كتاب الطريق
تأليف
تاو تي تشينغ
(تأليف)
سعيد غسان ماهر
(ترجمة)
سَبر لاوتزو عميقًا بتجاربه وسط حَقائق عِلم الحَياة، فاكتشَف أنَّ التَّناقض موجودٌ فقط على القِشرة الظاهريَّة، وأنَّنا كلَّما أصبَحنا أكثر وحدةً أصبَحنا أكثر اكتِفاءً وموَدَّة، وكلَّما قلَّ تعلُّقُنا فيما نُحِبُّ حضَر الحبُّ أكثر في القُلوبِ، وكلَّما تاقَت بَصيرتُنا إلى ما يتَعدَّى الخير والشرّ تجسَّد فينا الخير أكثر.
تَرتكِز حِكمة لاوتزو على فلسَفة "فِعلُ اللا فِعل – doing not-doing" التي فُهِمَت خطأً على أنَّها فلسفةٌ انهزاميَّة سلبيَّة لا تطمَح إلى الجدِّ والأمَل، ولكنَّ اعتقادهم هذا بعيد كلَّ البُعد عنِ الحقيقة والعقل.
فكَم مِن رياضيٍّ مُحترِفٍ دخَل حالة وَعيٍ لجَسَدِه، فاعترَفَ أنَّ تأديَة الحركةِ المُناسِبة، أو تسديد الضَّربة الغالبة تأتي مِن تلقاءِ نفسِها بلا جهدٍ، دُون أيِّ تدَخُّل للفِكر الوَاعي الإراديِّ عن قَصدٍ، فهذا مثالٌ حَيٌّ لنَظريَّة اللا فِعل؛ حيث تكون أرقَى درجات الفعل، عندها تلعبُ اللُّعبَة ذاتها، وتنظِّم القصيدَة قافياتها، ولا تستَطيع أن تُفرِّق الرَّاقصَة عن رقَصَاتها، وعِندَها "حين لا تفعَل شيئًا، لا شَيءَ يَبقَى ناقصًا، بل حينها يتِمُّ الفِعلُ".
لا تفعَل شيئًا لأنَّ الفاعلَ اندمَج بكلِّ كيانِه في الفِعل، كما يتحوَّل الوُقود إلى لهيبٍ مُشتعِلٍ، فهذا "اللَّا شيء" هو بالحقيقة كلُّ شيءٍ، إنَّه يحدُث عندما نثِق بالعَقل الكُلِّي للكَون العظِيم، بالطَّريقة نَفسها التي يثِق فيها رياضيٌّ أو راقِصٌ بالوَعي الأعلَى لجَسَدِه السَّليم؛ هذا يُفسِّر تَركيز لاوتزو على اللِّين، فأيُّكم مَن رأى مُحترفًا لرياضة "الآيكيدو - Ikido"، أو "التاي تشيt’ai tchi - " يفعَل اللا فِعل يُدرك مدَى قوَّة هذه القُدرة اللطيفة.
إنَّ تعاليم هذا الكتاب هي تعاليم أخلاقيَّة بكلِّ ما تَعنيه الكلمة، مُتحرِّرة مِن فِكرَة الخطيئة، كَبيرة كانَت أَم صَغيرة، حيث لا يَرى لاوتزو في الشَّرِّ قُوًى يجب أن تُقاوَم، إنَّما هُو ببساطة غمُوضٌ، وحالة مِن الأنانيَّةِ غيرِ المنسجِمةِ مع المَجرَى الطَّبيعي للعالَمِ، كذلك الحَال مع الزُّجاجِ المغبَّر؛ فهو لا يسمَح بدُخولَ أشعَّة الشَّمس أو ضَوء القمر، إنَّ تحرُّرَه هذا مِن تحديدِ الأخلاق في أُطُر يُتيح له قدَرًا كبيرًا مِن الرَّحمة والتَّعاطُف مع الخطَّائين وفاعلِي الشَّر.