الكتابة بين الجثث : قبلة على جبين غزة
تأليف
عيسى قراقع
(تأليف)
"نكتب بين الجثث، الكتابة هي العين المُحمَّلة بكل ما رأته من كوارث، نكتب بعيوننا المستيقظة دوماً، انظروا في حدقات جثثنا، ترون غزّة من الشمال إلى الجنوب، تروننا أحياء من الجليل إلى النقب كأننا ألف مستحيل، الكتابة تمزق الغلاف الكئيب عن الميت والذكريات، تخرج من سرادق الدفن والنيران وطمس التاريخ، نخرج بالكتابة من العزلة وكآبة الرثاء، ومن المدينة المتشظّية، نجترح بالكتابة كل مشتقات الموت حتى يذوب الموت ويتلاشى، لا نقبل أن ينتهي كل شيء، فالحياة تمضي، الحياة نحن الباقون الذين نواجه آلة الحرب برفض الهزيمة والفناء.
نكتب؛ لأنّه حقّاً نقوم من الموت، فكل الثورات والحضارات بدأت بكلمة في قصيدة، أو بيان في مظاهرة، ونمضي إلى أقصى المخيلة، لنا سماء فوق السماء، وجدار بعد الجدار، نمضي إلى الوجود الحر ومطلق الأشياء، نكتب؛ لتصير الكتابةُ لباسَنا الدافئ الواقي للكرامة والمقاومة.
نكتب بين الجثث، وسط القهر والرعب، ولكن من يكتب لا يُهزَم، فالحرية الحقّة لا تكون إلا في الموت، فبعض الموت حياة، نكتب كل يوم؛ لنشطب الدمار والنكبات المتسارعة، نزرع الحدائق ونغني للأطفال، نسمعهم في ذواتنا كصوت البحر.
نكتب من غزّة باللحم والدم والجوع والعظام الناشفة، قُبْلةٌ على جبين غزّة في الذكرى السادسة والسبعين للنكبة، ما ألذَّ الكتابةَ عندما تكون غزّيّة المَذاق! الكتابة في غزّة تبني مكاناً في المكان، وزماناً في الزمان، الجثة هي الراوي، ومَنْ أجدرُ بالموت من الحكي الآن؟ للموت لسان وعيون باهرة، وقد فاضت الكلمات بالفجيعة، تلك العيون التي تُجيد التحديق في الكارثة، وتُعرّي العالم من الأقنعة كافّة..."