إسلام التنوير أم التشدد؟ قراءة في فكر مالك شبل
تأليف
غي سركيس
(تأليف)
صراع الخير مع الشرّ، الحقّ مع الباطل، النّور مع الظلام، وجد قبل وجود الإنسان العاقل المميّز على الأرض. لم يكن الصّراع في حينها موجودًا بين هذين النقيضين نظرًا لأنّ ما كان يسكن هذا الكوكب هي كائنات غير عاقلة تسفك الدّماء بلا تمييز ولا شفقة ولا رحمة؛ فكان الصّراع الوحيد الّذي تخوضه هذه الكائنات هو صراع البقاء. مع وجود الإنسان الأوّل، ومنذ أن أعلن الله مشيئته في استخلافه في الأرض، خشيت الملائكة أن يستمرّ صراع البقاء مع هذا المخلوق الجديد المستخلَف، فيستمرّ القتل وسفك الدّماء (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك) ولم يكن الجواب الّذي تلقّوه من ربهم أنّهم أخطأوا التّصوّر واستشفاف المستقبل، وأنّ الإنسان المستخلَف لن يكون شرّيرًا، بل أشار الله إليهم أنّه يعلم ما لا يعلمون. واستكمل الله خلق الإنسان الأوّل على صورته (أي صورته كإنسان) مستقيم القامة عاقلًا مميّزًا ناطقًا ضاحكًا، فكانت التجربة الأولى: وقوعه في الغواية ثم التّوبة، والتّجربة الثانية: تغلّب الشّرّ على الخير، حيث امتدّت يد الأخ لقتل أخيه؛ ولكنّها تواجهت مع إرادة الخير حين رفض الأخ الآخر أن يسفك دم أخيه (لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف الله ربّ العالمين). وهكذا دواليك إذ أضيف إلى صراع البقاء صراع الحقّ مع الباطل والخير مع الشرّ. في مختلف العصور والأزمنة المتلاحقة إلى يومنا هذا، كان الشرّ هو المنتصر في الأغلب الأعمّ، وكأنّه هو الأصيل في الإنسان بينما كان الخير هو المنهزم وكأنّه هو الطارئ المستثنى.