المؤلفون > هاشم غرايبة
هاشم غرايبة
1953نبذة عن المؤلف
ولد هاشم بديوي الغرايبة بتاريخ 1/1/1953، في بلدة حوّارة من أعمال محافظة إربد،ودرس فيها المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ثم انتقل إلى ثانوية إربد وحصل منها على الثانوية العامة. وفي عام 1970 انتقل إلى بغداد وتخرج في جامعتها عام 1974، إذ حصل على بكالوريوس مختبرات أسنان. ويبدو أنّ طموحه الدراسي لم يتوقف عن هذا الحد أو أن تخصصه لم يكن يشبع طموحه فانتظم في جامعة اليرموك وتخرج في كلية الاقتصاد والإدارة بدرجة البكالوريوس وذلك عام 1990. عمل مدرساً في معهد المهن الطبية التابع لوزارة الصحة في عمان منذ عام 1974 وحتى عام 1978، ثم مديراً لمختبر أسنان خاص به في إربد منذ عام 1985 وحتى الآن. رأس تحرير نشرة المحطة الثقافية، وعيُن عضو هيئة تحرير لمجلة وسام للأطفال التي تصدرها وزارة الثقافة في الفترة من 1995-1998، كما رأس تحرير مجلة براعم عمان التي تصدرها أمانة عمان الكبرى منذ عام 1998-2000. انتخِب عضواً في الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين لأربع دورات متتالية، ونائباً لرئيس الرابطة ذاتها للفترة الممتدة ما بين 1992-1994، ومقرراً للجنة أدب الطفل في اتحاد الكتاب العرب منذ عام 1990 وحتى عام 1996م. يتقن اللغتين العربية والإنجليزية، شارك في العديد من المؤتمرات والندوات وداخل الأردن وخارجه. حصل على جائزة محمود سيف الدين الإيراني للقصة القصيرة عن طريق رابطة الكتاب الأردنيين عام 1990 عن أعماله القصصية، كما أنه حاصلٌ على جائزة مهرجان الرّواد العرب للقصة القصيرة، وهي جائزة تمنحها جامعة الدول العربيّة من خلال المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. حظيت أعماله باهتمام الدارسين والنقاد والمهتمين بالأدب الأردني. أعماله: القصة، وقصة الطفل، والنص. هموم صغيرة، رابطة الكتاب الأردنيين، عمان، 1980. قصص أولى، دار الأفق، عمان، 1984. قلب المدينة، دار قدسية، إربد، 1992. غراب أبيض، دار الهلال، إربد، 1996/ قصص أطفال. غزلان الندى، أمانة عمان الكبرى، عمان 2000. السمكة الضاحكة، مؤلف مشترك للأطفال، عمان، 2000. عدوى الكلام، المؤسسة العربية للدراسات، عمان، 2000. الحياة عبر ثقوب الخزان، الكندي، إربد، 1995. الرواية: بيت الأسرار، دار الأفق، عمان 1982. المقامة الرمليّة، المؤسسة العربيّة، عمان وبيروت 1998. الشهبندر، دار الآداب, بيروت,2003 النقد: المخفي أعظم ج1، حمادة، إربد، 1997. المخفي أعظم ج2، المؤسسة العربية للدراسات، عمان، بيروت، 2000. المسرح ومسرح الأطفال: الوقوف على قدم واحدة، حمادة، إربد، 1997. ثلاث مسرحيات، رابطة الكتاب، عمان، 1984. الغابة المسحورة، مسرح أطفال، حمادة، إربد، 2000. الأعمال الدرامية بيت الأسرار، سيناريو إذاعي، 15 حلقة، من الرواية نفسها. سبع قصص للأطفال، سيناريو إذاعي. سراب أزرق، سهرة تلفزيونية. شجرة الفهود، سيناريو تلفزيوني، 30 حلقة، من رواية سميحة خريس.(مخطوط) وتجدر الإشارة إلى بعض أعماله السابقة قد نشرت في مجموعات مشتركة، أو مختارات صدرت عن جهات عديدة مثل وزارة الثقافة، رابطة الكتاب الأردنيين أمانة عمان الكبرى، كما نشر بعضها في دوريات محليّة وعربيّة من مثل الآداب، الأقلام، إبداع، أخبار الأدب، الكاتب العربي، أوراق، صوت الجيل، أفكار، المسار، مجلة عمان، براعم عمان. هذا وقد ترجمت بعض أعمال الأديب هاشم غرايبة إلى اللغة الإنجليزية: وهي: الباب السابع، ترجمة عصام التل، اليونسكو، 1997. هموم صغيرة، ترجمة محمد جميل شلش، الكردية، مختارات قصصية، دار الأخاء، 1996. نص الأفول هاشم غرايبة أدبر غريره ستقولون: -أدبر غريره، وأقبل هديره. أعرف أنّ الشكل يتغيّر، وأن الطباع تتبدّل، وأن الإنسان قد \"يتبهدل\". صدق ولدي ذو الأعواد.. لقد نجوت كما ينجو الذئب الهائم في البرية.. بالمران والتجربة.. لكن الحظّ خانني وأنا في أرذل العمر... -كيف لا أتردّى؟... كيف لا أنتقل إلى عالم الثريا؟!.. آخر مرة شاهدتها كانت حوريّة تسبح بين البرّين تبحث عن أميرٍ خرافي!! أعرف أنني أهذي.. لكني أصغي جيداً لما يجري حولي... القصص عنّي لا تنتهي.. قصص تؤلّهني بطلاً، وقصص تكسرني تافهاً! ها أنذا، مطاردٌ بسخرية النّاس... مطاردٌ بالوحشة، أتحرّك وفق مشيئة زوابع الصحرا أمضي حافياً وحيداً إلى حيث يجب أن أعود. حاولت أن أمدّ جسوراً شعرت أنها انقطعت بيني وبين بدئي.. قدماي تغوصان في الطبقات المتعاقبة لمختلف الحيوات التي عشتها.. كانت خواطري متعددّة، أستجمعها من تجاريب وذكريات وحاضر.. لذا جاءت في صور مبتورة مليئة بالألغاز. أعود؟ أحجّ! بل أسافر.. نعم إنّ الإنسان يسافر، لكن في لحظة ما طال الزمان أم قصر، تأخذ بتلابيب الروح حاجة لا تقهر... تحجّ بالمرء إلى مدينته المرتجاة.. أو تعود به إلى خيمته الأولى! أعود أعود إلى بدئي ممتطياً جحشاً قميئاً اسمه فدعوس، شاهراً سيفاً صدئاً مثلّماً اسمه الفرق.. أحضن حنظلة أسمّيها اللاّس، وأمشي مستأنساً بصحبة شفيعتي وأغنّي للثريا: -وردة السماء... وردة البيداء.. وردة عالمي.. الوردة التي أربكتني... غادرت مكانها منزلقة بين النجوم.. واستقرّت في حضني حنظلة يابسة... كان غناء ساذجاً بلا روح.. الشمس والنجوم بلا بريق تحت سماءٍ زرقاء هادئة... كلّ ما حولي ساكنٌ سكون الوجود لحظة الخلق... وفجأة! يشق السكون صخبٌ عاصف... أطفال الجبل الأحمر يركضون ورائي صاخبين.. محاولين أخذ اللاّس المضيئة في حضني مثل اللهب: -خميس الحافي راكب الحماء.. خميس الحافي عقله طار.. خميس الحافي سرق النّار. هربت أنا وحنظلتي إلى ظلّ نخلة نتّقي الحرّ وسخرية النّاس، فتقدم منّا شيخٌ أعمى رثّ الثياب وقال: -صدقة يا محسنين.. صدقة للأعمى الفقصير.. صدقة يا محسنين. هتفت فرحاً: -همّام... همّام. قمت فارداً ذراعيّ لأحضنهُ، فأدخل خنجره في نحري واختفى الشيخ. ظلّت يداي معلقتين في الفراغ.. دمي يسيل أبيض كالحليب ويتجمع حول حنظلتي مثل وردة تزيّن الرمال: -وردة الرّمل وردة السماء وردة الورود وردة الوجود وردة الظلام وردة الـ.... ها أنا \"أتردّى\" من فوق قدمي الحافيتين، تماماً كما قال العرّاف: -تموت مترديّاً يا بشر! لم أمت. مات الزمن! لا ورود ولا أقمار.. لا رياح ولا أسفار.. ها أنا أنتفض كالطيّر من شدّة الذبح.. مات الزمن! ها أنذا أمشي في جنازته، وأفضح وجهاً للحياة... فالعمر يضيع قبل أن نتعلم كيف نعيش! الآن أشعر أني خسرت كل شيء، ها هي زهرة دمي تغادر الرّمل وتنحدر نحو لبّ الحنظلة... ما ألذّ الهاوية... هدوء، لا خوف ولا حذر، لا حزن ولا حرج، لا تبذير ولا كرم، لا زهو ولا ندم.. تختفي الأضداد وتظل الأحجية، أحجية هذا الفراغ الذي يُخلّفه فقدان اليقين.. فراغ لا يمكن أن يملأه العبث بأصابع قدمي الحافيتين! يا وحدي!! وحدي وردة في ظلمة لبّ الحنظلة.. شدتني شفيعتي إلى رحمها، ونقلتُ قدمي – لم أعد أذكر اليمنى أم اليسرى كانت – وهويت!! ما ألذّ الهاوية... هويت في جوف حنظلة تتدحرج على كثبان الرّمل، أشعر بطمأنينة صافية، وأتلذذ بالصمت المر يدخل مسام جلدي كدخول الهواء في إناء مفرغ، فلا يعود الصمت صمتاً... بل يصير همساً مقلقاً: أمر كان.. وأمر يكون، وأمر لا يكون أبداً... ظلّت عيناي مفتوحتين على اتساعهما، تحدقان في أعماق ليل أبدي، تبحثان عن مصدر الصوت، حتى كلّتا... أسبلت جفني مستسلماً لقدري، واثقاً بحنظلتي، مطمئناً لمكاني داخلها، فتصاعد من أعماقي صوت خافت، سمعته بوضوح: -أمر كان.. وأمر يكون.. وأمر لا يكون أبداً!!! هدوء في رحم أمي الحنظلة أستقر، مثل الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. لا حب ولا كره، لا وجود ولا عدم، لا أسئلة ولا حيرة، لم يبقَ إلاّ الرائحة.. ها هي رائحتي تقودني في الممر الضيق عبر البتلات المتشابكة لوردة روحي، كلّ شيء حولي ساكنٌ سكون الوجود لحظة العدم، مددت يدي إلى ميسم وردتي، رافعاً كُلّي عن بتلتها الزاهية – لم أعد أدري اليسرى أم اليمنى – وصعدت! لحظتها لمع البرق قاذفاً بالرعد على مدينتي، فتزلزلت، انهمر المطر على قدري فأورق، وذابت أناي في أعماق مرارة أزلية. لم أعد أنا أنا... ولم تعد الوردة وردة.. ولم تعد اللاّس لاساً ولا الرائحة رائحة. ما في الحنظلة إلا ذرة هباء تنزلق في عتمة غروب غريبة، على مزلاج صرخة أخيرة، لسيدتي اللاّس: -قد لا نموت ولا نحيا!! صفير صفير الهاوية. أتمنى قليلاً من الخوف. صفير.. صفير الرجاء وهو يدخل مسام جلدي الجديد... أتشهى قبسة وجد.. رفّة هدب.. ضربة فرق.. لا شيء إلا وجيب قلب.. نبض مضطرب.. النبض يعلو صوته، الصوت طبلٌ يصم الآذان في هذا القفر الموحش... الصوت يرشح من مسام جلدي. يتصاعد من أعماقي ويرشح بوضوح، كان صوتي: فأمر كان: محبتي لك، وأمر يكون: تراني وتذوب فيّ! وأمر لا يكون: لا تعرفني معرفة أبداً. هيهات هيهات أن أستعيد لهفة الشوق في أول مسعاي... وقدرة الإرادة في مستهلّ خطاي.. آه كم أحنّ إلى بدايتي! ولكن هيهات أن أبدّل حادثة حدثت، أو أن أصحح مساراً سار.. إن ما وقع، وقع مرة واحدة... وإلى الأبد. لا دائم إلاّ الحركة.. لا يترك أثراً إلاّ الحدث. كل ما رويته لكم بقلب وفي.. وكل ما تجاهلته الذاكرة الخؤونة، تَجمع الآن فيّ وجداً يائساً وصوتاً لا يستقر.. دم... تك... دم.... تك... رملٌ مبعثر كذاكرتي يقترب وينتظم. دم... دماء... رمل.. ماء... دماء.... رمل. تتجمع الأصوات في داخلي بركة وجد أبيض، أحدّق فيها.. لا أرى ظلّي ولا أي ظلّ آخر، أدرك أن الحياة لحظتان: موت وميلاد... ميلاد وموت، وما بينهما بياض موجع، ها هو الأبيض ينسج لحياتي صمتاً يليق بها، أتمرّد، أحاول أن أطلق أغنية جديدة لتصير قوس قزح يلغي البياض، ولكن هيهات: -من أين ستجيء الأغنية وأنتم ستقطعون هذا الحبل المدلّى من سرتي الآن؟! صمت أبيض يا للوحشة، ما عدت أسكن رملاً، لكن الرمل يسكن فيّ، وأنت، أيها الكاتب المبجّل، لماذا تسرق مني.. وتبكي معي، وتراوح في قبضة النسخ والإنشاء، محاولاً الخلاص منّي. في قدمي حنين وما زلت أمشي، لو أن كل خطاي استقامت على بعضها، خطوة خطوة، لوصلت آخر الدهر، لكنني حين أمشي أرى كل شيء يسير إلى الوراء.. حين أهرول تضطرب الأرض تحتي.. فلم تكتمل رحلتي.. هكذا منذ بدأت لم أزل حيث كنت، لذا أعلنت صمتاً رهيباً.. وأجّلت كل الخطى. لا حبيبة ولا ماء... لا أقدار ولا دماء.. لا مشاعر ولا أشعار.. لا قدرة ولا إرادة. صمت، صمت، صمت. \"يروي لنا التاريخ كيف أنّ رجلاً، في ذلك الزمن السحيق... حين كانت الأشياء كلها تحدث واقعية ومتخيّلة وملتبسة، ألَّم بالخطة الجهنّميّة لاختصار العالم في كتاب وبتلذذ لانهائي، حلّق بخطبته العصماء عالياً وصقلها، منشداً آخر بيت فيها. وحين أوشك على حمد الحظ رفع عينيه فرأى (عنقوداً) لامعاً في الفضاء وأدرك، ذاهلاً، أنّه قد نسيّ (الثريا). برغم أن القصّة التي رويتها، ليست سوى حكاية، فإنها تمثل رقية سحرية... ما أكثر نستخدمها في صنعتنا حين نريد تحولي حياتنا إلى كلمات. الجوهر مفقود دائماً.. هذا هو قانون كل كلمة عن الإلهام، ولن يكون في وسع خلاصتي هذه أن تتحاشاه\" اختفى الرجل في لحظة ما تخلّيت عت الاعتقاد بوجود خمسين بن الأحوص، فاختفى الرّجل، وأتت عثّة الصحراء على المخطوط ترمّه، فانفطرت الثريا في عليائها حزناً وأربكت النجوم من حولها. اختلّت دورة الأفلاك، وصارت السماء وردة كالدّهان... اختفى الفلج ومدينة الفجّ.. النهر الكبير والبرّ الآخر. الجبل الأحمر والجبل الأقرع. أرض الحراء وحصن الدّهناء. بلدة الخضر والواحات. التخل وحبّات الرّمل.. وعلى الدنيا السلام. أما بعد فها هو كتاب المقامة الرّمليّة حسب ما تخيّله الرّاجي معرفة ذاته، الكثير بكلماته.. هاشم غرايبة بن بديوي المصطفى من حوّارة، فمن حرّف شيئاً من معناه، أو أزال ركناً من مبناه، أو طمس واضحة من معالمه، أو لبّس شاهدة من تراجمه، أو اختصره، أو نسبه كلّه أو بعضه إلى غيرنا فله أجر جهده، وأجر أبداله أو اختصاره أو انتحاله أو تأويله أو نقده. هذا ويقدّم (الناسخ) الاعتذار فيما سلف من هذا الكتاب من سهوٍ إن عرض، أو تصحيف أو تغيير إن وقع، منتبهين إلى ما يلحقنا من سهو الإنسانية ويصحبنا من عجز البشرية عن بلوغ الغاية وتقصّي النهاية... ودائماً لكن أحلى المنى.
05 مراجعة