1️⃣ الموضوع : قراءة نقدية
2️⃣ العمل : رواية " أعراس يوم القيامة "
3️⃣ التصنيف : خيال بطعم التاريخ والواقع
4️⃣ الكاتب : عدي لزية
5️⃣ الصفحات : 160
6️⃣ سنة النشر : 2024 م
7️⃣ الناشر : دار أبعاد للنشر والتوزيع
8️⃣ التقييم : ⭐⭐⭐⭐⭐
◾ـ من الجميل والمميز أن ينتهي العام بهذا العمل شديد الإبداع والامتاع ، الذي غاص غوصًا عميقًا في التاريخ وربطه بالواقع ، وعوّل عليه مستقبلاً .. اتخذ من هذا المستقبل طريقًا لخيال واسع في ثلاث مراحل زمانية .
◾ـ يقدم الكاتب قصة شديدة الدقة والمتعة والتألق، حيث يتحدث بداية من الماضي ، عن "روبرت أوبنهايمر"، صانع القنبلة النووية التي دمرت هيروشيما في اليابان ، وما نتج بعد ذلك من دمار شامل وتغيير حقيقي لوجه الأرض ، إنها أبشع كارثة حطت على الوجود ، قامت بها تلك الدولة التي تدعي السلام والعلم والحكمة.
▪️ـ ❞ اخترع روبرت أربع قن*ابل نوويّة: الأولى جرّبت في صحراء نيو مكسيكو .. الثانية كانت قنبلة الولد الصغير التي مسحت هيروشيما عن الوجود .. الثالثة كانت قنبلة الرجل البدين التي أبادت ناكازاكي .. أمّا الرابعة فلم تنفجر أبدًا، لكنها أنجبت آلاف القنابل. ❝
◾ـ في توقع لهذا الحدث، الذي كانت تشير إليه كل الأنباء ، والصراعات والضيق والكوارث ، قامت سويسرا بصنع ملاجئ "يوم القيامة"، التي تقيها من هذا الدمار الشامل العالمي .. حين حصلت الح*رب العالمية الأولى في عام 1914 وسقط في إثرها الملايين من الضحايا ..
◾ـ بعد ذلك ، نفخ الشيطان نفخته الثانية في أذن دولة السلام والعلم ، فقاموا بالكارثة الأكبر والأبشع في الح*رب العالمية الثانية. ثم حدثت الظروف والأهوال التي أدت إلى نشوء الح*رب العالمية الثالثة ، والتي أفنت كل وجوه البشرية.
◾ـ هكذا يتخيل الكاتب ، ولكن في سويسرا ، وفي عام 2030 ، يخرج أحد الناجين اليابانيين وزوجته وابنته من سبات دام طويلاً ليجدوا عالماً بلا عوالم ، وأرضًا بلا معمرين .. فجوة زمنية أحدثت خللًّا ؛ ليتداخل الحيوانات والحشرات في قلب الرواية ، وتقوم مقام البطولة .. نعم، أنتم هنا في موطن الخيال .
◾ـ مع "كايو"، هذا الصرصار الذي قال للناجي الياباني "ماتسو" إنَّه سيكون له دور في إعادة إعمار البشرية من جديد .. في النرويج ، يجدون جو وماريو وأوليفر في بنك الجينات لحماية البيئة وتنميتها بالحفاظ على الطيور والحيوانات ، في طريقهم إليه، يعرفون الكثير من الخبايا .
◾ـ حين دلهم أبناء جو بعد وفاته ، على "جيمس"، ذلك العالم الذي قام بإنشاء "وادي الموت" في كاليفورنيا ، تحسبًا لفناء البشرية ، محنطًا أو مجمدًا بالمعنى الصحيح لمئات الشخصيات الفكرية والعلمية والثقافية ، ليقوموا بإعادة إعمار الأرض بعد فنائها.
◾ـ ثم أحداث متعددة كثيرة ونهايات أو بدايات للشتاء النووي ، كان تصوّرًا أن يكون ، ولكن كان للقدر رأي آخر .. نجح "ماتسو" وزوجته وابنته ، و" وأبناء جو" والحيوانات والطيور والحشرات ، و"جيمس" في إعادة إعمار الأرض ، وإحلال السلام ، وصلحًا أبديًا حتى يشاء القدير.
◾ـ بين الماضي والحاضر والمستقبل يتنقل الكاتب بروعة وانسيابية وحبكة شديدة الإحكام ، اللغة جزلة وقوية ، رصينة وفصيحة ، تدل على قلم مبدع يمتلك كمًا هائلًا من مفردات اللغة ويطوعها حيث يشاء وكيفما يريد .. حتى الخيال يصبح واقعًا من شدة تصويره العميق للأحداث.
◾ـ الرواية تحمل بين طياتها موضوعات عديدة ، ورسائل شديدة اللكنة والصرامة حول فضائع الح*روب والدمار الذي تخلفه الأخيرة ، في دعوة منه إلى السلام والوئام الذي خُلق الناس من أجله .. كما أنَّ المستفيد الوحيد من هذا الدمار ومن فناء الجنس البشري هو ذلك المخلوق من النار ، عليه لعنة الجبار.
◾ـ جمع ومزج رهيب بلغة شاعرية شديدة التميز والإيقاع ، فلسفية شديدة العمق والإبداع ، تصويرية قوية البناء والإشباع .. كانت إسقاطات الرواية رائعة ، وأعجبني جدًا قصة "قاطع الأحجار" .. وتصوير الكارثة الإنسانية التى حدثت لشعب هيروشيما عند سقوط القنبلة ، بصورة تدمي القلوب وتفتك بالعقول .
◾ـ ثم تعريجا على الكوارث التى أحدثتها فرنسا تحت قيادة ديغول في الجزائر:
"بعد 57 تجربة نووية ما بين 1945 و1966، انسحب الجيش الفرنسي بعد تعريض 42 ألف جزائري للإشعاعات النووية، ولتكون جزر بولينزيا الفرنسية في محيط الهادئ المحطة التالية لاستكمال التجارب النووية."
◾ـ النص في هذا السياق إبداعي جدًا ويظهر الأسلوب العميق للقصة في تصوير دمار هيروشيما وكيف أن المذنبين كانوا يحاولون دفع ثمن ما اقترفوه طيلة حياتهم:
"كذلك فريق الموت، لقد حلّت عليهم لعنة هيروشيما السوداء؛ فبعضهم مات مسمومًا بصمته بسبب عذابات تأنيب الضمير وجلد الذات، فرقص على حافة الجنون، والبعض قد أُصيب بحالة هيستيريا تُرافقه طوال حياته بسبب رؤيته لمدينة هيروشيما تختفي بأكملها. آخرون دخلوا مصحّاتٍ نفسية، فقد فقدوا عقولهم لبشاعة الجريمة التي ارتكبوها. وأكثرهم شقاءً هم أولئك الذين لا يزالون يظنون أنهم أصحاء وبكامل وعيهم، وفي الواقع قد ماتوا منذ إلقاء القنبلة، لكنهم لم يتنبّهوا لوفاتهم."
◾ـ رواية "أعراس يوم القيامة" هي واحدة من أجرأ وأكثر الأعمال الأدبية إبداعًا وتعقيدًا في طرح قضايا إنسانية وفلسفية خيالية وحقيقية .. تمكّن الكاتب من رسم عالم مستقبلي متوازن بين الخيال والواقع والتاريخ ، ليقدم رؤية شديدة القوة حول الح*روب والدمار وإعادة بناء الحياة.
◾جانب من النصوص المقتبسة:
▫️ـ ❞ الح*روب سوقٌ لبيع الأسل*حة، والساسة سماسرة الم*وت، يُجيدون صنع الأكفان. ❝
▫️❞ لا يوجد أصعب من أن تُفارق من كان يُضحّي لأجلك، منذ زمن، ولا تُدرك قيمته إلّا بعد وفاته ❝
▫️❞ أيّ حبّ ذاك الذي يدفع المرء إلى التضحية بروحه من أجل وطنه؟ فأصعب التضحيات تلك التي تقدّمها وأنت عالمٌ أنّك مهزوم. ❝
▫️❞ إنّها فلسفة الحياة؛ قد تجد نورك الذي تبحث عنه في الجزء المظلم منك، وقد تجد الماء في ذات النهر الذي جفّ بداخلك ❝
▫️ـ ❞ بقدر الآلاف من اليابانيّين الذين ماتوا بسبب «روبرت أوبنهايمر» وهم يستغيثون بعبارات الرجاء، مات روبرت مسمومًا بصمته بعد أن تقيّأ يأسه المعتق، وأُصيب بسرطان الحلق كما لو أنّه اختنق بصرخات كلّ الناس ❝
▫️ـ ❞ أحيانًا، قد يكون الموت لا مرئيًّا، يغتالنا من الداخل، يتغلغل إلى أعماقنا وينقر في جوفنا بصمتٍ على مهل، وعندما نُلاحظه يكون الأوان قد فات. ❝
▫️ـ "رُميت القنبلةُ عن ارتفاع 580 مترًا، وكانت تحوي على 60 كيلوغرامًا من يورانيوم 235. انحرفت عن مسارها 240 مترًا بسبب الرياح المتعامدة ونزلت فوق عيادة شيما. بلغت حرارةُ مركزِ انفجارِ القنبلة مليون درجة مئوية، وارتفعت الحرارةُ عند مستوى الأرض عند مكان انفجار القنبلة إلى 400 ألف درجة مئوية. المباني على بعد كيلومتر انصهرت. "
#أبجد
#عدي_لزية
#من_أبجد_هنا_لبنان
#أعراس_يوم_القيــامة
#معرض_أبجد_الإلكتروني
#مراجعات_محمــود_توغــان