"الكبر هو ابن العُجب،...لأن الكبر -كما عرّفه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم- هو ((غَمْطُ الناسِ وبَطَرُ الحقّ)) وذلك جذره العميق هو العُجب.
دعونا نتصوّر خطورة الكبر على الحياة البشرية من خلال تصوُّرنا أنَّ هذا المرض قد عمّ كلَّ الناس، فكيف يكون الحال:
تصوَّروا أنّ كلَّ إنسان قد ازدرى كلَّ الناس فماذا يكون؟ لا يبقى في هذه الحالة احترام لأحد ولا هيبة لأحد ولا حُرمة لأحد ولا أدب مع أحد، وتصوَّروا حياةً بشريةً ليس فيها احترام ولا هيبة ولا حُرمة ولا أدب، وهذا كلُّه فرع الشقِّ الأولِ مِن الكبر.
ثمَّ تصوروا أنَّ كلَّ إنسان في هذا العالَم إذا عُرِض الحقُّ عليه رفضَه، فكيف يكون أمر هذا العالَم؟ عندئذ لا يستطيع اثنان أن يتفاهما على شيء إلا بالقهر على الباطل، فما لم يجتمع الناس على الحقِّ، لا يجتمعون على باطل، وعندئذ فالقويُّ هو الذي ينفِّذ أمره. ويتوضَّع حول هذا: الظلم، والغضب، والإرهاب، والإرهاق، والعدوان، وإهدار الكرامات والحقوق.
هذا مرضٌ نفسيٌّ واحدٌ يترتَّب عليه ما يترتَّب، فكيف ببقيَّة أمراض النفوس؟! ومن تأمَّل مثلَ هذا عَرَفَ بعض معاني قولِه تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الأنبياء:107].
وعَرَف رحمةَ الله في أنَّه أرسل للناسِ رسلاً يزكون أنفسهم، وعَرَف أهمية التزكية في الحياة البشرية عموماً وفي الحياة الإسلامية خصوصاً، وأدرك كم يجب على الدعاة إلى الله أن يمتلكوا ناصية علم التزكية كطريق لا بُدَّ منه لإيجاد جماعة صالحة ومجتمع صالح، فذلك هو المقدِّمة الأقوى لكل شيء، وبدونه لا نحقِّق هدفاً دنيويّاً أو أُخْرَويّاً... "
المؤلفون > محمد سعيد حوى
محمد سعيد حوى
1935نبذة عن المؤلف
ولد سعيد بن محمد ديب بن محمود حوَّى النعيمي - المعروف بسعيد حَّوى- في مدينة حماة بسورية في 28 جمادى الآخر سنة 1354 هـ الموافق ل 27 سبتمبر 1935م)، ونشأ في حماة لعائلة معروفة، فكان والده من رجال حماة، وله مشاركات واسعة في مواجهة الاحتلال الفرنسي لسوريا. وقد توفيت والدة سعيد حوى وهو في الثانية من عمره، فتعهدته جدّته بالتربية والتهذيب. إلى جانب دراسته عمل مع والده منذ صغره على بيع الحبوب والخضار والفاكهة، وكان من صغره مولعاً بالمطالعة والقراءة، وحفظ القرآن، وكانت تتولى تحفيظه سيدة كفيفة من أقربائه. التحق سعيد حوى بمدرسة ابن رشد الثانوية، وبدا عليه التميز في عدة مجالات أبرزها تمكنه من الخطابة. في هذه الفترة المبكرة من حياته كانت سورية تموج فيها أفكار كثيرة وتيارات فكرية متعددة للقوميين والاشتراكين والبعثيين والإخوان المسلمين، لكن بحكم تكوينه الفكري الديني فقد انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين سنة (1372 هـ الموافق ل 1952م) وهو لا يزال في الصف الأول الثانوي. بعد خروجه من المعتقل، تولى مسؤولية قيادة جماعة الإخوان في ظروف بالغة الحرج، حيث المراقبة والتقييد من السلطات هناك في الفترة من سنة (1400هـ = 1979م) إلى سنة(1403هـ = 1982م)، ثم ترك ذلك إلى المشاركة في قيادة التنظيم العالمي لقيادة جماعة الإخوان من سنة (1403هـ = 1982م) إلى سنة (1405هـ = 1984م)، ثم عاد إلى المشاركة في قيادة الإخوان في سورية من سنة (1406هـ = 1985م) حتى سنة (1408هـ = 1987م)، حيث أجبرته ظروفه الصحية على اعتزال العمل القيادي، بسبب إصابته بشلل جزئي، بالإضافة إلى أمراضه التي تكالبت عليه، كالسكري والضغط وتصلب الشرايين والكلى وضعف البصر، ثم لم يلبث أن دخل في غيبوبة الموت من (5 من جمادي الأول 1409هـ =ديسمبر 1988م) حتى (1 من شعبان 1409 هـ = 9 من مارس 1989م) حيث توفي بعد معاناة وصراع مع المرض. ميز سعيد حوى بفهم عال يجمع إلى جانب الدعوة الإسلامية التحرك السياسي المعتدل، والتصوف السني المتقيد بالقرآن والسنة النبوية، مع فقه الواقع وترتيب الأولويات، وقد عني الشيخ أيضاً بالدعوة إلى توحد الأمة الإسلامية وإقامة "دولة الإسلام العالمية"، وصياغة الشخصية الإسلامية صياغةً صحيحةً. كانت وسيلة سعيد حوى في نقل أفكاره هي الخطب وإلقاء المحاضرات، وكان كثير الحركة والتنقل في البلاد العربية والإسلامية والأوروبية، بالإضافة إلى طول باعه في التأليف، وحيويته المتدفقة، وكان يميل في عرض موضوعاته وأفكاره إلى السهولة والسلاسة بلا تزيُّد أو تعقيد أو ميل إلى تنميق العبارة، فهو يكتب كما يحاضر ويتكلم، وبلغ من حرصه على ذلك أنه لم يكن يهتم أحيانًا بصياغة الموضوع بأسلوبه إذا وجد من سبقه إلى بيانه، ولا يتردد في أن يقتبس ممن سبقه مبيَّنًا سبقه وفضله. بعد معاناة طويلة مع المرض توفى سعيد حوى في المستشفى الإسلامي بعمان في غرة شعبان 1409 هـ = 1989م، ودفن في مقبرة سحاب جنوب عمان بالأردن. وقد رثاه زهير الشاويش بقوله: "إن سعيد حوى كان من أنجح الدعاة الذين عرفتهم أو قرأت عنهم، حيث استطاع إيصال ما عنده من رأي ومعرفة إلى العدد الكبير من الناس، وقد مات وعمره لم يتجاوز الثالثة والخمسين، وهو عمر قصير، وترك من المؤلفات العدد الكبير، مما يلحقه بالمكثرين من المؤلفين في عصرنا الحاضر". اا
04 مراجعة