درسدن
تأليف
نيرمين صلاح
(تأليف)
بدا كل شيء هادئًا صبيحة هذا الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير، لا شيء ملفت إلا تلك البرودة وبعض الغيوم التي تجمعت، والتي ربما أرادت أن تخبرني ألا شيء سيبقى كما كان بعد أن تنقشع.. وأن شمس ذلك اليوم ما إن تسطع حتى تحرق أشعتها ما بقي من أيامي.
لا أثر لتلك التكهنات التي امتلأ بها المجمع السكني الذي نقطنه، تلك الهمسات التي ظلت تتردد طيلة الأيام السابقة بين جنبات القصور المتراصة عن أننا لسنا كتونس، بدت أنها الأقرب للحقيقة. أشعر أنني وقحة حين أصف ما أسمعه في بيتنا بأنه تكهنات، حين يحذر اللواء ماجد سلمان من أن هذا الثلاثاء لن يمر، حين تعلو أصوات لكل منها وزنه محذرين من أخطار مجهولة تحيط بنا، فمن العبث أن نسمي تلك تكهنات. أصدر اللواء ماجد أمرًا لنا جميعًا، أنا وزوجي وابني ووالدتي: «لن يُسمَح لنا بالخروج حتى مع مرافقينا من الأمن».. حاول أحمد إقناع جده بأن يسمح له بالذهاب للنادي الأهلي ليلحق ببطولة التنس، ولأول مرة منذ مولده يسمع أحمد تلك النبرة من والدي... ولأول مرة يحتد والدي هكذا على والدتي أمام الحرس وأمام زوجي وولدي. ولأول مرة تبدو والدتي بهذا الخنوع، شاهدت بعض المناقشات الحادة بينهما من قبل، لكن ذلك لم يحدث أبدًا أمام أحد حتى أخي. لام والدي أمي، فهو لا يفهم كيف تكون زوجة رئيس أحد أهم الأجهزة الأمنية في مصر، ثم تخرج على قناة الجزيرة لتقول إن مصر ليست تونس وإن لمصر خصوصيتها؟ كيف تقول إن مصر على شفا ثورة، لكنها ثورة ستخضب بالدماء؟ لماذا لا يظن هؤلاء أن تلك معلومات تستقيها من زوجها؟ كيف تضعه في هذا الموقف؟ يقول والدي إن كثيرين سيحاسبون، ولكن ليس اليوم، فاليوم لا أحد يستحق الاهتمام إلا مصر، مصر التي قد يُقَدَّر لها أن تحترق عن آخرها اليوم.