بعد قراءة هذا الكتاب لم يعد لدي أي شك في أن هذه القصيدة (حياة جديدة) ومن بعدها ( الكوميديا الإلهية) ليستا إلا قصيدتان صوفيتان بإمتياز.
فكل المعاني الصوفية والمجازات والرموز الصوفية من عاشق وعشق ومعشوق وقبض وبسط وسكر وصحو وفناء وبقاء وبقاء في الفناء وفناء في البقاء كلها حاضرة ناطقة لا يمكن إغفالها، فنرى عاشق لا يجد إلا العشق وسيلة يتوسل بها إلى معشوقه، فهو يتوصل به إليه، لأن العشق هو المعشوق، نرى تجلي المعشوق في حجب من بعدها حجب وصولا إلى آخر الحجب الرقيقة، والتي هي هنا بياتريس، والتي لا يستطيع المحب تمييزها عن المحبوب الأول والأسمى، هنا لا بد أن يتدخل المحبو أن يتدخل ويغار فيلغي آخر حجبه حنى لا يشركه في حبه شئ، فيميت بياتريس ويختطفها، ليلقى المحب نفسه تائقا إلى الموت راغبا فيه، سعيا للمحبوب!
ولكن لأننا بشر، تظل بياتريس، آخر الحجب وأرقها، حتى وبعد موتها، حية بذكراها، مستمرة في حجبها للحب، وإن كان الحجاب هنا أشف وأرق، ولذلك وجب أن يقوم شاعرنا بمعراجه الروحي وحجه الفكري، متوغلا داخل كل الحجب، ممزقا إياها، صاعدا من أدنى درجات الجحيم، متخذا من فرجيل شيخه ودليله، عابرا المطهر، وصولا إلى الفردوس، وهنا يختفي شيخه فرجيل، وتظهر في السماء التاسعة مرشدته الأخيرة، والحجاب الأخير الأشف والأرق الذي يفصله عن الحق الأسمى، والحب المصمود، والمعشوق الذي هو العشق بعينه، وفي حضرته يفنى العاشق ولا يبقى إلا المعشوق!