّة" تتدعّم مكانته كلّما ازدادت ألفاظه بذاءة وهجماته حدّة. ‏

والأحلام الفتيّة لا سقف لها، هي ابنة الغواية يمنحها الطّيش أجنحة تبترها الخبرة ولا يسمح بها التبصّر… ‏

بعض الصّداقات لا يندمل جرحها أبدا…‏

بعض الغرباء يصبحون وطنا أحيانا، أولئك الذين لا يُقاسموننا لا الدّماء ولا الماء، يصيرون الملاذ والمأوى وينأى أولو القربى… ‏

وقد كنت في رحلة بحثي عن الجمال قد عشقت النّخيل والزّيتون أكثر من البشر.‏

وفي مسار البشر لحظات مفصليّة بثقل عمر تسبق عادة المنعرجات الكبرى في الحياة، لحظات كنهها بعض من غفلة ولامبالاة، تلك اللّحظات لا تتجلّى فداحتها إلّا أمام قسوة الأثر… ‏

رغم العلاج النفسي الذي دام سنوات، أصلح بعض ما فيه دون أن يُشفى تماما، فتقدّم مُتعثّرا إلى أن فهم أنّه يجب عليه العودة إلى نقطة الانطلاق والعلاج من البداية، من الجذور… وربّما المواجهة والبناء، بناء ولو حجر واحد في صرح ذلك البلد الصّغير الذي أحبّ، ذلك البلد الذي أعطاه سعادة لم يعرف مثلها منذ تركه، أعطاه علما وقد آن أوان ردّ بعض من الجميل.‏

وأحاطت بها الشّكوك كثيفة أغشت بصيرتها، وفي مديح الأنانيّة غرقت وفهمت وهي تجابه نفسها دون مواربة أنّ الجميع مستعدّ للخيانات عندما يحين زمن التّفكير بالنّفس، فما تشعر به لا يوقفه سدّ ولا أسوار، مدمّر كالطّوفان، ثائر كالعاصفة وللأنانية في الحياة مكان أيضا

الرّجُلُ مات وسوف يُنسى بعد أيّام وسينتهي الأمرُ بمناظرات غير شفّافة ينخُرُها الفساد والمُحاباة، تُفتحُ بعد طول انتظار ويتهافتُ عليها الآلاف من أجل راتب لا يُسمنُ ولا يُغني من جوع ويستوجبُ العمل في أقاصي البلاد وجبالها، ظلّت الإذاعات تنقل الخبر في جميع المحطّات بطريقة مُتجرّدة باردة وانتهى الأمرُ بالرّجُل في المشرحة وقيل إنّه يُعاني من صُعوبات نفسيّة واكتئاب حادّ، تأسّف البعضُ أمام عجز الدّولة عن الانتداب…

مشاهدُ مراتبهم وأغطيتهم التي تُحيط بالوزارات تزيدُ المدينة بُؤسا ويأسا، يترُكونهم شهورا ودُهورا على الأرصفة ويدخُل المسؤولون من الأبواب المُواربة، وينتهي الأمرُ بالتنسيقيّات في أغلب الأحيان إلى الشّجار في ما بينهم ويسقُطُ صرحُ النّضال أمام تضارب المصالح، يستنزفونهم ويخرُجون إلى الإعلام ليُلقوا بخطابات جوفاء عقيمة… ثمّ يُكوّنون لجنة تُعنى ب"حلحلة" الأزمة ويُبرمون اتفاقيّات تهُمّ ميزانيّات السّنوات المُقبلة والدُّفعات الأولى وتتوالى النّقاط والاستثناءات والاستطرادات وتؤجّلُ الالتزامات ويقعُ الإمضاء في أغلب الأحيان على بنود مُبهمة، وتُرفعُ شارة النّصر لحفظ ماء الوجه لمن فهم الأمر منهم وبعفويّة وصدق ممّن لا يزالُ منهم قادرا على الحلم، فيلُمّون مراتبهم وأغطيتهم ويعودون من حيثُ أتوْا،

الذين نُحبُّهم يرحلون دائما… يجبُ تقبُّل الأمر كجزء من لُعبة الحياة.‏

كيف يعود الرّجُل إلى زوجته بعد لقاء العشيقة؟ طالما كره الكذب لارتباطه في مخيّلته بالجُبن، وعد نفسهُ بأن لا يكذب أبدا لأنه لم يكن جبانا، ولكنّ الحياة تُغيّرُ القيم أحيانا، أو رُبّما كانت المشاعر، ومنذ تاريخ تلك الّليلة، تعلّم الجنرال الكذب، وتعلّم كذلك اتّخاذ الاحتياطات اللازمة نظرا لحساسية منصبه، وتحوّلت ريبيكا إلى السرّ الأوّل في حياته.‏

مزيج من أشياء غير مُتناسقة تجمع بينها النّوايا الصّافية والعشرة الصّادقة.‏

تُحيّيها سلمى بلباقة وتهذيب دون أن تُعيرها اهتماما، دون سوء نيّة أو احتقار ظلّت منذ عشر سنوات تنظر من خلالها، كجسم شفّاف، لم تعرف عنها شيئا، ولم ترغب في ذلك، وكان في لامبالاتها شيء عفويّ موجع، هي لم تكن تراها فعلا، لم تشكّل بالنّسبة لها شخصا يمكن الانتباه إليه… ‏

أهمّ الدّموع لا تأخذ الطّريق المعتاد بل تحفر بئرا داخل الرّوح وتبقى في مكان ما، تنتظر فرصة مُناسبة لتفيض

الرّاحلون يتّخذون موقفا واضحا لا مكان للالتباس فيه ولو قطعوا مع ما كان، ولو ذبحوا التعلّق من الوريد إلى الوريد.‏