اقتباسات فواز حداد

فواصل نشاطاته الاستخباراتية، وكانت مرهقة بسبب تعامل الأدباء بالمصطلحات آنفة الذكر فمثلًا، إذا سمع بالعهر الليبرالي، لا يدري إن كانت الليبرالية شيئًا جيدًا أو سيئًا، أو كان العهر يضيف إليها أو يُنقص منها، وفي ما إذا كانت بصيغتها المركبة، محمودة أو مستنكرة، وهل هي مدانة أم لا، أخيرًا وليس آخرًا، هل تستحق التخبير عنها؟ وإذا كانت قد استغلقت عليه، فلأنه كان حديث عهد بالأدب، فقد أصبح شاعرًا على كبر، حتى إنه عندما سأل عنها، أحالوه على عشرات الكتب، فنفر من الثقافة، فهو لم يعمل في المخابرات ليعود إلى قاعات الدرس والمطالعة.

آنئذ، لم ترُقه التضحية من أجل الحرية والعدالة، إذا كان من أجل الشعب، فالشعب اعتاد الاستكانة والتعاسة. كان في مستهل حياته، أعباء العيش تسمح بمعاناة الفقر، فلم يضف إليه الخوف.

في مستهل حياته، أعباء العيش تسمح بمعاناة الفقر، فلم يضف إليه الخوف. وإذا كان قد تحمّس للحرية، فلإدمانه القراءة، وقع تحت تأثير فلاسفة التنوير ومناضلين أمميين، لكنهم لم يواجهوا مثل هذا النظام؛ الكتب غير الواقع.

آنئذ، لم ترُقه التضحية من أجل الحرية والعدالة، إذا كان من أجل الشعب، فالشعب اعتاد الاستكانة والتعاسة.

مع السلامة

مع السلامة

إذا كنت أريد الهجرة فإلى بلد لا يملكها أحد، ولا يتنازع عليه متدينون وكفار، معارضون وموالون، بلد هو للجميع، وليس ملكًا لأحد أن أبرأ من كل هذا الجنون عن العلوية والسُّنية والمسيحية والشيعية والدرزية والكردية… ماذا يعني أن أكون سنيًا، وماذا يعني أن أكون من الأكثرية؟ هل ليدعي العلوي أنه من الأقلية المظلومة، جاء دوره ولديه الحق في أن يكون من الأقلية الظالمة؟ ثم يستنجد بالأقليات لتقتل وتذبح معه.

الملايين الذين في الخارج، سواء اندمجوا أو لم يندمجوا، نجحوا أو لم ينجحوا، رضوا بمنفاهم، واعتبروه وطنهم، أو رفضوه، أو لبثوا فيه رغم أنوفهم، تأتي عليهم ساعات يدركون أنهم مهما بحثوا عن أنفسهم فلن يجدوها، لا يجهلون أنهم تركوها في ذلك البلد الذي لم يعد بلدهم، فتطمئن خواطرهم. لقد تغير إلى الحد الذي لن يعرفوه، ولن يتعرفوا إليه من جديد، لقد أضاعوه، ولن يعثروا عليه. سيرافقهم هذا الشعور إلى القبر؛ هناك ما فقدوه، ولن يستعيدوه أبدًا.

«أليس هناك جهة غير المخابرات؟».

‫ «لا يا أبونا، الأديان منبع الإرهاب، سواء كان الدين مسالمًا أو مقاتلًا، الأديان مثل المؤامرات، مثل الاغتيالات، مثل التفجيرات… من صلاحية الأجهزة الأمنية».

العاصمة أصبحت مرتعًا للميليشيات المذهبية المسلحة الآتية من لبنان وإيران، عراضاتهم في سوق الحميدية والجامع الأموي تعلن مقاصدهم بلطم صدورهم وتسييل دمائهم، ولعن الشوام الأمويين جاؤوا إلى دمشق ليقتصوا من الأهالي عن جريمة ارتكبوها بقتل الإمام الحسين، قبل ألف وأربعمئةقبل ألف وأربعمئة عام. يتجولون في الشوارع كأنهم في رحلة سياحية في بلاد الكفار.

‫ حان الوقت لإبادة الشوام عن بكرة أبيهم، أو أسلمتهم على المذهب الصحيح.

كان جبانًا، تهاون في التزامه الكنسي نحو أشقائه المسلمين، وإذا كان قد أحس بالإخوة نحوهم، فلأنهم إخوته في الإيمان، وجيرانه في الحارة، وشركاؤه في الخبز، وفي البؤس، وفي الشقاء، وفي الوطن ليسوا رفاق الطريق فقط، مهما قال عنهم، أو فكر فيهم، واختلف معهم، إنهم نحن، ونحن جميعًا أبناء الله، وما الأكثرية والأقليات إلا أكاذيب، ليس من الإنصاف التخفي عليها.

«هؤلاء عالقون في مخيمات النزوح، محرومون من بلداتهم وقراهم، ومشتاقون إليها، لو رأوها لما عرفوها؛ بيوت منهوبة وركام».

‫ «ما الذي تريد قوله؟».

‫ «أقول إن الوطن الذي يعرفونه لم يعد موجودًا».

«أحسست مرارًا في تلك اللحظات التي لم تبارحني، ما الذي يعنيه الوطن للنازحين، لا عيش ولا حياة ولا أمان … من دونه».

ما يعرفه عنهم أنهم لا يمتلكون أي وازع ديني من الأديان والمذاهب الكثيرة المتوافرة في الجمهورية، ولا وازع من الأخلاق المتعارف عليها، فضلًا عن عدم توخي الفهم، لا يمكن التفاهم معهم بأي شكل من الأشكال ليسوا إلا مجموعة من الزعران والبلطجية

‫ وقع في يقينها من فرط ولعه بها، أنها باتت أيقونته، ولقد اعترف لها بإحساس مرهف بأنه يستلّ الألوان من لون عينيها وبشرتها، والورع من خجلها، والتقوى من إيمانها، ومخافة الله من خوفه عليها ومن شدة ما ارتاع من جمالها

كان في إسهامي بها، توريطي بالوطن، ماذا كانت صلتي به؟ إذا كان الذكريات، فقد رحلت إلى الذاكرة، وصداقات غدت بلا أصدقاء أريد الرحيل دونما التفات إلى الخلف بات الوطن مادة للعذاب، لن أتشبث به لقاء السجن أو الموت أنشد الاختفاء، لا الظهور، ولو كان في تاريخ المهمشين.

قلت لها: ‫ «ما حدث ليس خافيًا الحقائق مبذولة، سواء كانت عن هذا الجانب أو ذاك» ‫

«إنها متناقضة، وغالبًا مغيبة» ‫

«عمومًا متوافرة، لا يمكن تجاهلها» ‫

أصرت على رأيها: ‫‫ «أنت مخطئ، العبث بها بات يوميًا، ما يذهب بنا إلى تاريخ منقوص، والأدهى زائف غير موثوق».

كانت تتكلم عن الحقيقة، وبالتحديد عمّا دعته حربَ الحقائق. لم أقاطعها، الحقيقة لا تؤرقني. أما حرب الحقائق، فهي نفسها حرب الأكاذيب، أصبحت مملة من فرط اللغو فيها؛ النظام يزوّرها لحسابه، وفلول المعارضة تزوّرها لحسابها.

❞ ما الذي يعنيه الوطن؟ باريس المكان الذي تعيش فيه، هل كان وطنًا؟ لم تطرح على نفسها هذا السؤال، جورج استدرجها إليه، كانت لا تؤمن بالأوطان، لم تُخفِ عنه قناعتها بزيف الجغرافيا، قد يكون الوطن هنا أو هناك، الوطن مصادفة، ولا مبرر لجعله قدرًا، لئلا يصبح مثل الموت قدرًا قبل أوانه، ليس بالوسع تجنبه. ❝

‫ «ليته ارتكب الخطايا السبع، كنت غفرتها له. أما الثورة، فالدولة ليست كنيسة لتغفر، النظام لا يعفو ولا يرحم».