"في صيف ٨٨.. الفن الذي لم يستسلم لصراعات الواقع"
كثير مننا عاش ارتباطًا قويًا بفنان: ممثل، أو مطرب، أو ملحّن، ارتباطًا تجاوز مرحلة الإعجاب، بل قد يصل لعلاقة صداقة قوية، أو عشق المحبّين، بالطبع من طرف واحد. نعيش هذه الحالة دون تصنيفها، ولا نتساءل هل الفن نهرب به من الواقع، أم أننا لا نحتمل دنيا الواقع ونحتاج ما يخففها؟
"لولاكي لولا لولا" هذه الكلمات البسيطة غزت قلوب الملايين في وقتٍ ما، وتغنّى بها الكثيرون، وتأثروا بها، ممن عاشوا تفاصيل هذه الأغنية "هالة شاهين"، لكن حكايتها لم تكن فقط مع "لولاكي"، بل كانت مصاحبة لحياة "علي حميدة" طوال عمريهما.
اختار النص الروائي الحكي على لسان "هالة" بقالب أدب رسائل مذهل، ضمير المخاطب يجعل القارئ يشعر أنه هو نفسه "علي حميدة"، ومسؤول عن كل ما يحدث في حياة "هالة" وصديقاتها.
الزمن هنا يبدأ من أواخر الثمانينات، ونعيش معه فترة بساطة التسعينات بعيون "هالة"، لكن ليس بوجه واحد، بل دائمًا هناك وجه آخر حسب أسماء الفصول، تمامًا كشريط (الكاسيت)، لم نسمع فقط الأغاني الجميلة، بل عشنا التحولات السياسية وكيف أثّرت في المجتمع وأهله.
تم النسج بترابط مدهش وتوازٍ بين مسار حياة "هالة" وحياة "علي حميدة" ، لم يقع النص في خانة كتب السيرة الذاتية، بل ظلت اللغة روائية مناسبة، تخدم السرد الذي جاء قويًا ممتعًا، خفيفًا تمامًا كأغاني التسعينيات.
من أبرع دهشات هذا النص تفاصيله، ما بين أسماء الملحنين، والممثلين، والظروف المحيطة، وربط كل ذلك بحياة الفنان، وحياة "هالة" المعجبة، التي تراسل الفنان حبًا فيه، لا أملًا في انتظار الرد.
عشنا مع "هالة" بين صديقاتها: "رشا" ، و"سحر"، و"لمياء"، وتنقلنا معهن عبر تحوّلات الزمن والمجتمع، ما بين رفض الأغاني وارتداء النقاب، إلى صوت الحرية والثورات التي نادى بها الشعب، ويبدو أنهن اجتمعن على التأقلم مع الأوضاع المحيطة، إلا "هالة" التي عاشت خارج الزمن، بصحبة حبيبها وصديقها الروحاني "علي حميدة"، لم يكن بإرادتها، فكما قالت :"هي أشياء تنتزعنا ولا نختارها"
ربما بين أواخر التسعينيات إلى عام ٢٠١١ وما بعدها حدث فجوة زمنية بان أثرها في النص، فانتقلنا بصورة شبه مفاجئة متجاوزين سنين لا نعرف عنها شيئًا، ربما هذه الفترة شكّلت الكثير في حياة "هالة"، وأوضحت بعص العلامات التي ستنكشف مع النهاية عن حياة أمها وجدتها. لكن عاد النص يسير بانسيابية من جديد مع أواخر اللحظات، ووداع النجم في مشهد نهاية بديع للغاية، يرسم ما واجهه هذا الجيل من المآسي وضياع الفرص، مصحوبًا ببعض الأمل ولو كان سرابًا.
شعرت بروح جديدة في هذا النص، تفاصيل مبتكرة تم دمجها بخفة وبراعة، في إطار أدبي متماسك وممتع، وتساءلت كيف لحياة "علي حميدة" أن تخرج لنا بهذا الكم من الرؤى، والآلام، والجمال، هي رواية خير ممثل للحياة التي لم يعيشها كثيرون تحت ضغط المجتمع، وتمثّل الفن الذي لا يكفّ عن جماله مهما تغيّر الزمن.