رجلان في الظلام
تأليف
سعد هادي
(تأليف)
أحدثتَ ضجيجاً وصخباً لا يوصفان، كدتَ أن تُوقظ ضيوفي، ناموا وهم حُزناء ويائسون، ناموا على الأرضِ الباردةِ، لم تأتِهم حتى بكأسِ ماءٍ أو رغيف خبز، ليس لدينا سوى الكتب، فهل أطعمهم إياها؟
- كيف جاؤوا؟ كيف عرفوا الطريق إلى هنا؟ ألم نتركهم في شقتك؟
- يا إلهي، متى ستدرك أنهم موتى؟ موجودون في كل مكان، يذهبون إلى حيث يريدون، في أي وقتٍ يشاؤون.
- أنتِ تعيدين عليَّ هذا الكلام دائماً، لكنني لا أفهم، لماذا لا يقصد الموتى سواكِ؟ لماذا يأتون إليك حيثما تكونين؟ لماذا يأكلون ويشربون على مائدتك؟ أأنت ميتة مثلهم؟
- لا أدري لِمَ يفعلون ذلك، خصوصاً الموتى الصغار، يحيطون بي حيثما أذهب، يرقصون ويغنون ويثرثرون ويتعرون تحت سريري، ثم ينثرون قصاصات أشعارهم فوق جسدي.
سكتتْ لبضع ثوانٍ، ثم أضافتْ:
- نحنُ في عالمٍ واحدٍ يا صديقي، لا يفصل بيننا سوى جدارٍ، يشبه الجدار الذي يفصلني عنكَ الآن، إنه السجن الكوني بزنازينه اللانهائية، يسكنه الأحياء والموتى والمتخيّلون والافتراضيون، تتجاور بين جدرانه كائناتُ الواقعِ وكائناتُ الوهمِ، تتداخل الأرواح في هذا السجن وتمتزج الأخيلة، نحن نعيشُ في المتخيّل اللانهائي.