أتذكّر أن هؤلاء الفتيات شغلنني أكثر ممّا شغلتني الراقصة وبديعة مصابني. وحين أعود الآن بالذكرى إلى تلك السهرة، أحاول أن أبحث عمّا يكون قد دفع والدي إلى ذلك، أبي البروتستانتي المتدين الجدّي الرصين، والمحافظ إلى أقصى الحدود. أيكون قد رغب في الترفيه عن نفسه بعد قضاء سنين طويلة في مدينة «مقدسة» لا تعرف هذه الألوان من الترفيه، فصحبني كي لا يغري إحدى الغواني بالاقتراب منه؟ أم شعر أن من واجبه أن يفتح عينَيّ على ما يدور في مجتمع غير مجتمعنا المغلق الضيّق، وفي مدينة كبيرة كالقاهرة مفاسد لم يتسنَّ لي معرفتها في القدس، فاختار أسلوب الترفيه بدلاً من الوعظ الجاف المباشر؟ وأسأل نفسي أيضاً: هل خطر له أن مشهد هؤلاء الفتيات البائسات سيترك في نفس ابنة الستة عشر عاماً الساذجة صدمة لن تنساها مدى العمر؟ لا أظن. ولكني متأكدة أن هذه الصدمة التي هزّتني مراهقةً، هي السبب في نقمتي الآن على مجتمع يدفع بعض النساء إلى أن يكنّ ضحايا ذكوريته وعنفه وفقره.
المؤلفون > نازك سابا يارد
نازك سابا يارد
1928نبذة عن المؤلف
نازك سابا يارد (مواليد عام 1928) كاتبة فلسطينية يحفل رصيدها بعشرات الكتب في مجال النقد الأدبي، تناولت فيها شعراء عرب من مختلف المدارس والعصور من العباسي أبي نواس إلى شاعر المهجر اللبناني الياس أبو شبكة. وقد اعتُمدَت أطروحتها 'الرحالون العرب وحضارة الغرب في النهضة العربية الحديثة' مرجعًا في جامعة السوربون في فرنسا. ورغم نجاح كتاباتها النقدية، لم تغفل يارد الكتابة الإبداعية فأصدرت بعض الروايات كما كتبت قصصًا للناشئة بعد أن قضت زهاء ثلاثين عامًا من عمرها في مهنة التدريس.تعيش اليوم في بيروت وهي عضو في 'تجمع الباحثات اللبنانيات'.
09 مراجعة