اقتباسات أنطوان لاريس

وعندما لا يجد المرء أحدًا يلقي عليه باللوم يظل وحيدًا مع أحزانه.

كانت قصة حبنا كأنها حب عابر، استهلكنا فيه كل ما لدينا من مشاعر وأحاسيس، فلم يكن أمامه إلا أن ينقضي. ولكن يظل أثره واضحًا في حياتنا بجماله ورونقه وقوته، لذا عانقته وضممته إليَّ كي لا يتركني. لكنني أعلم أنه قد

كان عليَّ أن أشرع في الكتابة سريعًا قبل أن يسدل الموت الستار بلا رجعة على قصة حبنا. فأنا لا زلت الشخص الذي يحب «هيلين» وليس ذاك الشخص الذي أحبها في الماضي، ولا زلت ذلك الشخص النقي الذي يمنعه الأمل من

أعطيت الكلمة لمن لم يتكلم بعد، ومنحت صوتي لمن ليس له صوت يُسمع. منحته نفسي فلم أعد أنا، بل أصبحت هو.

‫“ماما،

‫أكتب إليكِ هذه الكلمات لأخبركِ أنني أحبكِ وأشتاق إليكِ. أبي هو من يساعدني لأنني ما زلتُ

الحق في ألَّا أريد؟ الحق في ألَّا أكون مذنبًا؟

؟ الحق في ألَّا يكون مزاجي معتدلًا؟ الحق في ألَّا أفصح عن كل أسراري؟ الحق في ألَّا أتحدث عنها؟ الحق في أن أكون إنسانًا عاديًا؟ الحق في ألَّا أكون على دراية بكل شيء؟

المنزلة التي وضعني الناس بها أو التي ينتظرون أن يرونني بها، ألم يعد لي الحق في أن أكون خائر القوى، ضعيف العزم؟ الحق في أن أكون غاضبًا؟ الحق في أن يطفح بي الكيل؟ الحق في أن أشرب حتى الثمالة وأن

أن الأولوية لنا نحن الاثنان. اللحظة الأخيرة لنا نحن الاثنان، أنا وهي فقط. ليس بصفتها ابنة فلانة، أو أخت فلانة، أو أفضل صديقة، أو تلك التي قُتلت في مسرح «باتاكلان». أريدها لي وحدي، لا يشاركنا أحد.

ولكن علينا أن نملأ هذا الفراغ. فهي ستظل معنا دائمًا ولكن بطريقة غير مرئية.

فقد شتتوا شمل حياتنا المنسجمة بسيل رصاص بنادقهم الآلية. وإذا ما حاولنا لم شمل هذه الأجزاء المبعثرة مرة أخرى فلن ننجح أبدًا، سيظل هناك دائمًا شخص غائب عن المشهد

ولكنهم لم يلقوا بالًا لدموع الغضب التي لم تجد من يجففها. وعندما لا يجد المرء أحدًا يلقي عليه باللوم يظل وحيدًا مع أحزانه. وأعتقد أنني كذلك، فأنا وحيدٌ مع طفلي الصغير

لو أنني نسيت أو تجاوزت الأمر. إلاّ أنني لن أعفو، ولن أنسى ولن أتجاوز الأمر سريعًا كما يظنون

يجب ألا يموت كل هؤلاء الناس هباءً…”.

‫ وهل يموت أحد من غير سبب؟

وهكذا، كانت هذه أول أحزانه.. أول أحزانه الحقيقية.

وتحولت الابتسامة إلى دموع فاضت من عينيه. أصابني انهيار، وبدأت أشرح له أن أمه ليس بوسعها أن تعود، فقد أصابها حادث خطير، ليس لها ذنب فيه، وأنها تود لو كانت معك، ولكن يستحيل عليها ذلك

دائمًا ما يخالطنا الانطباع بأنَّ - الذي يحيا ويعيش في ظروف صعبة يكون بطلًا، خاصةً إذا ما شاهدنا الأمور من بعيد وأنا أعرف أنني لست بطلًا، فكل ما هنالك أن القدر أصابني ليس أكثر أصابني بذلك المصاب دون أن يأخذ رأيي.

«أنت الذي فُجعْتَ بمصابك، ونحن من نستمد الشجاعة منك».

أدركت جيداً لماذا لم يخبرني في السابق أنها ماتت، فقد ماتت بين ذراعيه. أنا أدرك أنه ليس ذلك الناجي الذي أراه أمام عيني الآن. لكنه ما زال هناك، ما زال في المشهد العالق بذاكرتي الذي لا يريد أن ينتهي.

أردت لو أخبره أنه أتى في ظرف غير مناسب، وأنه غير مرحب به في هذا الوقت، فمجيئه يمثل صرخةً في أذني أن الحياة في الخارج استأنفت حركتها.

من المؤكد أن الحزن يدمرني - أعترف لكم بهذا النصر التافه - ولكن الحزن سيدوم طويلًا، لأنني أعرف أنها سترافقنا في كل يوم وسنلتقي في جنة الأرواح الحرة التي لن تدخلوها أبدًا.